منصة زاجل الإجتماعية

تقليص

مشروعية الاحتفال بليلة النصف من شعبان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حلم مطر
    زراعي جديد
    • Oct 2014
    • 17

    مشروعية الاحتفال بليلة النصف من شعبان

    [frame="2 10"]
    ليلة النصف من شعبان اختلف الناس في زماننا فقط في الاحتفال بها، وإن كان في الأزمنة الماضية الفاضلة لم يختلفوا أبداً في إحيائها، وظن البعض الذين منعوا إحيائها، و بعضهم كرّهوه، وبعضهم تجرأ على الله وحرّم الاحتفال بها أن ذلك لأن الاحتفال ليس بسُنة ...


    ماهى السُنة؟


    السُنة هي بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله أو بفعله أو بإقراره. هذه هي السُنة: إما أن يقول وإما أن يفعل وإما أن يقرّ من يفعل كل ذلك هو السُنة ... أليس كذلك؟ وهذه الليلة قد أمر الحَبيب صلى الله عليه وسلم بقوله بإحيائها وقام بنفسه فيما ثبت من الروايات الصحيحة بإحيائها فأما بقوله صلى الله عليه وسلم فقد قال صلى الله عليه وسلم: {إذا كانت ليلة النصف من شعبان نزل الله لغروب شمسها إلى السماء الدنيا فيغفر لأهل الأرض جميعاً إلا لمشرك أو مشاحن أو قاطع رحم أو مصرّ على معصية أو شارب خمر أو زان, فإذا كانت هذه الليلة فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا}{1}
    هذه هي السنة القولية
    وفى رواية أخرى: {إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَقُومُوا لَيْلَهَا، وَصُومُوا نَهَارَهَا، فَإِنَّ اللهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: أَلاَ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ لِي، فَأَغْفِرَ لَهُ، أَلاَ مُسْتَرْزِقٌ، فَأَرْزُقَهُ، أَلاَ مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ، حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ}{2}
    فغير الموفقين قالوا هذا الحديث حديث ضعيف ولا يجب أن نأخذ إلا بالحديث القوي كيف ذلك.


    دَأب العلماء الأجلاء جميعاً منذ عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا هذا ومن القواعد الأصولية في علم الأصول، أصول الفقه الذي هو مادة التشريع الإسلامي: يؤخذ بالحديث الصحيح المتفق على صحته في الأحكام الفقهية التشريعية التي تهم المسلمين في كل أمور حياتهم في الزواج وفي الطلاق وفي الميراث وفي البيع وفي الشراء، ولا نأخذ إلا بالأحاديث المجمع على صحتها


    لكن بالنسبة للاجتهاد في طاعة الله فمبدأهم في علم الحديث {يؤخذ بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال} لماذا؟ لأنك لن تسيئ إلى أحد إذا عملت هذا العمل, و لن تضر أحداً باستزادتك من هذا الفعل وإنما هذا فعل خاص لك وفي نفسك ولا يضر أن تعمله في أي وقت، وخذوا أمثلة على ذلك:


    الاجتماع للدعاء: هل هناك مانع شرعي من جمع المسلمين للدعاء في أي وقت وفي أي مكان؟ في أي زمان تنتاب المسلمين شدة يجب عليهم أن يجتمعوا للدعاء ولقوله صلى الله عليه وسلم {يَدُ الله مَعَ الجَمَاعَةِ}{3}
    وفي أي زمان لأن الدعاء ليس له وقت كراهة، بعد صلاة الصبح، بعد العصر، في أي وقت يدعون الله، وعلى وضوء أو علي غير وضوء لأن الدعاء لا يشترط له الطهارة الحسية بالوضوء وإنما أساس قبوله الطهارة القلبية لتطهير السر والقلب لله، إذاً ما الذي يمنع من الدعاء في هذه الليلة؟


    قراءة سور من القرآن في أي ليلة ما الذي يمنعها؟ وإذا كان بعضهم يمنع قراءة القرآن للآخرين لا أقول للأموات كما يقولون ولكن أقول للأحياء والأموات، فإني يجوز لي أن أقرأ القرآن لرجل حيٍّ وأهبه له، ونفترض أن هذا القرآن ثوابه لم يصل إليه، فهل لا يصل ثوابه إليّ وأنا الذي أتلوه؟


    يحرِّمون قراءة الفاتحة وتكرارها، لو لم تكن تستجاب فأي شئ يستجاب؟ فقد قيل للإمام أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه أيقبل الله منا قراءة الفاتحة؟ فقال رضي الله عنه : {كيف لا يقبلها وهي كلامه منه خرج وإليه يعود} إن لم يقبل كلامه فأي كلام يقبل؟ فالذين يقولون أن هؤلاء يقرأون الفاتحه خمسين مرة وما في هذا لو كررت الفاتحة خمسين مرة بمفردك أليست تلاوة لكتاب الله؟


    ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ الليلة كلها من بدأها إلى ختامها في ترديد آية واحدة من كتاب الله؟ وكل مرة لك الثواب كل حرف بعشر حسنات، لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف, فأنت طالما تتلوها فأنت تتعبد لله بخير عبادة يقبل عليها الله، قال فيها صلى الله عليه وسلم: {أَفْضَلُ عِبَادَةِ أُمَّتِي تِلاَوَةُ الْقُرْآنِ}{4}


    اجتماعنا هذا ماذا يقول فيه الحَبيب صلى الله عليه وسلم؟ :{لا يَقْعُدُ قَومٌ يَذكُرُونَ اللَّهَ تعالـى- - ولم يحدد زماناً ولا مكاناً - إلا حفَّتْهُمُ الـمَلائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، ونَزلَتْ عَلـيهِمُ السَّكِينَةُ، وذكَرَهمُ اللَّهُ تَعالـى فِـيـمَن عِنْدَهُ}{5}
    من يتألى على الله فيزعم أن هذا الحديث لا ينطبق على مجلسنا أو المجالس المباركة في ليلة النصف من شعبان، الحديث واضح وصريح.


    أما عن احتفائه صلى الله عليه وسلم بنفسه بهذه الليلة ففيه عدة أمور:
    الأمر الأول هو استجابة الله له صلى الله عليه وسلم فيها ، فقد ورد فيه أن الله استجاب له فيها مرتين المرة الأولى مرة بمكة قبل الهجرة، والمرة الثانية بالمدينة.


    أما في مكة فعندما طلب منه أهل مكة آية، وقالوا يا محمد سل ربك أن ينزل لنا آية نراها ونؤمن بك أجمعين، فسأل الله فنزل في هذه الليلة الأمين جبريل وقال: يا محمد قل لهم إن يجتمعوا في هذه الليلة يروا آية، فاجتمعوا حول الكعبة، ولم يكن حول البيت بناءاً إلا الكعبة فكانوا يصلون ورءوسهم إلى السماء وموضع الصفا والمروة لم يكن إلا أحجار الجبلين، وكانت خارج البيت، فالبيت كان الجزء من الكعبة إلى زمزم ومكشوف


    فاجتمعوا والقمر في هذه الليلة بدر كامل فأشار صلى الله عليه وسلم إلى القمر بإصبعه فانشق نصفين، نصف على الصفا، ونصف على المروة فأخذوا يغمضون عيونهم ويفتحونها فيجدونه وقد ظل على حالته، فذهبوا إلى بيوتهم وجلسوا ردحاً من الزمن ثم رجعوا فوجدوه على هيئته، ومع ذلك ما زادهم إلا تكذيباً وكانوا كما قال الله فيهم {وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} القمر2


    وقالوا شيبتنا يا محمد بسحرك، فقال بعض عقلائهم ننتظر حتى يأتي مَنْ هم مسافرون، فجاءوا بعد حين فسألوهم فقالوا نعم رأينا في هذه الليلة أن القمر قد انشق نصفين، ومع ذلك كذبوا ولم يؤمنوا لأنهم لم تسبق لهم من الله الهداية والعناية فتلك هى المرة الأولى.


    أما المرة الثانية فكانت في المدينة عندما كان يتطلع إلى الله، ويرجو من الله أن يولِّه قبلة أبيه إبراهيم، وفي هذا اليوم وعند صلاة الظهر وكان قد دعاه إلى وليمة غذاء قوم يسمون بني سالم بن عوف فقال آتيكم بعد صلاة الظهر، قالوا لا، تأتي عندنا وتصلي في منازلنا حتى تحلّ علينا البركة وافترشوا في منازلهم في ساحة أمام المنازل فراشاً وأذن لصلاة الظهر وصلى بهم صلى الله عليه وسلم ركعتين تجاه بيت المقدس وعندما كان في التشهد الأوسط نزل عليه الوحي بقول الله {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وحتى لا نظن أنه خطاب خاص به، عمّنا ببقية الخطاب فقال {وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} البقرة144


    فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم عندما قام إلى الركعة الثالثة تجاه الكعبة وصلى مَنْ خلفه بصلاته، فصلوا هذه الصلاة الفريدة ركعتين تجاه بيت المقدس والأخيرتين تجاه بيت الله الحرام، وروى فى الحديث: {بَيْنَمَا النَّاسُ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ بِقُبَاءٍ إِذْ جَاءَهُم آتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللّهِ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبَلُوهَا. وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ}{6}


    فهم لم يكملوا الصلاة ولم ينتظروا حتى يستوثقوا منه بل اتجهوا بمجرد سماعهم إلى بيت الله الحرام فانظر إلى تعظيم المسلمين لأمر إخوانهم بمجرد أن قال لهم هذا القول وهم في الصلاة لم يجادلوه ولم ينتظروا حتى ينتهوا بل فوراً اتجهوا وهم في الصلاة إلى بيت الله الحرام تصديقاً لأخيهم المؤمن الذي بلَّغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.


    والأمر الثانى هو تعبده صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة المباركة واجتهاده فى الصلاة و الدعاء ، وفى ذلك ورد فيما رواه الإمام ابن خزيمة في صحيحه أن السيدة عائشة رضى الله عنها وكانت ليلتها، إذ جاء النبي صلى الله عليه وسلم إليها ونام بجوارها والتحفا معاً بلحاف واحد، ثم قال يا عائشة أتأذنين لي أن أتعبد لربي في تلك الليلة؟ فقالت يا رسول الله إني أحبك ولا أحب فراقك ولكن أؤثر هواك على هواي فاعبد ربك كما تريد، فخرج صلى الله عليه وسلم واستبطأته فخرجت تبحث عنه فوجدته في البقيع ساجداً يقول في سجوده:


    {أَعُوذُ بِعَفْوِكَ مِنْ عِقَابِكَ، وَأَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخْطِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ إلَيْكَ، لاَ أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ، وَفَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ قَالَ: يَا عَائِشَةُ، أَوْ يَا حُمَيْرَاءُ أَظَنَنْتِ أَنَّ النَّبِيَّ قَدْ خَاسَ بِكِ؟ قُلْتُ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّكَ قُبِضْتَ لِطُولِ سُجُودِكَ، فَقَالَ: أَتَدْرِينَ أَيُّ لَيْلَةٍ هذِهِ؟. قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: هذِهِ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، إنَّ اللَّهَ يَطَّلِـعُ عَلَى عِبَادِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلْمُسْتَغْفِرِينَ، وَيَرْحَمُ الْمُسْتَرْحِمِينَ، وَيُؤَخِّرُ أَهْلَ الْحِقْدِ كَمَا هُمْ}{7}


    وفى رواية أخرى لعائشة رضي الله عنها فى هذه الليلة :{فَمَا زَالَ قَائِماً وَقَاعِداً حَتّى? أَصْبَحْتُ، فَأَصْبَحَ وَقَدِ ?ضْطُّهِدَتْ قَدَمَاهُ وَإنِّي لأَعْمُرُهَا وَأَقُولُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَلَيْسَ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالى? لَكَ مَا تَقَدَّم مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ: يَا عَائِشَة! أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدَاً شَكُوراً}{8}


    إذن هذه الليلة أخبر عنها المُصطفى صلى الله عليه وسلم وأمرنا بقوله أن نحييها ونصومها ونجتهد فيها فى الدعاء: {إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَقُومُوا لَيْلَهَا، وَصُومُوا نَهَارَهَا}{9}
    وأحياها صلى الله عليه وسلم بفعله مجتهداً بشدة فى الدعاء والقيام كما أوردنا خبر السيدة التقية النقية السيدة عائشة رضى الله تعالى عنها وعن أبيه الصديق.


    كما استجاب الله له فيها في مكة وفي المدينة، فخبرها محقق وما جيئ فيها يقين لا يتذبذب عنده لأى مؤمن قوي الثقة بربه، كل ما هنالك أن هذا الاجتماع الذي نحن فيه الآن لم يحدث في زمانه ولم يجتمع صلى الله عليه وسلم مع إخوانه في هذه الليلة في هذا الاجتماع، لكن الاجتماع مشروع ما دام لطاعة الله، وعبادة الله في أي ظرف وفي أي مكان.


    أما الصيام فمن نوى الصيام فإن الليالي التي نصوم فيها هي الليالي البيض، والأيام هي الأيام البيض والأيام البيض هي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وصيامها مسنون عن أبينا آدم فقد ورد فى فتاوى بن حجر أنه لما خرج من الجنة اسوَّد جسمه، فصام يوم الثالث عشر فابيض ثلث جسمه، فصام يوم الرابع عشر فابيض ثلث جسمه، فصام يوم الخامس عشر فابيض جسمه كله ولذلك تسمى الأيام البيض لأنها بيضت جسم آدم أو لأن القمر بضوءه يبيض فيها وجه الأرض ولذلك فمن صامها فإن الله يبيض قلبه من سواد الدنيا.


    كل ما هنالك وما علي أن ألاحظه إذا صمت اليوم الخامس عشر فإن كان يوم جمعة لابد أن يسبقه يوم أو يلحقه يوم لكراهة إفراد الجمعة بمفرده بصيام، وأن لا أنوي فيه الاستنان برسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لم يرد خبر صحيح بأنه صامه، أنوي الاقتداء به في صيام الاثنين والخميس لأنه صامهما، فالصيام المسنون هو الذي صامه، والصيام المستحب هو الذي أمر بصيامه ولم يصمه، فصيام عاشوراء مسنون لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صامه، وصيام يوم تاسوعاء مستحب لأنه لم يصمه وإنما قال لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر، لكنه لم يصمه.


    إذن صيام يوم الخامس عشر من شعبان مستحب فلا يجوز أن أنوي به الاقتداء برسول الله لأنه لم يصمه أو أن أنوي به صياماً مسنوناً، لكنه صوم مستحب، لكن هل هو من الأيام التي يحرم فيها الصيام؟ الأيام التي يحرم فيها الصيام يوم العيدين ويوم الشك على قول بعض الأئمة، وهل هو من الأيام التي يكره فيها الصيام؟ أبداً، إذاً ما الذي يمنعني أن أصوم أي يوم شئت لله؟



    {1} رواه الإمام أبو داود عن الإمام علي {2} سنن ابن ماجة عن علي بن أبى طالب {3} عن عمر بن الخطاب رواه الطبراني في الأوسط {4} أبو النعيم في فضائل القرآن من حديث النعمان بن بشير وأنس {5} عن ابن عباس في كتاب سند الدارمي {6} عَنِ ابْنِ عُمَرَ صحيح مسلم {7} عن علي بن أبي طالب رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة {8} ابن شاهين فِي التَّرغيب، جامع المسانيد والمراسيل {9} سنن ابن ماجة عن علي بن أبى طالب
    [/frame]
    التعديل الأخير تم بواسطة حلم مطر; الساعة 03-05-2020, 09:28 PM.
  • هاله الشاذلي
    زراعي جديد
    • Sep 2015
    • 1

    #2
    تسلموا على هذا التميز
    شكرا على الموضوع المفيدة جدا

    تعليق

    • حلم مطر
      زراعي جديد
      • Oct 2014
      • 17

      #3
      سلسلة الفائزين في سير الأولياء والصالحين

      الشيخ أحمد الرفاعي (رضي الله عنه)


      بداية أنوه أن الذي يوجد في مصر هو من ذرية سيدي أحمد الرفاعي وليس هو بذاته، واسمه سيدي علي، وصفته وكنيته أبو شباك، لكن سيدي أحمد الرفاعي (رضي الله عنه وأرضاه) ولد وعاش ودفن في قرية أم عبيدة التابعة لإقليم واسط بجنوب العراق، وكان ذلك في بداية القرن السادس الهجري، والرفاعي نسبة إلى أحد أجداده وكان اسمه رفاع، فنُسب إليه.


      سنتناول نبذة بسيطة عن حياته، وعن سلوكه في طريق الله (عزوجل)، وعن منهجه في الوصول إلى الله، وعن منهجه في تربية المريدين التربية الإلهية النبوية الحقة.


      كان هو ينتسب من جهة أبيه إلى سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنه، وأمه تنتسب إلى سيدنا الحسن رضي الله عنه، وهذا سبب من الأسباب التي قيلت في تسميته أبو العَلَمين لأنه ينتسب إلى:
      العَلَم الأول سيدنا الحسن.
      والعَلَم الثاني سيدنا الحسين.


      وقيل قولاً آخر في سر هذه التسمية، لأنه جمع الشريعة والحقيقة، فسمي أبو العِلْمين، وأطلق عليه مجازاً أبو العَلَمين...
      عالم الشريعة وعالم الحقيقة.



      وكان خاله أخو أمه من كبار العارفين المشهورين في بلاد العراق يسمى الشيخ منصور الباز البطائحي، والبطائحي نسبة إلى البطائح وهي الأماكن الجبلية المجاورة للقرى والمدن، والتي كان يذهب إليها العابدون والمجاهدون في الله لبعدها عن مظاهر الدنيا والشهوات والحظوظ والأهواء.


      لتكملة الموضوع فضلاً ادخل على هذا الرابط





      -----------------------------------------
      سلسلة الفائزين في سير الأولياء والصالحين
      لفضيلة الشيخ فوزى محمد أبو زيد

      تعليق

      • حلم مطر
        زراعي جديد
        • Oct 2014
        • 17

        #4
        القيم الإنسانية في سورة الحجرات خطبة جمعة

        القيم الإنسانية في سورة الحجرات
        ***************************************
        الحمد لله ربِّ العالمين، اختار لنا الإسلام ديناً، والقرآن كتاباً، والكعبة قبلةً، وسيِّدنا محمداً صلى الله عليه وسلَّم نبياً ورسولا.


        وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، أعزَّنا بهذا الدين، ورفع شأننا عنده في الدنيا وجعلنا في الآخرة من عباده المقربين - إن تمسكنا بما أوصانا به، وصرنا دائماً وأبداً نَعِي أننا عباد الله المسلمين.


        وأشهد أن سيِّدنا محمداً عَبْدُ الله ورسوله، اختاره الله عزَّ وجلّ على حين فترةٍ من الرسل، وقضى به على الجاهلية، وأزال به وبشريعته الشِّركَ والوثنية، وأحيا به هذه الأمة حياة تقيَّة نقيَّة، صاروا فيها في الحقِّ سواء، وجعلهم الله عزَّ وجلّ إخوةً متآلفين متكاتفين، يسعون إلى الخير وإلى العمل الصالح في الدنيا ليفوزوا بالسعادة الأبدية يوم الدين.


        اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيِّدنا محمدٍ، الذي جعلته ختام الأنبياء والمرسلين، وجعلت شريعته وكتابه مُهيمِنَيْن على ما جاء به النبيِّون والمرسلون، وجعلته إماماً للناس جميعاً يوم الدين وشفيعاً للخلق أجمعين.
        صلِّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وكلِّ من اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين، آمين .. آمين، يا ربَّ العالمين.

        إخواني جماعة المؤمنين:


        ذكر لنا الله تعالى آياتٍ من كتاب الله عزَّ وجلّ في سورة الحجرات، وهي سورة الآداب الإلهية التي أوصى الله بها عزَّ وجلّ المؤمنين، ليسعدوا في حياتهم الدنيوية، وتصير مجتمعاتهم مجتمعات تقيَّة نقيَّة، لا فيها غلٌّ ولا حقدٌ ولا حسدٌ، ولا شيء مما يُغضب الله، أو أمرٌ تُنتهك به شريعة الله. ووالله - يا إخواني - لو عملنا بهذه السورة لسعدنا في دنيانا أجمعين، وكنَّا في يوم القيامة إن شاء الله من الفائزين.


        وأكتفي بحقيقة واحدة في صدر آية قرَّرها الله عزَّ وجلّ في هذه السورة، وألزم بها المؤمنين – السابقين، والمعاصرين، واللاحقين - في أى بلدٍ أو أى مجتمعٍ من المجتمعات، عليهم أن يطبقوا هذه الحقيقة في كل أوضاعهم وفي كل حالاتهم، ماذا قال الله لنا؟
        "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" (10الحجرات).


        كلُّ المؤمنين، كلُّ مَنْ قال: (لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله)، في أى موضعٍ في الدنيا، في أى مكانٍ في الأرض، فهو أخٌ لنا، له حقُّ الأخوة الإيمانية في أعماقنا، وإن لم نَقُمْ بهذا الحقِّ حاسبنا عليه يوم القيامة ربُّنا عزَّ وجلّ.


        ما هذا الحق الذي علينا لإخواننا المؤمنين؟
        يوضِّح النبيُّ صلى الله عليه وسلَّم في سُنَّته بعض هذه الحقوق فيقول صلوات ربي وتسليماته عليه:
        (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يُسْلِمُه، ولا يحقره، بحسب أمرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كلُّ المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه). (رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه)
        صلوات ربي وتسليماته على هذا النبيِّ الذي لا ينطق عن الهوى،
        "إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى" (4النجم).



        سمع أصحاب النبيِّ هذه الآيات وإلى تفسيرها من كلام خاتم الأنبياء والمرسلين، فألغوا العصبية الجاهلية، ولم يَعُدْ الواحد منهم يهتم - أول ما يهتم - بالعصبية إلى قبيلته، أو إلى أسرته، أو إلى بلدته، أو إلى دولته، وإنما كانت العصبية لله، ولدين االله، ولكتاب الله، ولكل المؤمنين بالله عزَّ وجلّ.


        تعالوا معي إلى واقعة من وقائع المسلمين وهي غزوة بدر: كان من جيش المسلمين في هذه الواقعة مصعب بن عُمير رضي الله عنه، وبعد انتهاء الواقعة مرَّ ليتفقَّد الجيش فوجد أخاه لأمه وأبيه - وكان مشركاً - أسيراً مع نفرٍ من المسلمين، فناداه: يا مصعب استوصي بي خيراً، فالتفت إلى المسلميْن اللذين أسراه وقال لهما: استوصوا بأسيركما خيراً ولا تُفرِّطا فيه، فإن أمَّهُ غنيّة وستفديه بمالٍ كثير. فقال له أخوه لأمه وأبيه معاتباً: أهذه وصيتك بأخيك؟ قال: لستَ أخي، وإنما هؤلاء أخوتى، والإسلام فرَّق بيننا. بعد أخوة الإسلام لا أخوُّة بينهم وخاصَّة بعدما سمعوا الحبيب صلى الله عليه وسلَّم يقول:
        (أدخل الإسلام بلالاً - وهو الحبشي - في نَسَبِي، وأخرج الكُفرُ أبا لهبٍ - وهو عمُّه - مِنْ نَسَبِي).

        فنسب الإسلام هو الذي يحرص عليه المسلم على الدوام، لأنه النسب الذي ارتضاه لنا الواحد الملك العلام عزَّ وجلّ.


        والحقيقة الثانية في هذا الأمر: كيف نُبجِّل المسلمين؟ ومن الذي يستحق منهم التكريم؟ ومن الذي ينبغي له التبجيل؟ عملوا بقول الله: "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ" (13الحجرات) .. التقوى!!
        ولما كانت التقوى في القلوب، ولا يطلع عليها إلا حضرة علام الغيوب، فأصبح هذا الأمر غير مطروحٍ بالمرَّة، لأنهم كانوا كلُّ رجُلٍ منهم يعتقد تمام الإعتقاد أن إخوته المؤمنين جميعا خيرٌ منه عند الله عزَّ وجلّ، وخاصَّة بعد قول الحبيب صلى الله عليه وسلَّم:
        (لا فرق بين أحمر ولا أسود ولا أبيض ولا أعجمي ولا عربي، إلا بتقوى الله والعمل الصالح). (رواه أحمد عن جابر بن عبدالله)

        وكان جالساً صلى الله عليه وسلَّم في ملإٍ من أصحابه، ومرَّ بهم رجُلٌ تبدو عليه الأبَّهة والوَجَاهة، لأنه من الأثرياء في الدنيا، فقال صلى الله عليه وسلَّم لمن حوله:
        (ما رأيكم في هذا - وأشار إليه؟ قالوا: هذا حرىٌّ إن خَطَبَ أنْ يُنكح، وإنْ استأذن على الأمراء يُؤذَنُ له، وإنْ تكلَّم يُسمع له. فسكت صلى الله عليه وسلَّم. ومرَّ عليهم بعده رَجُلٌ في ثيابٍ خَلِقَة، لا يبدو عليه إلاَّ الرثاثة، فنظر إليه النبيُّ وقال لمن حوله: وما رأيكم في هذا؟ قالوا: هذا حرىٌّ إن خَطَبَ ألا يُنكح، وإن إستأّذن على الأمراء لايُوذن له، وإن تكلَّم لا يُنصت له. فقال صلى الله عليه وسلَّم: هذا عند الله عزَّ وجلّ - وأشار إلى الأخير - خيرٌ وأعظم من ملء الأرض من مثل هذا - وأشار إلى الغني). (البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه)

        "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ" (13الحجرات)،
        فوضعوا أخوة الإسلام هي الأخوة الدائمة لأنها هي الأخوة الباقية في الدنيا والآخرة، وقاموا لهذه الأخوة بحُرماتها وحقوقها وواجباتها لله طلباً لمرضاة الله.


        انظر يا أخي إلى ما نحن فيه وما كانوا عليه!!! نرى الأخ من الأب والأم يهجر أخاه، وربما يشكوه في المحاكم، ويقاطع أولاده من أجل ميراثٍ فاني، قطعة أرضٍ أو بضع جنيهاتٍ ورثاها سوياً عن الأبوين!!! بينما نجد الأخوة في الله، يأتي الرجل من بلدة بعيدة، ومن ديارٍ بعيدة، لا علاقة له به، ويدخل المدينة مُسْلِماً، فيذهب الأنصار إلى حضرة النبيِّ، كلُّهم يَوَدُّ أن يستضيف ضيفَ النَّبِيِّ ويُؤآخيه!! لا يُضيِّفه ليلة أو بضع ليالي ويتركه، وإنما يؤآخيه!! حتى قيل في الروايات: أنَّ الرجل كان يجتمع عليه خمسون رجلاً من الأنصار، كلُّ واحدٍ منهم يُريد أن يفوز به.

        فكان النبي صلى الله عليه وسلَّم لمَّا يجدُ ذلك يُجري القرعة بينهم، ومن تقع عليه القرعة يفرح كأنه فاز بجائزة عظيمة لأنه فاز بأخٍ في الله!! يأخذه ويصير له أخاً في الدنيا والآخرة، ويأخذه إلى بيته ويقول له:
        (هذا مالي ويقسِّمه ويقول له: اختر أيهما شئت، وهذا بيتي ويقسِّمه نصفين ويقول له: اختر ماشئت، وإن كان غير متزوجٍ - وله زوجتان - يقول: انظر إليهما، فأيهما أعجبتك أطلِّقها، وبعد انتهاء عدَّتها تتزوجها).


        ما هذا الذي حدث؟
        بحبوحة الإيمان!!
        انشراح الصدور للإسلام!!
        إمتلاء القلوب بنور حضرة الرحمن!!!
        الإيمان الذي يقول فيه ربُّ العزِّة عزَّ وجلّ:
        "مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا" (52الشورى).

        هذا النور الإيماني جعل هذه الوسعة في الصدور، فكانوا فيما بينهم لا غلَّ ولا حقد ولا حسد، ولا شُحَّ ولا طمع، ولا كلمة نابية، ولا عبارة جافية، ولا خصومة ولا مشاجرات ولا مشاحنات!!! انطبق عليهم قول الله - والذي نرجوا أن يعُمَّنا أيضاً في هذه الدنيا إن شاء الله - عن أهل الإيمان الذي ينبغي أن يكونوا عليه في كل زمان ومكان:
        "وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ" (47إبراهيم).


        تولَّى سيدنا أبو بكر - بعد انتقال الحبيب صلى الله عليه وسلَّم إلى الرفيق الأعلى - الخلافة، وعَيَّنَ قاضياً واحداً لدولة الإسلام، وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والمحكمة في المسجد، وليس معه حُجَّاب ولا سكرتارية، ولا هناك محامون يدافعون، والراتب كان يُصرف من بيت مال المسلمين كل سَنَة - وأنتم تعلمون جميعاً أننا كنَّا نصنع المثالية في العصور الماضية لمن يقومون بأعمال خيرية لنا في مساجدنا أو في مقابرنا أو غيره - ومرَّ عام، واستدعى الخليفة القاضي ليُعطيه أجره عن العام الذي عمل فيه، فقال القاضي رضي الله عنه:
        لا حقَّ لي في هذا المال. قال: ولِم؟ قال: لأنني في هذا العام لَمْ تُعرض علىَّ قضية واحدة. فأراد أن يُبيِّن السبب لمن حوله فقال: ولِم؟!! فقال: إن قوماً آمنوا بربِّهم، وتابعوا نبيَّهم، وجعلوا كلامَ الله وكتابَ الله حَكَمَاً بينهم، لا يحتاجون إلى قاضٍ يحكم بينهم.

        ألم يكن بينهم مزوُّرين؟ ألم يكن بينهم كذَّابين؟ ألم يكن بينهم أفَّاكين؟ ألم يكن بينهم مُدلِّسين؟ ألم يكن بينهم ظالمين؟
        لم يكن ذلك!! لأنه من كان فيه خصلة من هذه الخصال فقد خرج من دائرة المسلمين. يقول النبي صلى الله عليه وسلَّم في المسلم - لنعرف مَنْ هو المسلم:
        (المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ). (البخاري ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما)
        لا يؤذي بلسانه مسلماً قطّ!! إن كان بسبٍّ أو شتمٍ أو لعن أو كذبٍ أو تشنيعٍ. ولا يؤذي بيده إن كان بسرقة أو قتلٍ بسلاح أبيض أو غيره. لا يؤذي مسلماً قطّ لأن المسلمين إخوة، فكيف يؤذي إخوته المؤمنين؟ إذا فعل ذلك فقد خرج من دائرة الإسلام عندما يفعل ذلك

        ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلَّم عندما كان في حجِّة الوداع، خطب حوالي عشر خُطب، مرَّةً بجوار الكعبة، ومرَّةً على عرفات، ومرات في منى، وفي كلِّ خطبة يُكرِّر قولاً واحداً في جميع هذه الخطب: (كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ).( رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه)
        إذن مَنْ يَسْتَحِلّ دمَ مسلمٍ ليس بمسلمٍ، مَنْ يَسْتَحِل عِرْضَ مسلمٍ ليس بمسلمٍ، مَنْ يَسْتَحِل مالَ مسلم بغير حقٍّ ليس بمسلم. هؤلاء خرجوا من دائرة الإسلام، وإن كانوا يؤدون العبادات، ويكثرون من الطاعات!! إلاَّ أنهم غُرِّر بهم وخرجوا من دائرة الدين الحنيف، لأن: (المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ).

        انظر إلى أدب الأولين!! حدث خلافٌ بين رجلين من رجال الصحابة - وهما سيدنا خالد بن الوليد وسيدنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما - والمنافقون موجودون في كل زمان، وإن كانوا في عصرهم قلِّة وفي عصرنا زادوا كثرة، فذهب أحد المنافقين إلى خالد وقال:
        أما سمعت ما قاله عنك عبد الرحمن؟ قال له: وماذا قال؟ قال: قال كذا وكذا وكذا، قال: لا، إن ما بيننا لم يصل إلى ما ذَكَرْتَ.
        (يلتقيان فيُعرض هذا ويُعرض هذا) - ولكن لا فجور في الخصومة، فلا يتقوَّل على أخيه، ولا يُشنِّع على أخيه، ولا يحاول أن يُبرَّر فعله وينسب ذلك إلى أخيه، وإنما الأدب التام الذي علمَّه لهم الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام. بل إن المنافقين عندما يريدون أن يفرِّقوا بينهم لا يستطيعون، لأن لهم من نور الإيمان دليلٌ وبرهان يكشف كذب أهل الزور وأهل البهتان.

        ذهب رجلٌ إلى أبي بكرٍ رضي الله عنه في قضية، وبعد أن عرضها عليه حَكَمَ له بِحُكْمٍ، وبعد انصرافه من أمام أبي بكر قابله عمر - وهو القاضي – فسأله: ما كنتَ تصنع؟ فقصَّ عليه القضية، فقال: لا، الحكم فيها كذا وكذا. فدخل الرجل - ليصنع فتنة - وقال لأبي بكر: أيكم الخليفة؟ أنت أم عمر؟ قال: أنا الخليفة، واعمل بما أمرك به عمر. سبحان الله!! رجالٌ صدقوا، وَصَفَهُم حبيبُ الله ومصطفاه حيث قال في شأنهم:
        (عُلَمَاءٌ، حُكَمَاءٌ، فُقَهَاءٌ، كَادُوا مِنْ فِقْهِهِمْ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ). (أبو نعيم في معرفة الصحابة والحافظ ابن عساكر في "تاريخ دمشق".)

        كان فيما بينهم الحكمة البالغة، والمودَّة التامة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلَّم في شأنهم: (إن من أمتي رجالٌ ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم النبيُّون والشهداء لمكانتهم وقُربهم من الله عزَّ وجلّ يوم القيامة. فقال أعرابي: يا رسول الله، رجالٌ ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيُّون والشهداء!! صِفْهُمْ لنا. قال: هم أناسٌ من أمتي، من قبائل شتى، وبُلدان شتَّى، توادُّوا بِرُوحِ الله على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها فيما بينهم، فواللهِ إنَّ وجوهَهُم لنُور، وإنَّهم لعَلَى مَنَابِر من نُورٍ قدَّام عرش الرحمن يوم القيامة، يفزع الناس ولا يفزعون، ويخاف الناس وهم الآمنون. ثم تلى قول الله عزَّ وجلّ: "أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ. لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الاخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" (62: 64يونس).( أبو داود عن عمر رضي الله عنه)


        وقال صلى الله عليه وسلَّم: (التائب حبيب الرحمن والتائب من الذنب كمن لا ذنب له) ، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

        الخطبة الثانية:

        الحمد لله ربِّ العالمين، الحمد لله الذي هدانا لهذا الهُدى، وشرح صدورنا للإيمان وجعلنا من عباده المسلمين، ونسأله عزَّ وجلّ أن يُحيينا على الهُدى والتُقى والعفاف والغنى، حتى يتوفانا مسلمين ويُلحقنا بالصَّالحين.


        وأشهد إله إلا الله وحده لا شريك، يُحقُّ الحقَّ ويُبطل الباطل ولو كره المجرمون.


        وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ الله ورسولُه، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، وتركنا على الملِّة السمحاء والمحجَّة البيضاء، ليلُها كنهارها، لا يزيغ عنها بعده إلا هالك.


        اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وارزقنا هُداه، ووفقنا للعمل بشريعته واتباع سنته يا الله، واجعلنا ممن يُحشر تحت لوائه يوم الدين، ويفوز بجواره في جنة النعيم، آمين .. آمين، يا ربَّ العالمين.

        "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" (10الحجرات).
        أَمَرَ الله كلَّ مؤمنٍ أن يسعى - من نفسه بدون طلب ولا استدعاء - للصُلح بين أىِّ مُسْلِمَيْنِ اختلفا قريباً منه، أو علم أمرهما ويستطيع أن يَفْصِلَ بينهما، وإن قصَّر في ذلك يحاسبه الله عزَّ وجل عزَّ وجلّ على ذلك. لِمَ رأيت أخويك فلاناً وفلانا - وأخويك في الإسلام، ولا أقصد في العائلة فقط - يختصمان ولَمْ تتدخَّل لإزالة ما بينهما من شحناء، ألا تعلم أنك لو أصلحت بين مُسْلِمَيْنِ كان خيراً لك من كل العبادات النفلية التي تُوجب محبَّة ربِّ البرية؟!!
        كان خيراً لك من قيام الليل، ومن صيام النهار، ومن تلاوة القرآن، ومن أعمال الخير والبرِّ، لأنك أصلحتَ بين نَفْسَين مسلميْن كما طلب الرحمن عزَّ وجلّ في القرآن، ولذلك قال صلى الله عليه وسلَّم مُقرِّراً هذه الحقيقة: (ألا أدلُكم على ما هو خيرٌ لكم من الصلاة – أى: النافلة – والصيام – أى: النوافل - والصدقة والحج؟ – أى: النوافل، قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: إصلاح ذات البين). (الترمذي وأبو داود من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه)


        لأن تقضي بضع ساعة في إصلاح رجلين خيرٌ لك من قيام هذه الليلة من العشاء إلى الفجر في ركوعٍ وسجودٍ لله عزَّ وجلّ، لأن الركوع والسجود لك - وربما لا تحضر فيهما النفس، وربما لا يخشع فيهما القلب، وربما يُصاب بهما الإنسان بداء الغرور، وربما يظُن أنه خيرٌ من غيره فيُحبط عمله - لكن هذا عملٌ إجتباه الله ورضاه.

        لأن تقضي بضع دقائق في إصلاح مُسْلِمَيْنِ في النهار خيرٌ من صيام النهار أبد الدهر، لنسارع في هذه القضية التي قلَّ ونَدُرَ في عصرنا من يقوم بها الآن، منهم من يقول: لمْ يستدعِني أحدٌ لها، نقول له: ألا تعلم؟ يقول: أعلم، ولكن لم يَدْعُني أحدٌ للصُلح، ومنهم من يقول: حتى يضع كل واحدٌ شيكاً بمبلغ كذا وكذا من الجنيهات على المنضدة، ويتمُّ الحكم بينهما، ومنهم من يقول كذا وكذا. لكن النبوة لم تشترط ذلك!! وأصحاب النبيِّ لم يفعلوا ذلك!! بل كان كل واحد منهم يسارع مِنْ قِبَلِ نفسه في الإصلاح بين المؤمنين.


        قد يقول قائل: إنِّي رجل في نظري وفي نظر غيري ضعيف، وماذا يصنع الضعيف والفتنة بين طائفتين أقوياء؟ أقول له: خُذْ قول الله عزَّ وجلّ: "إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ الله بَيْنَهُمَا" (35النساء). لو أردت الإصلاح - بصدقٍ ويقين - فإن الله سيمدُّك بمدده، ويُعينك بعونه، وتستطيع أن تقضي على هذه الفتنة مع أنك في نظر الناس ضعيف!! تأييداً لقول الله الذي أنزله في كتاب الله عزَّ وجلّ.


        علىَّ أن أسعى، وإذا رفض أحد الطرفين أحذِّره بقول النَّبِيِّ الأمين، قال صلى الله عليه وسلَّم: (مَنْ جاءه أخوه متنصِّلاً - أي معتذراً - فَلْيَقْبَلْ منه مُحقًّا كان أو مُبطلاً، فإن لم يقبلْ لا يَرد علىَّ الحوض). (الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه) الذي يأتيه أخوه أو يُرسل إليه يريد صلحه ويرفض، لا يرد الحوض على رسول الله.

        إذا كان الله جلَّ في عُلاه مهما يرتكب المرء من خطايا على ظهر الأرض إذا قال: تُبتُ يا ربِّ، يقول: وأنا قبلت، ويقول للسماوات وللملائكة عُمَّار السماوات فيم معناه: (بُشرى يا ملائكتي، فقد اصطلح عبدي معي، افتحوا أبواب السماوات لقبول توبته، ولدخول أنفاس حضرته، فَلَنَفَسُ العبد التائب عندي يا ملائكتي أعزُّ من السماوات والأراضين ومن فيهن). ربُّ العزِّة عزَّ وجلّ يأتيه الظالم - الذي لا حدَّ لما ارتكب من المظالم - ويقول: تُبتُ، فيقول الله: وأنا قبلت، فلِمَ لا تكون أنت يا أخي على أخلاق الله؟!!!


        إن الله كريم عفُوٌّ يُحب العفو، فلماذا لا تعفو لتنال عَفْوَ الله في الآخرة إن شاء الله؟ لماذا لا تغفر لتنال غُفران الله جلَّ في عُلاه؟ لماذا لا تكون على أخلاق حبيب الله ومصطفاه؟ وقد أمرك الله أن تتأسى به وتمشي على هُداه، وقال له في كتاب الله: "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ" (199الأعراف).


        قد تكبِّر النفس والشيطان والناس من حولي الأمر في نفسي ويقولون: أنت لو تنازلت وتصالحت مع فلانٍ ستسقط مكانتك، وستنزل درجتك، وستكون ذلِّة لك. أقول لهم: لا، لقد قال صلى الله عليه وسلَّم: (مازاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزِّاً) (رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.) لا يعفو الإنسان إلا وزاده الله من عَزِّه، لأنه تخلَّق بأخلاق الله وقد قال صلى الله عليه وسلَّم: (إن الله يحب من خلقه من كان على خلقه).

        ولذلك يا إخواني اعلموا علم اليقين أن الأرزاق والبركات تنزل من السماء على المؤمنين إذا سارعوا فيما قلناه، وفي تحقيق ما أمرنا به ربُّ العالمين. إذا نسي المسلمون هذا وتركوا المسلمين - هذا يحُطُّ على ذاك، وهذا يخاصم ذاك، وهذا يرفع الشكايات الكيدية على ذاك، وهذا يُهدِّد بأعمالٍ عُدوانية ذاك - كما نرى الآن - ارتفعت عنا عناية السماء، وحُرِمْنَا البركات في الأرزاق، وكنا - كما نرى جميعاً - في همٍّ وغمٍّ ونكدٍ على الدوام، بسبب حالنا الذي أصبح لا يُرضي الملك العلام عزَّ وجلّ.


        فعلينا جماعة المؤمنين أن نصلح أحوالنا حتى تكون بلادنا طيبة، "وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ" (58الأعراف). ولو أنا أصلحنا أحوالنا لانطبق علينا قرآن ربِّنا: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ" (96الأعراف)



        خطبة جمعة لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد


        لقراءة وتحميل الخطب الاسبوعية لوزارة الأوقاف فضلاً اضغط على هذا الرابط

        تعليق

        • حلم مطر
          زراعي جديد
          • Oct 2014
          • 17

          #5
          حين رفض إبليس السجود لأدم لم يكن هناك شيطان فمن وسوس له

          حين رفض إبليس السجود لأدم لم يكن هناك شيطان فمن وسوس له؟
          =====================================


          الكِبْر: "أَبَى وَاسْتَكْبَرَ" (34البقرة) أصيب بداء الكبر، أمره الله بالسجود لكنه قال: " أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً" (61يونس) أنا أفضل منه:" أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ" (12الأعراف) فأصيب بداء الكبر لأنه كان يظن أنه لا يشبهه أحد في عبادة الله، وفي طاعة الله في عوالم عالين.


          مكث حوالي اثنتين وسبعون ألف سنة ليس في السماوات السبع موضع شبر إلا ولإبليس فيه سجدة لله تبارك وتعالى، فاغتر، ومن يغتر ينضر، فورث الكِبر: "أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ" (12الأعراف) آدم لم يفعل شيء وأنا مكثت اثنتين وسبعون ألف سنة في طاعة الله، ونسي أن الذي يخاطبه ويطلب منه هو رب العالمين، فلم يدرك ذلك.
          من الذي يطلب؟ الله، ولا ينبغي عليه أن يعصى مولاه طرفة عين ولا أقل، ولا يخالف له أمراً.

          بِمَ مدح الله الملائكة؟ "لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" (6التحريم) ولكنه لما عصى خرج من الملائكة فوراً: "كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ" (50الكهف).
          هذا هو السبب، أن إبليس أصيب بمرض الكبر، ومرض الكبر من الأمراض الخطيرة التي نسأل الله أن يخلِّصنا منها أجمعين، قال صلى الله عليه وسلم:
          {لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ} صحيح مسلم والترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
          الذي في قلبه مثقال ذرة واحدة من كِبر لن يدخل الجنة، فما بالك بمن امتلأ قلبه بالكِبر كإبليس؟ هذا يخرج فوراً: "اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً" (18الأعراف)



          من فتاوى فضيلة الشيخ فوزي محمد أبو زيد لقراءة المزيد من الفتاوى فضلاً اضغط على هذا الرابط

          تعليق

          مواضيع شائعة

          تقليص

          لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

          جاري المعالجة..
          X