وأنا أتصفح هنا وهناك وجدت هذا المقال الجميل عن موسم عصر الزيتون واستخلاص الزيت بالجنوب التونسي
حيث لا زالت العملية تتم بطريقة تقليدية محضة لا أثر فيها للمكننة
اترككم مع المقال المنقول من موقع الصحيفة الإخباري
**************************************
مع تباشير الصباح الأولى، تنطلق الخالة خديجة بن سعد رفقة عدد من أفراد عائلتها، نحو غابة الزيتون بمنطقة الشعال من محافظة صفاقس جنوبي تونس يحذوهم الأمل والنشاط والرغبة في الإبحار بين أغصان أشجار الزيتون الخضراء المنمقة بحبات خضراء وسوداء ممتلئة تسر الناظر.
ثم تتسارع أياديهم السمراء النحيلة نحو جني والتقاط أكبر عدد ممكن من حبات شجرة الزيتون المباركة قبل أن يعودوا أدراجهم بعد بضع ساعات من العمل حاملين ما يزيد عن 30 كيلوغرام من الزيتون قاصدين المنزل حيث تتم عملية عصر حبات الزيتون بطريقة يدوية واستخراج ما يطلق عليه في تونس اسم “زيت النضوح” أو “العصرة الأولى”؛ ويعتبر من أفضل وأجود أنواع زيت الزيتون مذاقا وقيمة غذائية، كما يتميز باخضرار لونه وقوة رائحته.
وتعتاد الخالة خديجة التقاط الزيتون خلال فترة حصاد هذه الثمرة بتونس، والتي تبدأ في شهر نوفمبر/ تشرين ثاني، وتنتهي في فبراير/ شباط.
ولإنتاج لتر واحد من زيت النضوح بواسطة الطريقة التقليدية، يتطلب ذلك 5 كيلوغرام من الزيتون على أقل تقدير، كما جاء على لسان الخالة خديجة.
ويدفع نفاذ مخزون أغلب العائلات من زيت الزيتون إلى اللجوء للطريقة التقليدية حتى توفر حاجتها من هذا السائل الذهبي ذو القيمة الرفيعة والفائدة الكبيرة.
وبعد جمع حبات الزيتون والعودة بها إلى المنزل، “توضع بكميات محددة على مساحة صغيرة معدة من الرخام تبلغ مساحتها متر مربع ثم يؤتى بصخرة كبيرة الحجم يطلق عليها اسم الكرد وتتكون من مادة الجبس والحصى، ويتم بواسطتها عملية عصر الزيتون بصفة يدوية؛ حيث نمرر الصخرة على جل حبات الزيتون المتواجدة على رقعة الرخام وتسمى العملية لدى التونسيون التقريب”، حسب الخالة خديجة.
وأضافت “بعد ساعة من التقريب نحصل على عجين اختلطت فيه حبات الزيتون بنواتها”.
ويعود استعمال الصخرة المسماة “الكرد” إلى العهد الروماني، حسب ترجيح الباحث في التاريخ، يوسف الشرفي.
وقال الشرفي إن “الحجارة التي تستعمل في عصر الزيتون تجلب جلها من منطقة القطار بمحافظة قفصة، جنوب غربي تونس”.
بعد مرحلة التقريب، “يقع تجميع العجين في إناء صغير وعجنه مجددا باليد المجردة فقط حتى يصبح أكثر تماسكا ولزاجة ويفرز ما به من زيت”، على حد قول الخالة خديجة التي أضافت “تستغرق هذه العملية بين النصف ساعة والساعتين حسب كمية الزيتون الموجودة، قبل أن نتحول إلى المرحلة الثالثة والأخيرة والتي تسمى الطفح، حيث يتم خلالها نقل العجين مرة أخرى إلى إناء أكبر حجم ثم يقع سكب الماء عليه بمقدار سطلين على أقصى تقدير ونبادر بفرك العجين يدويا حتى يتحلل وسط الماء ويخرج ما فيه من زيت يطفو شيئا فشيئا فوق الماء وترسب بقية الشوائب في القاع”.
ولفتت خديجة إلى أن عملية فرك العجين لدى الفلاحيين التونسيين تسمى “التفوتير”.
ومع صعود الزيت وتجمعه فوق الماء، يتم أخذه بحفنة اليد وبحركات مدروسة تقوم بها الخالة خديجة وثم يسكب الزيت في “كسكاس”؛ وهو أداة تصفية، لينساب الزيت من الكسكاس نحو الإناء الذي يوجد أسفل منه تاركا ورائه بعض الشوائب عالقة بثقب الكسكاس الصغيرة.
وتتكرر هذه العملية عدة مرات حتى يستنفذ عجين حبات الزيتون ما به من زيت، ويسكب جله داخل الإناء صافيا خاليا من جل الشوائب العالقة به زاخرا بالفوائد الصحية ويميل لونه إلى الخضرة البراقة وتنبعث منه رائحة قوية.
وقالت الخالة خديجة: “العائلة التونسية وخاصة الريفية لا يمكن أن تستغني عن ذخيرتها من الزيت طوال السنة؛ فزيت الزيتون غذاء و دواء”.
وبخلاف الطريقة التقليدية في انتاج الزيت، توجد طريقة أخرى ضاربة في القدم، وهي عصر حبات الزيتون دهسا بالأقدام، وأيضا طريقة الرحى التقليدية؛ وهي عبارة عن قطعتين مستديرتين من الحجر توضع بينهما حبات الزيتون وتداران باستمرار حتى تعصر حبات الزيتون، حسب يوسف الشرفي.
وبخصوص فوائد زيت النضوح، قال مهندس التغذية هشام مزيد، لمراسل “الأناضول”: “لزيت الزيتون فوائد متعددة فهو يسهل الهضم ومفيد للقلب والأمعاء والمعدة والحنجرة”.
وأضاف مزيد: “زيت الزيتون بصفة عامة والنضوح بصفة خاصة وإضافة إلى منافعه، فإن له فوائد إيجابية على الجلد والبشرة”.
وتحتل الفلاحة وخاصة زيت الزيتون مكانة كبيرة في اقتصاد محافظة صفاقس حيث تمسح الأراضي الزراعية 85 % من أراضي المحافظة، كما تنتج صفاقس 40 % من الانتاج التونسي من زيت الزيتون، وتحتل منطقة بئر علي بن خليفة التابعة لمحافظة صفاقس المرتبة الأولى عالميا في إنتاج الزيتون البيولوجي.
وتعد تونس رابع منتج للزيت في العالم كما يعود تاريخ غراسة أشجار الزيتون إلى القرن الثامن قبل الميلاد وهي اليوم تحتل أكثر من ثلث المساحة المخصصة للنشاط الفلاحي. والزيتون أنواع وأصناف ومن بينها “الشملالي” و”المسكي”، و”البسباسي” و”المرصلين”، و”الوسلاتي”، و”الزلماطي”.
ومن المتوقع أن يتضاعف الإنتاج الوطني التونسي لزيت الزيتون خلال الموسم الحالي 2014/2015 ثلاث مرات مقارنة بالموسم الفارط ليصل حسب تقديرات وزارة الفلاحة بين 265 و285 ألف طن، ولكن المشكل الذي يتصدر المشهد هو النقص الحاد في اليد العاملة المختصة على الرغم من ارتفاع أرقام البطالة بالبلاد التونسية.
ويعود نقص اليد العاملة المختصة بالأساس إلى الهجرة المكثفة للعمال نحو القطر الليبي بالإضافة إلى عزوف الشباب عن ممارسة العمل الفلاحي وعدم تخصصه فيه.
يذكر أن ما يقارب 500 ألف أسرة تعتمد على صناعة زيت الزيتون بالإضافة إلى أكثر من 1600 معصرة تنتصب بكامل أنحاء الجمهورية التونسية.
وفي جانب آخر، اتخذت الوزارة جملة من الإجراءات لحماية المنتوج من الزيت، على غرار تشديد الرقابة الأمنية على المناطق المعرضة للسرقة والنهب والتهريب خاصة منها الأراضي الدولية و المقاسم الفنية .
وتحتل تونس المرتبة الثانية عالميا من حيث المساحات المخصصة لشجر الزيتون بما يناهز 1.8 مليون هكتار لأكثر من 80 مليون زيتونة وقدر معدل الإنتاج الوطني من زيت الزيتون خلال العشرية الأخيرة ب 186 ألف طن أي ما يفوق 6 % من الإنتاج العالمي .
تعليق