تعودنا بالعالم العربي أن نلقي اللوم دوما على حكوماتنا ومسؤولينا في كل المشاكل التي تواجهنا حتى أبسطها
ألا وهو مشكل نظافة شوارعنا وأحيائنا وافتقارها الى مظاهر الجمال والخضرة والحياة
والحقيقة التي لا مفر من الاعتراف بها أن نظافة الأحياء والشوارع يتحمل فيها المواطن المسؤولية الأكبر
صحيح هناك تقصير من طرف السلطات والمسؤولين ، وهناك إهمال كبير لكل ما يتعلق بالنظافة والتطهير
سواء على المستوى المادي أو البشري ... لكننا كمواطنين لا يمكن ان نتملص من المسؤولية الملقاة على عاتقنا
ألا وهي نظافة الحي الذي أسكن به ، أو الشارع الذي أمر منه ، أو الحديقة التي أتنزه فيها
أكثريتنا يعتقد أن نظافته تبدأ وتنتهي عند عتبة داره ... هذه هي العقلية السائدة مع الأسف
المسؤولون ما عساهم يفعلون إزاء سلوكياتنا في مجال النظافة ؟
يجب أن أعتبر أن ذاك الحي الذي أمر به كل يوم هو جزء مني ، هو مرآة لي ولشخصيتي و لخلقي ...
ماذا يضيرني لو ساهمت الى جانب الحكومة التي ترأسني في المحافظة على جماله ورونقه و في تجهيزه بما تجود به نفسي اذا لزم الأمر ؟
لم لا ؟ فبالنهاية ذاك الحي حيي أنا . أنا من يعيش فيه وليس المسؤول !
ما يضيرني لو اعتبرت الطريق العام يخصني كما تخصني ممتلكاتي الشخصية التي أحافظ عليها وأصونها ؟
هل أرضى لبيتي أن يكون على الحالة التي عليها الحي الذي أقطن به ؟ قطعا لا ... وهذه هي مصيبتنا !
أننا نعتبر الملك العام مستباحا ، ألوثه كما يحلو لي و أخربه وأشوه مظهره ، لأنه لا يخصني تلك الخصوصية التي تجعلني أعامله كما أعامل بيتي ومسكني ...
ربما كل ما ذكرته في هذه الثرثرة التي أحببت أن أقدم بها لموضوعي ، هو ما نفسه ما فكر فيه مجموعة من شباب مدينتي الحبيبة مدينة طنجة عروس شمال المغرب كما تلقب
هو نفسه ما جعلهم يقومون بمبادرة بيئية جميلة جدا أرجو لها الاستمرارية
إذ قاموا بتزيين أحيائهم وأزقتهم بكل ما يلزم ؛ بدءا من أحواض زراعية جميلة قاموا بصفها على جنبات الأحياء
ثم مرورا الى اختيار ألوان صباغة زاهية لجدران المنازل وعتبات الأبواب والشرفات والنوافذ ، وحتى الأسفلت قاموا بصباغته
ومنعوا مرور المركبات بوسط هذه الأحياء حتى يظل حيز دائم لوضع أحواض النباتات حيث قاموا بوضع إما نافورات صغيرة أو مجسم لبئر أو أحواض مثبتة على الأرض لا يمكن إزالتها
ومشاركة الاطفال كانت هي الأبرز و الأجمل بين كل هذا ، فهي في حد ذاتها درس عظيم من دروس التربية البيئية
كل اختار تزيين حيه وتجهيزه بطريقته الخاصة وبذوقه ... ولكن بقي اللون الأزرق السماوي الذي يرمز الى موقع المدينة الجغرافي المطل على مجمع البحرين هو اللون الأكثر طغيانا واختيارا من طرف الشباب
وسرعان ما انتقلت عدوى تزيين الأحياء الشعبية الى كل منطقة من مناطق طنجة
ساعد على هذا وسائل التواصل الاجتماعي التي استغلها أصحابها في انشاء ما يشبه مسابقة للتنافس على لقب أجمل حي شعبي بالمدينة
والنتيجة كانت أن ارتدت كل الأحياء التي كانت الى وقت قريب قاتمة مهملة ، حلة جميلة زاهية الألوان تمتزج بين جمال النبات و نظافة المكان و اشراق الألوان
وطبعا بعد كل هذه اللمسات الجمالية والبسيطة جدا يصبح بالامكان الاستمتاع بجمال المكان ونظافته وهدوئه
و ما كان بالامس مستحيلا مثل هذه الجلسة الحميمية بين الجيران والاصدقاء وسط الحي ، أضحى اليوم ممكنا بفضل جهود هؤلاء الشباب الفضلاء
لن أطيل عليكم كثيرا ... إنما أحببت أن أعرفكم بهذه المبادرة البيئية الجميلة والنبيلة علها تكون سببا في بعث روح الأمل هنا أو هناك في أي مكان بهذا العالم
علها تصبح قدوة أو عبرة أو دافعا ... سموها ما تشاؤون ... المهم أن تلقى لدينا صدى بأرواحنا المتعبة من وطأة صور ومشاهد الحروب والدمار والخراب
لا تنتظروا ممن تولوا أمرنا أن يفعلوا كل شئ فبإمكاننا نحن بمجهوداتنا البسيطة فعل الكثير والكثير
هاته بعض الصور لمختلف الأحياء الشعبية التي تم تزيينها ، أرجو أن تروقكم
وهذه صورة للاحتفال الذي أقامه الشباب بمناسبة الانتهاء من أشغال تزيين وتجهيز أحد الأحياء
تعليق