قصدت مكتبتي ذات امسية من امسيات الشتاء الباردة الطويلة , علني آنس بكتاب تذهب به وحشتي و تنجلي بين صفحاته
ووجدتني انتقي كتابا متآكل الحواف اوراقه مهترئة تعلوها صفرة قاتمة , تنبعث منها رائحة اعشقها كثيرا
انها رائحة الكتب القديمة كم احبها ياالله
نظرت الى تاريخ الطبعة فوجدتها تعود الى سنة 1934
فقلت يا سبحان الله كيف تهفو نفس الانسان الى كل ما هو من رائحة وعبق الماضي
لماذا يا ترى؟ هل اصبح واقعنا على هذه الدرجة من الكآبة والاسى حتى صرنا ننسلخ منه ونتمنى العودة الى الماضي الجميل وايامه الجميلة ؟
لن اطيل عليكم وسادعوكم معي الى قراءة حكاية من حكايا كتاب كليلة ودمنة
حكاية كلها حكمة وتبصر قد تكون حكاية من حكايات زمننا الحالي , بل انها تكاد تنطبق على واقعنا الحالي بكل تفاصيله
فلتقرؤوا معي ما قال ابن المقفع مع بعض التصرف مني
زعموا ان اسدا كان في اجمة مجاورة لطريق من طرق الناس , وكان له اصحاب ثلاثة: ذئب وغراب وابن آوى
ومر ذات يوم من ذلك الطريق رعاة ومعهم جمال فتخلف جمل منها فدخل تلك الاجمة حتى انتهى الى ذلك الاسد
فآواه الاسد لما علم منه ما كان من امره , واقام معه زمنا طويلا ومنحه من ذمته وعهده امنا .
ثم ان الاسد ذات يوم خرج الى الصيد فلقي فيلا عظيما فقاتله قتالا شديدا وافلت منه وهو مثخن بالجراح وقد خدشه الفيل بانيابه
فلما وصل مكانه وقع لا يستطيع حراكا ولا يقدر على طلب الصيد
فلبث الغراب والذئب وابن آوى اياما لايجدون طعاما لانهم كانوا يقتاتون على فضلات الاسد
فلما راى الاسد منهم ذلك امرهم بالخروج لطلب الصيد
فخرج الثلاثة من عند الاسد وتنحوا ناحية وتشاوروا فيما بينهم وقالوا : ما لهذا الآكل العشب الذي ليس شانه من شاننا , الا نزين للاسد اكله فياكله ويطعمنا من لحمه؟
قال ابن آوى: هذا مما لا نستطيع ذكره للاسد لانه قد امن عليه وجعل له من ذمته عهدا
فقال الغراب: انا اكفيكم امر الاسد , فدخل على الاسد فساله الاسد: هل اصبتم شيئا من الصيد؟
قال الغراب: انما يصيب ايها الملك من يسعى ويبصر و اما نحن فلا سعي لنا ولا بصر لما اصابنا من الجوع , ولكن قد وفقنا لراي ان وافقنا الملك فنحن له مجيبون
قال الاسد: وما ذاك؟ فقال الغراب : هذا الجمل آكل العشب المتمرغ بيننا من غير منفعة لنا منه ولا رد عائدة
فغضب الاسد غضبا شديدا وقال : ما اخطا رايك او ما علمت مني اني قد آمنت الجمل وجعلت له من ذمتي عهدا؟
قال الغراب : اني لاعرف ما يقول الملك ولكن النفس الواحدة يفتدى بها اهل البيت واهل البيت تفتدى بهم القبيلة . . . وقد نزلت بالملك حاجة وانا اجعل له من ذمته مخرجا على الا يتكلف الملك ذلك ولا يليه بنفسه.
فسكت الاسد عن جواب الغراب فعرف الغراب ان هذا اقرار منه فاتى اصحابه وقال لهم:
قد كلمت الاسد في اكله الجمل على ان نجتمع نحن والجمل عند الاسد و يعرض كل واحد منا نفسه عليه تجملا لياكله فيسفه الآخران رايه ويبينان الضرر في اكله
ففعلوا ذلك وتقدموا الى الاسد , فقال الغراب: قد احتجت ايها الملك الى ما يقويك ونحن احق ان نهب لك انفسنا فانا بك نعيش فاذا هلكت فليس لاحد منا بقاء بعدك, فلياكلني الملك فقد طبت بذلك نفسا.
فاجابه الذئب وابن آوى: اسكت فلاخير للملك في اكلك وليس فيك شبع.
قال ابن آوى: لكن انا اشبع الملك فلياكلني فقد رضيت بذلك
فرد عليه الذئب والغراب: انك لمنتن قذر , قال الذئب: انا لست كذلك فلياكلني الملك فقد طبت عنه نفسا.
فاعترضه الغراب وابن آوى وقالا: انه قد قالت الاطباء ان من اراد قتل نفسه فلياكل لحم الذئب.
فظن الجمل انه اذا عرض نفسه على الاكل التمسوا له عذرا كما التمسوا الاعذار بعضهم لبعض فقال:
لكن انا في للملك شبع وري ولحمي طيب هني وبطني نظيف , فلياكلني الملك ويطعم اصحابه فاني قد رضيت بذلك وطبت عنه نفسا.
فقال الذئب والغراب وابن آوى: لقد صدق والله الجمل و كرم , وقال ما عرف.
ثم انهم وثبوا عليه فمزقوه.
تنتهي هنا الحكاية كما اوردها ابن المقفع ولكن لا ينتهي ما يمكن ان نعتبر منها ونتعظ
فكما قال ابن المقفع انه قد يقال خير السلاطين من عدل في الناس ولكن الاقاويل اذا كثرت لم تلبث ان تذهب الرافة والرحمة من قلب السلطان العادل . الا ترى ان الماء ليس كالقول وان الحجر اشد من الانسان . فالماء اذا دام انحداره على الحجر لم يلبث ان يثقبه ويؤثر فيه. وكذلك القول في الانسان.
في انتظار تعليقاتكم
ووجدتني انتقي كتابا متآكل الحواف اوراقه مهترئة تعلوها صفرة قاتمة , تنبعث منها رائحة اعشقها كثيرا
انها رائحة الكتب القديمة كم احبها ياالله
نظرت الى تاريخ الطبعة فوجدتها تعود الى سنة 1934
فقلت يا سبحان الله كيف تهفو نفس الانسان الى كل ما هو من رائحة وعبق الماضي
لماذا يا ترى؟ هل اصبح واقعنا على هذه الدرجة من الكآبة والاسى حتى صرنا ننسلخ منه ونتمنى العودة الى الماضي الجميل وايامه الجميلة ؟
لن اطيل عليكم وسادعوكم معي الى قراءة حكاية من حكايا كتاب كليلة ودمنة
حكاية كلها حكمة وتبصر قد تكون حكاية من حكايات زمننا الحالي , بل انها تكاد تنطبق على واقعنا الحالي بكل تفاصيله
فلتقرؤوا معي ما قال ابن المقفع مع بعض التصرف مني
زعموا ان اسدا كان في اجمة مجاورة لطريق من طرق الناس , وكان له اصحاب ثلاثة: ذئب وغراب وابن آوى
ومر ذات يوم من ذلك الطريق رعاة ومعهم جمال فتخلف جمل منها فدخل تلك الاجمة حتى انتهى الى ذلك الاسد
فآواه الاسد لما علم منه ما كان من امره , واقام معه زمنا طويلا ومنحه من ذمته وعهده امنا .
ثم ان الاسد ذات يوم خرج الى الصيد فلقي فيلا عظيما فقاتله قتالا شديدا وافلت منه وهو مثخن بالجراح وقد خدشه الفيل بانيابه
فلما وصل مكانه وقع لا يستطيع حراكا ولا يقدر على طلب الصيد
فلبث الغراب والذئب وابن آوى اياما لايجدون طعاما لانهم كانوا يقتاتون على فضلات الاسد
فلما راى الاسد منهم ذلك امرهم بالخروج لطلب الصيد
فخرج الثلاثة من عند الاسد وتنحوا ناحية وتشاوروا فيما بينهم وقالوا : ما لهذا الآكل العشب الذي ليس شانه من شاننا , الا نزين للاسد اكله فياكله ويطعمنا من لحمه؟
قال ابن آوى: هذا مما لا نستطيع ذكره للاسد لانه قد امن عليه وجعل له من ذمته عهدا
فقال الغراب: انا اكفيكم امر الاسد , فدخل على الاسد فساله الاسد: هل اصبتم شيئا من الصيد؟
قال الغراب: انما يصيب ايها الملك من يسعى ويبصر و اما نحن فلا سعي لنا ولا بصر لما اصابنا من الجوع , ولكن قد وفقنا لراي ان وافقنا الملك فنحن له مجيبون
قال الاسد: وما ذاك؟ فقال الغراب : هذا الجمل آكل العشب المتمرغ بيننا من غير منفعة لنا منه ولا رد عائدة
فغضب الاسد غضبا شديدا وقال : ما اخطا رايك او ما علمت مني اني قد آمنت الجمل وجعلت له من ذمتي عهدا؟
قال الغراب : اني لاعرف ما يقول الملك ولكن النفس الواحدة يفتدى بها اهل البيت واهل البيت تفتدى بهم القبيلة . . . وقد نزلت بالملك حاجة وانا اجعل له من ذمته مخرجا على الا يتكلف الملك ذلك ولا يليه بنفسه.
فسكت الاسد عن جواب الغراب فعرف الغراب ان هذا اقرار منه فاتى اصحابه وقال لهم:
قد كلمت الاسد في اكله الجمل على ان نجتمع نحن والجمل عند الاسد و يعرض كل واحد منا نفسه عليه تجملا لياكله فيسفه الآخران رايه ويبينان الضرر في اكله
ففعلوا ذلك وتقدموا الى الاسد , فقال الغراب: قد احتجت ايها الملك الى ما يقويك ونحن احق ان نهب لك انفسنا فانا بك نعيش فاذا هلكت فليس لاحد منا بقاء بعدك, فلياكلني الملك فقد طبت بذلك نفسا.
فاجابه الذئب وابن آوى: اسكت فلاخير للملك في اكلك وليس فيك شبع.
قال ابن آوى: لكن انا اشبع الملك فلياكلني فقد رضيت بذلك
فرد عليه الذئب والغراب: انك لمنتن قذر , قال الذئب: انا لست كذلك فلياكلني الملك فقد طبت عنه نفسا.
فاعترضه الغراب وابن آوى وقالا: انه قد قالت الاطباء ان من اراد قتل نفسه فلياكل لحم الذئب.
فظن الجمل انه اذا عرض نفسه على الاكل التمسوا له عذرا كما التمسوا الاعذار بعضهم لبعض فقال:
لكن انا في للملك شبع وري ولحمي طيب هني وبطني نظيف , فلياكلني الملك ويطعم اصحابه فاني قد رضيت بذلك وطبت عنه نفسا.
فقال الذئب والغراب وابن آوى: لقد صدق والله الجمل و كرم , وقال ما عرف.
ثم انهم وثبوا عليه فمزقوه.
تنتهي هنا الحكاية كما اوردها ابن المقفع ولكن لا ينتهي ما يمكن ان نعتبر منها ونتعظ
فكما قال ابن المقفع انه قد يقال خير السلاطين من عدل في الناس ولكن الاقاويل اذا كثرت لم تلبث ان تذهب الرافة والرحمة من قلب السلطان العادل . الا ترى ان الماء ليس كالقول وان الحجر اشد من الانسان . فالماء اذا دام انحداره على الحجر لم يلبث ان يثقبه ويؤثر فيه. وكذلك القول في الانسان.
في انتظار تعليقاتكم
تعليق