ظاهرة توليد الحرارة ليست مقتصرة على الكائنات الحية مثل الإنسان والحيوان فحسب ؛ بل تتعداها الى مملكة النباتات أيضا
قد يبدو الأمر لأول وهلة غريبا شيئا ما ومثيرا للدهشة كون النباتات كما نظن لا تحتاج الى طاقة حرارية داخلية ذاتية
لكن اذا علمنا ان نوعية محدودة من النباتات تشترك مع الإنسان والحيوانات من ذوات الدم الحار في مجموعة من الصفات الفسيولوجية التي تجعلها مؤهلة لأن تكون مولدة للحرارة من أجل حكمة معينة لا يزال العلماء حتى يومنا هذا لم يحسموا فيها بدقة ؛ سوف يبدو الأمر طبيعيا جدا وغير جديد
اكتشف العلماء ظاهرة التوليد الحراري في مملكة النبات سنة 1777 على يد العالم الفرنسي "Jean-Baptiste de Lamarck"
الذي لاحظ الظاهرة لأول مرة على أحد أنواع نبات اللوف
Arum italicum
ثم بعدها توالت الدراسات المعمقة في الموضوع الى أن تبين ان الظاهرة تشمل عددا من النباتات المزهرة التي تنتمي غالبا الى الفصيلة اللوفية والنيلوفرية والزنبقية والسيكاسية والماغنولية ...
تتميز النباتات المولدة للحرارة بقدرتها على رفع درجة حرارتها الداخلية الى ما فوق درجة حرارة المحيط الخارجي حتى لو كان متجمدا !
وليس هذا فحسب ؛ بل ان هذه النباتات تستطيع ان تتحكم في درجة حرارتها مهما تغيرت درجة المحيط الخارجي بحيث تبقيها ثابتة عند رقم معين فيما يسمى بآلية التنظيم الحراري "Thermoregulation"
وذلك من أجل تقنين استعمال مواردها الطاقية وعدم هدرها كلها في توليد الحرارة
وقد يستمر استقرار درجة الحرارة عند الحدود المطلوبة لعدة ساعات أو ربما عدة أيام دون أن يؤدي هذا الى ايقاف استفادة النبات من موارده الغذائية بالرغم من توجيه جزء كبير من الطاقة نحو التوليد الحراري !
هذا مع تغاير منتظم لنسبة استهلاك النبات للأوكسيجين ؛ إذ كلما ارتفعت درجة حرارة النبتة كلما كان استهلاكها وامتصاصها للأوكسيجين أكبـــر، والعكس صحيح لا محالة
يمكن لبعض النباتات ان ترفع درجة حرارتها الى الأربعين درجة مئوية حتى لو كان درجة حرارة المحيط الخارجي ما دون الصفر
كما يمكن لبعضها ان تقوم بتذويب الجليد حولها ، وهي الظاهرة التي رُصدت انفراديا عند نبات الكرنب المنتن أو كرنب الظربان كما يطلق عليه "Symplocarpus foetidus"
اما نبات الفيلودندرون "Philodendron solimoesense" فبدوره رصدت لديه هذه الظاهرة الطبيعية المثيرة
حيث لاحظ العلماء ان درجة الحرارة التي تقوم الزهرة بتوليدها قد تصل الى 45°C بينما درجة الحرارة بمحيطه لا تكون متجاوزة للعشرينيات!
كل هذا يتأتى لها هذا بواسطة عُضيات خلوية "Mitochondrion" تعتبر هي مركز توليد الطاقة الحرارية في خلية جسم الكائن الحي
تقوم بتزويد خلايا الأنسجة الطاقية بمواد كيميائية دهنية هي نفسها التي توجد عند الثدييات والتي تقوم بانتاج الطاقة الحرارية في الجسم
وذلك طبعا ليس من فراغ ، وإنما من خلال ما حصلت عليه النبتة من غذاء و أوكسيجين ...
تستغرق عملية التوليد الحراري زهاء الساعتين أو أكثر الى أن تستقر عند الدرجة المطلوبة
الآن هناك سؤال يطرح نفسه بإلحاح وهو : لماذا تقوم هذه النباتات بتوليد الحرارة وفيما تحتاجها ؟
للأسف لا يزال العلماء كما أشرت بالبداية غير متيقنين من الجواب بالرغم من وجود عدد من الاحتمالات ، من بينها :
ان الحرارة التي تقوم الزهرة بإنتاجها تعمل على جذب الحيوانات والحشرات الملقحة
فكلما ارتفعت درجة حرارة الزهرة كلما انجذبت اليها الملقحات أكثر وأطلن المكوث فوقها أو بداخلها
أضف الى هذا أن الحرارة تعمل على نشر رائحة وعبير الزهرة أبعد مسافة ممكنة
الكثير من أنواع النباتات مولدات الحرارة يكون موعد إزهارها شتاءً أو في ساعة متأخرة من النهار أو في الصباح الباكر قبل طلوع الشمس ؛ مما يعني عدم توفر أشعة الشمس بشكل كاف لكي تنشر الزهرة عبيرها وتجذب اليها الملقحات
ولذلك يكون التوليد الحراري هو وسيلتها في اشباع غريزة البقاء التي بثها الخالق فيها
ومن بين الاحتمالات المطروحة أيضا أن الحرارة المولدة من طرف النبتة تساعدها على مجابهة بردوة المحيط الخارجي خاصة في المناطق المتجمدة وهذا من شأنه أن يساعد النبتة على الصمود أمام الصقيع وبالتالي انتاج ازهار وبذور في وقت أسرع لضمان تكاثرها ... لكن هذا الاحتمال يبقى نسبيا ولا يمكن تعميمه على جل النباتات المولدة للحرارة باعتبار ان نسبة كبيرة منها هي نباتات تنتمي الى المناطق الاستوائية الدافئة
تبقى هنا كل الاحتمالات مقبولة في ظل عدم وجود جواب مؤكد من طرف العلماء مع التسليم والاذعان لعلم الله الواسع كل شئ سبحانه
من الخصائص التي تشترك فيها جل النباتات من مولدات الحرارة انها كبيرة الحجم ، ذات بنية زهرية لحمية
ثنائية المسكن من صف كاسيات البذور
ونظرا لنمو الأعضاء التناسلية الأنثوية قبل مثيلتها الذكورية فان الزهرة هنا تكون بحاجة الى لقاح أزهار أخرى
و هذا الأخير لن تحصل عليه الا بجذب الحيوانات او الحشرات الملقحة نحوها بواسطة الحرارة
***********************************************
تعليق