سلامة الغذاء
مفهوم المخاطر ... ومصادر الخطر
د/ لطفى حمزاوى
الأستاذ بكلية زراعة عين شمس
نتوقع – كمستهلكين- أن يكون الغذاء مفيدا.. كاملا.. نقيا.. آمنا. نتوقع أن يكون مغذيا للدرجة التي تغطي احتياجاتنا ويمكن تناوله في صور متعددة ولكن حديثا انصب اهتمام المستهلكين على " سلامة الغذاء" أي ألا يساهم الغذاء في الإصابة بالأمراض المزمنة مثل السرطان وامراض القلب أو العدوى بالميكروبات أو التسمم وغيرها من الامراض.
وعموما نلاحظ أن اهتمام المستهلكين خلال السنوات الماضية قد تغير حيث كان الاهتمام في السبعينات يتركز حول السلامة من مضافات الاغذية وفي الثمانينات تغير الاتجاه الى السلامة من بقايا المبيدات والاشعاع وفي التسعينات تركز الاهتمام على موضوع التكنولوجية الحيوية والاغذية المهندسة وراثيا، أما في بداية الالفية الثانية فقد تركز الاهتمام على تقييم وإدارة المخاطر في الاغذية سواء كانت مصادر الخطر بيولوجية أو كيميائية أو طبيعية.ويهمنا في هذا الموضوع التفرقة بين ثلاث كلمات هي: "السلامة"، "مصادر الخطر في الاغذية"، و "المخاطر من تناول الغذاء".
"فالسلامة" تعني عدم حدوث ضرر صحي للإنسان عندما يستهلك الغذاء، و هذا المعنى يعتبر غير كاف نظراً لأن المستهلك قد يتعرض لمواد سامة معينة في الغذاء ولكن قد لا يظهر أثرها الضار إلا بعد عدة سنوات من تناول هذه المواد، مثال على ذلك تأثير التدخين ودوره في الاصابة بمرض السرطان، وتعرف منظمة الصحة العالميةسلامة الغذاء بأنها: "جميع الظروف والمعايير الضرورية خلال عمليات إنتاج وتصنيع وتوزيع وإعداد وتحضير وتناول الغذاء، اللازمة لضمان أن يكون الغذاء آمناً، ومعلوم المصدر، وصحيا، وملائما للاستهلاك الآدمي "وقد جاء في تقرير منظمة الصحة العالمية عام 1996 عن دور سلامة الغذاء في الصحة والتنمية ما يلي: "لم يعد يكفي أن يتاح الغذاء بكمية كافية، أو أن يشتمل على محتوى غذائي واف باحتياجات الجسم ولكن يجب أيضا ان يكون آمنا للاستهلاك وألا يعرض صحة المستهلك للخطر من خلال العدوى أو التلوث أو التسمم".
وينظر العلماء الى موضوع "سلامة الغذاء" من خلال "المخاطر" و"مصادر الخطر"، فمصدر الخطر هو قدرة الشيء على إحداث ضرر، وليس معنى ذلك القول أن شيئا ما "سوف" يحدث ضررا ولكن يقال أنه تحت ظروف معينة "يمكن" أن يحدث ضررا وأن الضرر هو كذا "ويحدد الضرر"، ويعتبر احتمال حدوث الضرر المحدد هو المخاطر المتعلقة بهذا المصدر من الخطر.
وللتوضيح نضرب مثلا لذلك وهو "السقوط من على السلم" فمصدر الخطر هنا هو أن الشخص سوف يصاب نتيجة للسقوط من على السلم "ربما كسر رجله" كما أن شدة الاصابة تتوقف على الارتفاع الذي سقط منه، فعند السقوط من ارتفاع منخفض فإن المخاطر أ احتمالاتها تكون قليلة، أما السقوط من ارتفاع عالي فإنه سيؤدي الى مخاطر كبيرة، وفي كلتا الحالتين فإن مصدر الخطر واحد ولكن المخاطر مختلفة، وفي حياتنا اليومية نعرف كثير
من مصادر الخطر ودائما نتخذ كافة الاحتياطات لتقليل خطورتها أو المخاطر منها “Risk” الى قدر مقبول/ فمثلا نعلم أن قيادة السيارة مصدر خطر hazardous لكوننا قد نتعرض لحادث ونصاب ولكننا نربط حزام الأمان لتقليل الخطورة الممكنة “risk” وهي التعرض للحادث والاصابة بجروح.
ومما سبق نذكر أن العلماء فكروا بنفس الطريقة عند تقييم "سلامة الغذاء" حيث قاموا أولا بتحديد مصادر الخطر hazards المتعلقة بالغذاء أو مكوناته ثم قدروا حجم المخاطر أو الخطورة risk التي قد يسببها مصدر الخطر، لذلك اتجهوا الى آلية متعددة الخطوات تبدأ من تحديد مصدر الخطر فمثلا تجري العديد من الاختبارات لتقدير الخطر من تناول غذاء يحتوي على مبيد حشري، حيث يختبر المبيد من ناحية قدرته على إصابة فئران التجارب، فإذا ثبت ذلك فإننا نقول أن أحد مصادر خطر المبيدات هو إمكانية الإصابة بالسرطان "لاحظ أن ذلك لا يشمل حجم الخطورة".
كما قد يكون أحد مصادر الخطر الأخرى هو أن المبيد الحشري قد يسبب تلف الأعصاب، الخطوة التالية هي تقدير حجم الخطورة المتعلقة بالمبيد " أو أي مصدر خطر كيميائي آخر"، وهنا يتساءل العلماء عن الاحتمالات الإحصائية بأن هذه المخاطر سوف تحدث؟ ويتم ذلك عن طريق التقديرات الإحصائية عن حجم الخطورة الحقيقية على الانسان طبقا لهذه الحالة، وبناء على ذلك فإن تحديد مصادر الخطر وتقدير حجم حدوثها أطلق عليه "تقييم المخاطر" بغرض التقدير الكمي لحجم الخطورة الناشئة من هذا الغذاء.
وهنا يمكن القول أن "تقييم الخطورة" هي منهج علمي يعتمد أساسا على علماء الميكروبيولوجي والسموم والاحصاء.
أما الخطوة التالية لذلك فهي اتخاذ القرار عما يجب أن نفعله بشأن هذه الخطورة.. لتقرير مدى قبول أو عدم قبول هذه الخطوة لا تعتمد على العلم كالخطوة السابقة بقدر ما تعتمد على النواحي الاجتماعية أو السياسية، وفي معظم الحالات فإن ممثلي الحكومة هم الذين عليهم القيام باتخاذ هذه القرارات طبقا لدرجة قبول الخطورة، فيكون للقائمين على إدارة المخاطر الخيار أما إعلان الحالات التي تعتبر فيها الخطورة عالية جداً أو اتخاذ ما يلزم لتقليل هذه الخطورة.. وفي حالات أخرى يؤخذ في الاعتبار الفوائد من تقدير قبول خطورة معينة، وغالبا ما يضغط المستهلكون على الحكومة لاتخاذ قرارات معينة.
وعموما فإن المنهج السابق يعتبر أن كل الأغذية بها درجة ما من الخطورة وأنه ليس هناك ما يمكن أن يطلق عليه الأمان المطلق، ويبقى الشيء الاهم وهو حجم الخطورة وكيفية تقليلها بدون استبعاد مصدر الغذاء، وبذلك يمكن القول أن الهدف من "سلامة الغذاء" هو تقليل حجم الخطورة الى أقل قدر ممكن بدون اتلاف المواد الغذائية.
وتقع مسؤولية إنتاج غذاء آمن على كل شخص يعمل في سلسلة إنتاج الغذاء أو مراحل إنتاجه وإعداده وتحضيره وتصنيعه وتداوله وتقديمه، ولذلك يتطلب إنتاج غذاء آمن مما يلي:
- الرقابة على مصدر المادة الغذائية "المواد الخام"
- الرقابة على تصميم المنتج والتحكم في عملية التصنيع
- ممارسة الشؤون الصحية الجيدة أثناء الإنتاج والتصنيع والتداول والتوزيع والتخزين والبيع والتحضير والاستخدام
- اتخاذ كل الاجراءات المانعة لوصول الميكروبات الى الغذاء.
والتحكم في البكتيريا الممرضة يمكنها أن تبقى في الجو لوقت طويل كما يمكنها الانتقال الى الانسان من خلال عدة طرق
أما من حيث التحكم في العملية التصنيعية فهي عملية فنية صعبة حيث يلزم التحكم في كل خطوة من مراحل التصنيع ولكل خطوة درجة حرارة وقت وهي عوامل تؤثر على نمو الميكروبات وهنا يتطلب الأمر الرقابة الشاملة وتنفيذ كل وسائل إدارة سلامة الغذاء ومنها نظام الهسب.
ويلزم لتحقيق أمن وسلامة الغذاء على مستوى الدولة وضع استراتيجية لإدارة سلامة الغذاء بتطبيق ما يلي:
1- الممارسات الصناعية الجيدة في صناعة الاغذية
2- تحليل مصادر الخطر ونقاط التحكم الحرجة
3- نظم إدارة الجودة الشاملة
4- تحليل المخاطر
إدارة سلامة الغذاء:
ويلزم لتحقيق سلامة الغذاء استخدام الأدوات والبرامج التالية:
1- ممارسة الشؤون الصحية الجيدة
ويتم ذلك من خلال:
- نظافة المباني والخدمات: وذلك بالحفاظ عليها في حالة تمنع تلوث المواد الغذائية ويتم ذلك بإزالة المخلفات أولا بأول، تنظيف الطرق والفناء وأماكن انتظار السيارات، وصرف المياه جيداً، ووضع نظام لمعالجة المخلفات.
- عملية تشغيل صحية
- نظافة وصحة العاملين: وذلك بالاهتمام بالنظافة الشخصية للعاملين بارتداء زي خاص يمنع التلوث والاهتمام بغسيل الايدي بمحلول مطهر قبل بدء العمل واستخدام قفاز وارتداء أغطية رأس، منع جميع أدوات الزينة التي يمكن أن تقع في الطعام وحفظ الملابس والمتعلقات الشخصية بعيدا عن اماكن العمل
- عمليات التنظيف والتطهير: بالحفاظ على سلامة ونظافة المعدات والآلآت والاسطح الملامسة للغذاء ومواد التعبئة والتغليف.
- وجود برنامج لمكافحة القوارض والحشرات
- نظافة إمدادات المياه وأن تتوافر المياه الصالحة عند درجة حرارة وضغط مناسب في جميع مناطق العمل لاحتياجها في التصنيع، التنظيف والاستخدامات الشخصية للعاملين.
- توافر دورات مياه مناسبة والحفاظ عليها سليمة صحية وأماكن لغسل الايدي مع تواجد المطهرات اللازمة مع توافر خدمة الفوط الصحية أو اجهزة التجفيف.
- وجود صرف صحي ملائم مع وجود نظام للتخلص من المجاري أو معالجة الصرف الصحي.
2- ممارسة التصنيع الجيد
وهي تعطي الاسس العلمية والاجراءات اللازمة لتصنيع غذاء جيد تحت ظروف بيئية ملائمة تمنع تلوثه، والتحكم في عمليات التصنيع بدءاً من الاستلام والفحص والنقل والتجميع والتحضير والتصنيع والتعبئة والتغليف والتخزين واستخدام عمليات ضبط الجودة، وتشمل عمليات التحكم في المواد الخام والمدخلات الاخرى وتداولها بالطريقة الصحيحة – والحفاظ على الآلآت والمعدات في حالة نظيفة وصيانتها دوريا – وأن تتم عمليات التصنيع تحت ظروف وضوابط تقلل احتمالات التلوث أو نمو الميكروبات عن طريق قياس الوقت، درجة الحرارة، والرطوبة، والـ pH، والضغط، ومعدل السريان، واتخاذ إجراءات الحفظ المناسبة مثل البسترة أو التعقيم أو التجميد أو الاشعاع، او التبريد أو ضبط الرطوبة.
3- اتباع نظم إدارة الجودة الشاملة
مثل نظام الأيزو الذي يغطي كل العوامل اللازمة لإنتاج غذاء جيد بدءا من الهيكل التنظيمي للمؤسسة والمسؤوليات والعمليات والإجراءات المتصلة وتعليمات العمل والموارد والاجراءات التصحيحية للنظام والإجراءات الوقائية لتقليل أو منع عدم المطابقة بما يحقق ضبط الجودة، وتوكيد الجودة وتحقيق مبدأ التحسين المستمر والمشاركة الجماعية واستهداف النجاح على المدى البعيد من خلال سياسة جودة ثابتة تحقق إرضاء المستهلك ومصلحة المجتمع بشكل عام.
4- تحليل مصادر الخطر ونقاط التحكم الحرجة
وهذا سوف يؤدي الى الدخول في سوق التجارة الدولية والنجاح في التصدير، والهسب هو برنامج تنظيمي لسلامة الاغذية عن طريق تحديد مواطن الخطر في سلسلة انتاج تصنيع الغذاء من خلال ما يعرف بالنقاط الحرجة ومراقبة هذه النقاط للتحكم فيها لمنع المخاطر
وهو منهج تنظيمي يهدف الى المحافظة على صحة الانسان عن طريق:
- تحقيق سلامة الغذاء من المخاطر البيولوجية والكيميائية والطبيعية
- تحقيق سمعة الجودة
- الاقرار من الهيئات الحكومية المختصة والمنظمات الدولية
5- اتباع نظام تحليل المخاطر
وهي توجه عالمي بدأ الاعداد له في كثير من دول العالم وأساس نظام تحليل المخاطر هو أن يعمل الجميع من رجال صناعة والجهات التشريعية الحكومية والمستهلكين على تحديد مصادر الخطر وتقدير قدر المخاطر منها وتطويع العلم والتكنولوجيا للتدخل في هذه القضية الهامة وأن يبنى ذلك على الاتصالات المناسبة بين رجال الصناعة والجهات الحكومية والمستهلكين
تعليق