تأثيرات الافات على المحاصيل الزراعية والتربة
Effects on Field Crops and Soilsتزداد الخسائر الناتجة من آفات المحاصيل سواء كانت حشرية أو مرضية أو أعشاب عند ظهورها غالباً بأعداد كبيرة نسبياً في البيئة الزراعية. كما يتباين حجم الخسائر من منطقة لأخرى تبعاً لشدة الإصابة وللمعاملات والوسائل الاعتيادية المتبعة في مقاومتها. وقد قدرت الخسائر الناجمة عنها في حقول المحاصيل الحقلية والبستانية في أوروبا بحوالي 25٪ (Altman and Campbell, 1977) وقد تصل الخسائر إلى أكثر من 65٪ في البلدان النامية أو الأقل تطوراً . وتشير إحصاءات وزارة الزراعة الأمريكية (1971) إلى أن الآفات الزراعية تسبب خسائر مادية تزيد عن 12 بليون دولار سنوياً وأن 42٪ منها بسبب الحشائش و 28٪ بسبب الحشرات و 27٪ بسبب الأمراض النباتية و أن 3٪ بسبب النيماتودا. ورغم قلة الدراسات المشابهة في الدول العربية إلا أن دراسات المنظمة العربية للتنمية الزراعية تقدر الخسائر في الوطن العربي بما يتراوح بين 15 – 65٪ . إن كثرة وتنوع المسببات (جدول 1) وتداخل تأثيراتها على نمو وإنتاجية المحاصيل يجعل عملية حصر الأضرار أو الخسائر غير دقيق، إلا أنه يمكن إيجاز أهم هذه الأضرار والخسائر المشتركة كما يلي:
(أ) منافسة الحشائش: يعتبر النقص في كمية ونوعية المحصول هو المحصلة النهائية للمنافسة على عوامل النمو بينها وبين نباتات المحصول، وقد تكون المنافسة أكثر تأثيراً في حالة وجود تشابه أو قرابة بين نباتات المحصول مع نباتات الحشائش وذلك بتصنيفهم تحت عائلة أو فصيلة واحدة. في مثل هذه الحالة يكون المجموع الجذري والمجموع الخضري لهذه النباتات متشابهاً ومتقارباً في الحجم والاحتياجات الغذائية بدرجة كبيرة وخاصة في أطوار النمو المبكرة. وتزداد حدة المنافسة بين هذه النباتات في حالة الترب الزراعية الفقيرة بمحتواها من العناصر الغذائية.
تحتاج نباتات الحشائش لكميات اكبر من الماء والغذاء لإنتاج طن واحد من المادة الجافة مقارنة بمعظم نباتات المحاصيل. لهذا تمتاز كثير من نباتات الحشائش بسرعة تكوين مجموع جذري عميق وهي في أطوارها الأولى من النمو، وقد تكون لدى بعض أنواع أخرى القدرة على إفراز مواد كيماوية مانعة أو مثبطة لنمو جذور نباتات المحصول النامية معها.
كما تلازم بعض أنواع من نباتات الحشائش مع بعض نباتات المحاصيل وتنتقل معها في إرساليات البذور التجارية حيث تزرع وتنضج معاً كما في القمح وحشيشة الهيبان. وقد تتطفل نباتات الحشائش تطفلاً كاملاً على نباتات المحصول المصاحب له كما في حشيشة الهالوك المتطفلة على جذور نباتات الفول والترمس والطماطم، وحشيشة الحامول على سيقان البرسيم والعدس والموالح أو تطفلاً ناقصاً كما في حشيشة العدار على نباتات الذرة والقصب (أنظر الجدول المرفق) وذلك لعدم قدرتها الكلية أو الجزئية على توفير غذائها عن طريق عملية البناء الضوئي. وقد تتسلق الحشائش وتلتف على سيقان نباتات المحصول حتى تصل إلى القمة والحصول على أكبر قدر من الضوء كما في حشيشة العليق على كثير من المحاصيل والتي قد يسبب رقادها أو كسرها، وقد يكون النقص بسبب إجراء عملية عزق الحشائش النامية بين السطور (عبد الجواد وآخرون، 1989). كما يسبب تلوث بذور المحصول ببذور الحشائش نقصاً في القيمة النوعية إذا لم يتم لها غربلة وتنظيف.
(ب) الحشرات: تعتبر الحشرات من الآفات الخطيرة حيث سجل منها أكثر من 10000 نوع تصيب النباتات والحيوانات والإنسان والمنتجات المخزنة. الحشرات في البيئة الزراعية تهاجم نباتات المحاصيل فتقرض أو تتغذى على المجموع الخضري كالأوراق والأزهار والثمار والقمم النامية والأفرع أو المجموع الجذري. وقد تهاجم الحشرة نوع واحد أو أكثر من المحاصيل مما يجعل عمليات مقاومتها أو مكافحتها صعبة. كما تساهم الحشرات عملياً في انتشار الكثير من الأمراض النباتية الفطرية والفيروسية وذلك بحملها للمسببات المرضية سواء داخل جسمها أو عالقة على أرجلها وسائر جسمها.
(ج) النيماتودا والفطريات والفيروسات والبكتيريا: تصاب كثير من النباتات بهذه الآفات أو بعضها، وتزداد الإصابة المرضية وتتفاقم غالباً عند توفر الظروف البيئية المناسبة كوفرة مياه الري أو الكثافة النباتية العالية وعدم جدية التعامل مع المشكلة من البداية.
(د) القوارض والطيور: لقد عرف الإنسان منذ وقت مبكر أضرار القوارض كالفئران والنمل والطيور بأنواعها على العملية الزراعية بدءاً من وضع البذور في المهد مروراً بالنضج وحتى تخزين المحصول. هذه النوعية من الآفات تسبب نقصاً كمياً ونوعياً بالمحصول أو المنتج، إضافة لترك مخلفاتها على المحصول مما يسبب نقل بعض الأمراض الخطيرة للإنسان كالطاعون والحمى وغيرها.
تعب التربة الزراعية وانخاض انتاجها
انتشار وتكاثر الحشائش المعمرة وخاصة تلك التي تتكاثر بعدة طرق يقلل من إنتاجية التربة الزراعية وبالتالي قيمتها. كما تسبب المواد الكيماوية الضارة التي تفرزها جذور بعض نباتات الحشائش النامية مع المحصول أو الناتجة من تحلل جذور الحشيشة بعد موتها أو قطع مجموعها الخضري (بدون قلعها) أو الناتجة من غسيل وتحلل الأوراق طبيعياً بفعل ماء الري أو المطر. حيث وجد أن إفرازات جذور بعض الحشائش مثل السعد والشوفان والنجيل والسورجم البري تمنع أو تثبط إنبات ونمو بذور و بادرات بعض المحاصيل على الرغم من وفرة الرطوبة والعناصر الغذائية في التربة (عبد الجواد وآخرون، 1989) مما يسبب وجود بقع بيضاء في الحقل غير نابتة مما يستلزم ترقيعها.
كما تشجع المخلفات النباتية جراثيم الأمراض وكثير من الحشرات على البقاء والتكاثر حتى توفر العائل المناسب. كما تسبب الديدان الأرضية مثل النيماتودا في تقليل إنتاجية التربة والتي تتواجد في قطاع واسع من التربة يصل إلى 80-90 سم مما يعني عدم فعالية الحرث السطحي والتقليب للتربة في القضاء عليها، مما يعني أن تنظيف التربة وإعادة تأهيلها يستلزم دفع مبالغ طائلة تزيد من تكاليف الإنتاج وكذلك جهد ووقت المزارع. وقد تسبب المبيدات المستعملة لمعاملة التربة مباشرة أو التي قد عوملت على المجموع الخضري للنباتات ضرراً كبيراً خاصة في المنطقة القريبة من منطقة نمو الجذور وتواجد الكائنات الحية المفيدة كالبكتيريا المثبتة للنتروجين الجوي Rhizobium sp. مسببة تثبيط للنمو أو إيقافه بالكلية، وقد وجد أن المنتجات الزراعية من الترب الفقيرة أو المعاملة تكون غالباً أقل في نوعيتها وجودتها وتصنف على أنها منتجات من الدرجة الثانية وخاصة لمحاصيل الخضر الجذرية والورقية (الزميتي 1997م).
تكاثر الحشرات والأمراض النباتية
Increasing Insects and Plant Diseases
رغم أن تواجد الحشرات والأمراض النباتية ومسبباتها من الآفات النباتية قد لا تسبب قلقاً أو ضرراً مادامت لم تتجاوز الحدود والمستويات الاعتيادية بعرف المزارع العادي أو المتعارف عليها علمياً بالكثافة الطبيعية والتي تعكس التوازن الطبيعي لأعداد الآفة خلال فترة زمنية كافية لنموها وتكاثرها تحت تأثير العوامل الطبيعية مع عدم تعرضها لأي وسيلة لمكافحتها (منى و السمارة، 1418هـ). لكن تزايد أعداد أو كثافة الآفة عن تلك الحدود يعني الدخول في مرحلة الضرر والخسارة الاقتصادية والذي يلزم معه البدء بالمكافحة وعدم إهدار الوقت لضمان الفعالية الكافية لتحقيق النتائج المطلوبة، وقبل وصول الإصابة بالآفة للدرجة التي يكون معها عملية مكافحتها غير مجدية.
مقاومة الآفات الزراعيةAgricultural Pest Control
تتواجد الكائنات الحية النباتية والحيوانية عادةً بأعداد أو مستويات شبه ثابتة في المنظومة البيئية المتوازنة (منى والسمارة 1418هـ)، على أن حدوث بعض الزيادات في أعدادها قد يكون متوقعاً عقب بعض التغيرات في الظروف المناخية المفاجئة ولكن سرعان ما يتم التوازن بظهور وسيادة أنواع جديدة وتراجع أنواع أخرى أو انقراضها. لذا فإن التطور السريع في منظومة العمل الزراعي وتكثيف العملية الإنتاجية بدخول التقنيات الحديثة والتكنولوجية مع زيادة الرقعة الزراعية سبب إحداث خلل كبير ومستمر في عدم التوازن لعناصر البيئة بدرجة أصبحت معها الآفات تشكل خطراً على الإنسان وغذائه مما استلزم إيجاد أفضل السبل وأنجعها لمقاومتها ومكافحتها، وقد تتم عملية المقاومة والمكافحة بعملية واحدة أو أكثر بأسلوب متكامل وبنسق وتوقيت مدروس.
نمط المقاومة التقليديةTraditional Control Style
ينحصر مفهوم المقاومة البسيط لدى المزارعين غالباً بالمقاومة السنوية للحشائش وتجنب حالات ظهور النقص للعناصر الغذائية في النباتات وفي التربة الحقلية وذلك بتوفير الأسمدة اللازمة مبكراً، على اعتبار أن النقص اليسير في الناتج عادةً لا يؤبه له من قبل المزارع. هذا النمط من المقاومة قد تم تطويره وترسيخه في منظومة الإنتاج الزراعي إلى وقت قريب وذلك بتشجيع الزراعة في دورة زراعية مناسبة، بل إن كثير من دول العالم النامية لازالت تتبعه. ورغم بساطة هذا النمط إلا أن تطبيقه لم يتم بشكل جيد مما سبب في زيادة انتشار الآفات وارتفاع تكاليف الخسائر الناجمة منها، رغم بعض النتائج الجيدة على الحشائش خصوصاً، ونتائج ثانوية أو ضمنية على الآفات الأخرى والتي يتم التعامل معها غالباً بالمبيدات الكيماوية كطريقة سهلة ووحيدة مضمونة النتائج رغم ارتفاع تكاليفها. آلية هذا النمط من المقاومة التقليدية تتلخص في مرحلتين مشهورتين هما:
1- مرحلة المنع أو الحجر:
وهو إجراء وقائي بالدرجة الأولى، وفيه يمنع وصول الآفة سواء كبذور حشائش أو أجزاء تكاثرية منها أو جراثيم مرضية أو حشرات وقوارض وديدان، سواءً مع الإرساليات البذرية المستوردة أو من البيئة المحلية المحيطة. ويعتمد نجاح هذه المرحلة بشكل أساسي على المتابعة الدقيقة والقوانين المحلية الضابطة، على أن التساهل وعدم الصرامة في التطبيق يسبب فشل هذه المرحلة وفقد دورها الفاعل.
2- مرحلة الإبادة التامة: وتعني هذه المرحلة إزالة الآفة والقضاء عليها نهائياً سواءً بوسائل ميكانيكية كاستخدام المحاريث والأمشاط والآليات المختلفة أو فيزيائية كاستخدام الحرق بالنار خاصة مع الأعشاب طبيعية كما باستخدام الدورات الزراعية أوكيماوية وهذه شائعة الاستخدام خاصة بعد اكتشاف مبيد 2,4-D في عام 1944م (شعلان والسيد علي، 1981). ورغم التوسع الكبير في استخدام العديد من المبيدات الكيماوية في المقاومة إلا أنه تسبب في ظهور بعض أنواع وسلالات من الآفات ذات قدرة على تحمل ومقاومة التأثيرات السامة والقاتلة لهذه المبيدات.
وبشكل عام فإن تواجد الخبرة الزراعية بالقرب من النباتات سواءً في الحقل أو البستان أو داخل البيوت المحمية يعتبر الخطوة الأولى والمهمة في عمليات المقاومة حيث يتم التعرف على المشكلة وعناصرها وتقدير أبعادها في مراحلها الأولى قبل أن تستفحل مما يسهل معه التعامل معها بطرق مناسبة ومتاحة.
نمط المقاومة الحديثةModern Control Style
إن التعامل المبكر مع مشاكل الآفات قد يكون أمراً يسيراً وغير مكلف في نفس الوقت، وذلك بوضع برنامج مقاومة متدرج بدءً بالطرق الميكانيكية المباشرة وحتى استعمال المبيدات الكيماوية بأنواعها المتاحة. ففي الدول المتقدمة التي تطبق النظم الزراعية الحديثة نجدها قد بنت حساباتها وتوقعاتها للأعداد الحشرية مثلاً على توفير العديد من المصايد الضوئية والفرمونية ونشرها في نواحي الحقل، خاصةً مع صعوبة الحصول على البيانات الدقيقة من المتابعات الحقلية غير المستمرة.
لقد اعتاد المزارعون مواجهة العديد من الآفات الزراعية وعرفوا أثرها السلبي على الناتج من المحصول، كما تعرفوا على بعض الحلول الزراعية المجدية ولكن هذا لم يمنع ظهور حالات من اللبس أو عدم الفهم لبعض النصائح والإرشادات المعنية بزيادة الإنتاج وحمايته. وقد يكون استعجال المزارعين ورغبتهم بحصر عملية المقاومة بطريقة وحيدة سريعة ومضمونة النتائج أحد أسباب عدم الفهم المقصود. مثال ذلك استخدام أحدث المبيدات وأشدها فتكاً بغض النظر عن مدى سلامة تطبيقها وتجنب محاذيرها وضررها على الإنسان نفسه من جراء عشوائية التطبيق أو بكثرة استخدامها. لذا فإن الأضرار السلبية للمبيدات الكيماوية المستخدمة في عمليات المكافحة لسنوات طويلة بالإضافة للتكاليف المالية العالية قد أفرزت منهجا جديداً للتعامل مع الآفات عموماً يعرف بالإدارة المتكاملة للآفات (Integrated Pest Management). هذا المفهوم الجديد للمكافحة المتكاملة قد بدأ في تطبيقه كثير من الدول المتقدمة منذ عدة سنوات بينما معظم الدول النامية مازالت تعتمد وبدرجة كبيرة على المبيدات.
يقوم مفهوم المكافحة المتكاملة بتطبيق أفضل الطرق المتاحة بهدف تقليل أعداد الآفة والسيطرة عليها وليس القضاء عليها مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الاجتماعية والبيئية والاقتصادية للمزارع نفسه ولسكان البيئة الزراعية كذلك (Sill, 1982). إن معرفة العوامل المسببة والظروف البيئية التي ساعدت على ظهور وانتشار الآفة يجعل لعملية المقاومة أثراً أكبر ويحد من تفاقمها بأقل تكلفة ممكنة مع عدم الإضرار بحياة الإنسان ومحيطه الذي يعيش فيه. ويتلخص أسلوب المكافحة المتكاملة للآفات بالاستفادة القصوى من المقاومة الطبيعية البيئية والتي من عناصرها:
- المناخ السائد عند ظهور الآفة
- الأعداء الطبيعية للآفة
- الحالة الغذائية والصحية لنباتات المحصول المصاب أو المستضيف للآفة
- المعاملات الزراعية المتبعة في تنمية ورعاية المحصول
ورغم طرح الكثير من البرامج المتكاملة لمكافحة العديد من الآفات فإن بعض المتخصصين يرى أهمية وجود برامج متخصصة ولو بصورة أولية لبعض الآفات المتوقعة لكل بيئة ولكل محصول اقتصادي وذلك لاختصار الوقت اللازم للبحث والدراسة عند ظهور المشكلة. وبشكل عام فإن سرعة تصميم وتطبيق معظم برامج المكافحة المتكاملة وتوقع فرص نجاحها يعتمد على بعض المعلومات الفنية الأساسية مثل:
1- معرفة الظروف البيئية والبيولوجية للآفة.
2- كفاءة وسرعة تقدير أو قياس مستوى الضرر ومدى فهم وتوظيف البيانات في برنامج المكافحة المقترح.
3- معرفة مستويات وحدود الضرر والخسارة الاقتصادية والعوامل المؤثرة فيها.
4- المقاومة الطبيعية المتاحة ومدى اتخاذ توقيت قرار المكافحة الكيماوية.
الأسباب التي تقلل من فرص ظهور الآفاتCauses Reducing Pest Appearance
إن إتباع أسلوب الزراعة بالطريقة السليمة والتي تراعى فيها أفضل المعاملات الفنية والإدارية من شأنه أن يجنب المزارع والمزرعة (الحقل) كثير من المشاكل والأخطار البيئية. ومما ينصح به عادةً في هذا المجال ما يلي:
- اختيار موعد الزراعة المناسب مع القيام بالمعاملات الزراعية الضرورية قبل وعند الزراعة.
- استخدام الأصناف المقاومة من إرساليات معتمدة ووكلاء معروفين.
- تقنين وتوقيت عملية الري.
- اتباع نمط الدورة الزراعية.
- استخدام المبيدات عند الحاجة وبطريقة مقننة.
تعليق