تقول الحكمة اليونانية الشهيرة : من لـه إرادة ، لـه قــوة
هذه الحكمة تنطبق كثيرا على هذا الرجل الهندي الذي استطاع أن يضرب لنا مثلا حيا في قوة الإرادة والعزم والمثابرة ، بل والإحساس الإنساني المسؤول والواعي بكون الانسان فعلا خليفة الله في أرضه
"Jadav Payeng" والبالغ من العمر سبعة وأربعين عاما ، قضى المرحلة الأهم من حياته وعمره في الغرس والزرع ، بذرة بذرة ... شجرة تلو شجرة ... حتى غدت لديه غابة حقيقة فيها من جميع أنواع الأشجار والنباتات بل والحيوانات أيضا المتوحشة والطيور وكل المخلوقات الضرورية من أجل حفظ التنوع الحيوي بالبيئة
صدق أو لا تصدق ، إنها حقيقة !... بدأت القصة منذ سنة 1979 حيث كان صاحبنا "جاداف" في الربيع الخامس عشر من عمره
غمرت الفيضانات النهرية المنطقة التي يعيش فيها وهي قرية صغيرة تابعة لمدينة "Jorhat" الواقعة في الشمال الشرقي من الهند ، فتشكلت برك ومستنقعات ضحلة استوطنتها بعض الحيوانات لفترة من الزمن
لكن بعد انحسار المياه ، نفقت جميع هذه الحيوانات بسبب عدم وجود أي أشجار أو نباتات تحتمي بها من حرارة ولهيب الشمس ، وأضحت المنطقة عبارة عن منبسط رملي أجدب لا أثر فيه للحياة ، ملئ بهياكل الحيوانات النافقة
هذا الأمر أحزن جدا "جاداف" الذي فكر في أن يستعين بالأشجار والخضرة لإعادة ملامح الحياة الى المكان ، فقصد وزارة الغابات والبيئة وطلب منهم المساعدة في تشجير المنطقة التي تمتد على مساحة 550 هكتارا
لكن طلبه قوبل بالرفض وقالوا له ان هذه الأرض منذ وجدت وهي جدباء قاحلة ولا يمكن ان تنجح فيها الزراعة أو التشجير
لكن الشاب لم ييأس وقرر بكل عزيمة و إصرار تحويل المكان بنفسه ولوحده وبجهوده الخاصة الى مساحة خضراء ، وبدأ بزراعة أشجار الخيزران كأول خطوة تجريبية ... مرت بضعة سنوات بعد ذلك ونجحت زراعة الخيزران بفضل رعاية وعناية "جاداف" الذي ترك قريته وأسرته ومدرسته وعاش وحيدا في هذا المكان من أجل إتمام مشروعه الكبير الذي وضعه نصب عينيه ...
لم يعد الأمر يقتصر على مجرد مساحة خضراء في أحلام "جاداف" ، بل كان طموحه وحلمه أكبر من هذا بكثير
بعد زراعة الخيزران بدأ "جاداف" يستجلب بذور النباتات المختلفة من كل مكان ، وانصب اهتمامه على الزهور والأعشاب البرية
ثم سرعان ما بدأ بزراعة الأشجار الكبيرة و أشجار الغابات التي سوف توفر الظل للحيوانات التي كانت سببا في ميلاد هذا المشروع برأسه
وكما لو كان عالما ايكولوجيا محنكا ، فكر "جاداف" في أنه لا بد من توفير التنوع الحيوي بغابته الصغيرة ، فكان يذهب الى قريته ويجمع النمل الأحمر الذي يحسن من خواص التربة كما يقول ، ثم يطلقه في الغابة لينشئ مستعمراته ويشكل مع باقي المخلوقات الحية التوازن البيئي الموجود في كل غابة او محمية طبيعية
شيئا فشيئا بدأت الحيوانات المختلفة تقصد المكان ، مثل الغزلان والأبقار ... وهذه بدورها اجتذبت الحيوانات المفترسة الى الغابة التي كانت تكبر أشجارها يوما بعد يوم وتصبح مأوى للعديد من الحيوانات التي كانت على وشك الانقراض بالمنطقة مثل : وحيد القرن والنمر البنغالي ...
كذلك وفدت الى الغابات جماعات مختلفة من الطيور المهاجرة والنسور ، حتى أضحى المكان غابة حقيقية بكل مقوماتها الطبيعية ، وشكلت الحيوانات الموجودة بها سلسلة غذائية متكاملة
امضى "جاداف" 30 سنة في العمل على مشروعه هذا ، ولم تسمع السلطات عن هذه الغابة الا سنة 2008 حين هاجم قطيع من الفيلة الذي يعيش بغابة "جاداف" احدى القرى المجاورة ، فاشتكى سكان القرية الى المسؤولين الذين قاموا بزيارة للمكان وفوجئوا بوجود الغابة في هذه البقعة التي تعتبر حسب الخرائط المحلية منطقة قاحلة وأرضا جرداء ... لكنها منذ 30 سنة لم تعد كذلك بفضل عزيمة "جاداف" وبفضل فكره النير
لكن كما يقال : خيرا تفعل شرا تلقى ... فقد غضب سكان القرية التي تعرضت لهجوم الفيلة من "جاداف" بسبب ما لحق منازلهم من خسائر وتوجهوا الى الكوخ الذي كان يقيم فيه وهدموه ، وطالبوا من السلطات أن تقوم بازالة الغابة وهددوا بحرقها ان لم تستجب لهم
لكن كيف لمن آمن بمشروع انساني كهذا أن يستسلم لهذه التهديدات ويتخلى عن حلم كرس حياته من أجله ، بل واعتبره رسالة ألزم نفسه بالوفاء بها طوعا ونذر عمره كله لها
لم تحرق الغابة ، ولم تضع جهود "جاداف" ، ولم تغادر الحيوانات أرضا ملكتها واستوطنتها زهاء ثلاثين سنة
أعاد "جاداف" بناء كوخه من جديد ، وها هو لا يزال يعيش مع أولاده كما يقول ، انه يعتبر هذه الأشجار والنباتات والحيوانات كلها أولاده وسيظل يرعاهم ويعيش بينهم إلى أن يموت
**********************************************
: http://www.medioambiente.org/2012/04...una-selva.html
اعداد وتعليق : سلاف فواخرجي
تعليق