.
ان مما يجب على المسلم ان يؤمن به ويعتقده اعتقادا جازما ، اليوم الآخر بما فيه من حساب وثواب وعقاب ، وجنة ونار.
والايمان به والاعتقاد بوقوعه اعتقادا جازما ، ركن من أركان الايمان كما جاء في الحديث المشهورعن ابي هريرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بارزا للناس فأتاه رجل فقال : يا رسول الله ، ما الإيمان ؟ فقال : الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ولقائه ورسله وتؤمن بالبعث الآخر . . .
ويحدثنا رب العالمين عن اهوال هذا اليوم وعظيم كربه في كثير من آياته البينات أورد منها :
[يا أيها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شئ عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ]
[ يوم يفر المرء من أخيه و أمه و أبيه و صاحبته و بنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ]
[ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ]
كما وصفه لنا كذلك النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث ، من بينها ما رواه ابن عمر ان رسول الله صلى لله عليه وسلم قال : [ يوم يقوم الناس لرب العالمين حتى يغيب احدهم في رشحه – أي عرقه – الى أنصاف أذنيه ]
وقال صلوات الله عليه وسلامه : [ يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا ، فتعجبت عائشة وقالت : يا رسول الله النساء والرجال جميعا ينظر بعضهم إلى بعض ؟ قال صلى الله عليه وسلم : يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض ]
غير أن هناك أناسا رضي الله عنهم ورضوا عنه فحظوا برحمات الله ، وأمنوا حين خاف الناس واطمأنوا حين فزع العباد .
من هؤلاء من أخبرنا الصادق الامين عنهم صلوات الله عليه في عدة أحاديث جاءت كالتالي :
روى الترمذي باسناد حسن عن ابن عباس قال : [ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : عينان لا تمسهما النار : عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله]
وروى ابو يعلى الموصلي في مسنده عن معاوية بن حيدة قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاثة لا ترى أعينهم النار : عين حرست في سبيل الله وعين بكت من خشية الله وعين كفت عن محارم الله]
وعن ابي ريحانة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :[ حرمت النار على عين دمعت من خشية الله ، حرمت النار على عين سهرت في سبيل الله ، قال : ونسيت الثالثة . قال ابو شريح : وسمعت بعد أنه قال : حرمت النار على عين غضت عن محارم الله أو عين فقئت في سبيل الله ]
فالذي تبين هنا بعد الجمع بين هذه الروايات الثلاث أن الأعين التي كرمها الله وحرم أن تمسها النار هي كالتالي :
عين غضت عن محارم الله
عين بكت من خشية الله
عين فقئت في سبيل الله
عين باتت تحرس في سبيل الله
أما العين الأولى فلأنها راعت حقوق العباد ولم تتتبع عورات الناس ، استجابة لقوله عز وجل : [ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك ازكى لهم ان الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها . . . ]
فهذا أمر من الله تعالى لعباده أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم ، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه ، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم ، فإن اتفق أن وقع البصر على محرم من غير قصد ، فليصرف بصره عنه سريعا كما روى مسلم في صحيحه من رواية جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فأمرني أن أصرف بصري .
كما يستنبط من الآية ان حرمة النظر تساوت بالنسبة للرجل والمرأة على السواء
فقد روي ان عبد الله بن ام مكتوم استاذن على الرسول صلوات الله عليه وعنده أم سلمة و ميمونة رضي الله عنهما وكان ابن أم مكتوم رجلا اعمى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة وميمونة : تواريا واحتجبا ، فقالتا : يا رسول الله انه أعمى لا يرانا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : افعمياوان أنتما ؟ .
اما العين الثانية : فهي التي راعت حقوق الله فأدركت كنه عظمته وتفهمت معاني قوته وجبروته فبكت خشية منه سبحانه فنالت رحمته ورضوانه
فهذا رسولنا الاعظم يبكي خشية من ربه ويقول : [ لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ]
واورد الامام القرطبي في تفسيره هذا الحديث وشرحه بقوله : يعني ما يعلم هو من أمور الآخرة وشدة أهوالها ، ومما أعد في النار من عذابها وأنكالها ، ومما أعد في الجنة من نعيمها وثوابها ، فإنه صلى الله عليه وسلم قد كان رأى كل ذلك مشاهدة وتحقيقا ، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان ، قليل الضحك جله التبسم . .
وهذا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه كان يبكي وينتحب كثيرا من خشية الله ويقول : ليت أم عمر لم تلد عمر
وورد عن عثمان بن عفان رضي الله عنه انه كان يقف على القبور متعظا بالموت ويظل يبكي حتى تبتل لحيته بالدموع
وبكى معاذ رضي الله عنه بكاء شديدا فقيل له ما يبكيك ؟ قال : لأن الله عز وجل قبض قبضتين واحدة في الجنة والأخرى في النار ، فأنا لا أدري من أي الفريقين أكون . . . .
فاستحق هؤلاء وأمثالهم أن يستظلوا في ظل الله يوم لا ظل الا ظله كما جاء في الحديث الشريف عن السبعة الذين يظلهم الله عز وجل يوم القيامة بظل رحماته وذكر من بينهم : رجلا ذكر الله خاليا ففاضت عيناه
والعين الثالثة عين فقئت في سبيل الله فنالت شرف الجهاد بالدفاع عن الحق والذوذ عن عن حرية البلاد
والجهاد في سبيل الله من أسمى ما يتقرب به العبد الى ربه ومن أقصر الطرق التي تصل المخلوق بالخالق
و قد بشر الخالق جل وعلا المجاهدين بالنعيم المقيم والفوز العظيم قائلا : [ يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين ]
وقال كذلك في سورة التوبة : [ ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من اللّه فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ]
وعن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ان في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض
ولا خلاف في أفضلية الجهاد في سبيل الله على سائر العبادات
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ايضا ، قَالَ : قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا يَعْدِلُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ ، قَالَ : لَا تَسْتَطِيعُونَهُ قَالَ : فَأَعَادُوا عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ ، يَقُولُ : " لَا تَسْتَطِيعُونَهُ " ، وَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ : " مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللَّهِ ، لَا يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَلَا صَلَاةٍ حَتَّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالى
وجعلت جراح المجاهد يوم القيامة تعبق مسكا وطيبا فقد جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا يُكلم أحد في سبيل الله ، والله أعلم بمن يكلم في سبيله ، إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دما ، اللون لون الدم والريح ريح المسك
كما جعل الوقوع في عرض المجاهد امرا عظيما حذرنا منه نبينا صلى الله عليه وسلم قائلا : [ حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم، وما من رجل من القاعدين يخلف رجلاً من المجاهدين في أهله إلا نصب له يوم القيامة فقيل له: هذا قد خلفك في أهلك فخذ من حسناته ما شئت ! فالتفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : ما ظنكم ؟ ]
أي هل يتبقى له من الحسنات شئ في ظنكم
وهذا فيه ، كما جاء في شرح سنن ابي داوود ، بيان تعظيم شأن المحافظة على من استوصوا عليهم، فإن المجاهدين أوصوا الباقين على أن يقوموا يما يلزم لأهليهم، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن على الإنسان أن يقوم بما يجب لهم ولا يخونه فيهم لا بأن ينظر أو يحاول أن يقع في أمر محرم، ولا في أن يقصر فيما هو مطلوب منه من الرعاية والعناية وإيصال الخير إليهم ودفع الأذى عنهم
أما العين الرابعة : عين باتت تحرس في سبيل الله
وهذا ما يسمى بالرباط في الشريعة الاسلامية او المرابطة ، وهي الملازمة للموقع او الثغر او الحد بين المسلمين واعدائهم ترقبا للعدو وتربصا لتحركاته
وهي ضرب من ضروب الجهاد في سبيل الله دعانا اليها الدين وامرنا الله تعالى بها فجاء في قوله عز وجل : [ يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ]
هذه الآية كما ترون معي تدعو صراحة الى المرابطة في سبيل الله ، لأن في المرابطة حماية للدين والنفس والعرض .
كما أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن فضل الرباط ومنزلة المرابطين في سبيل الله بقوله :
[رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها ]
وعن سعد بن معاذ عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ من حرس من وراء المسلمين في سبيل الله تبارك وتعالى متطوعا لا يأخذه سلطان لم ير النار بعينيه الا تحلة القسم فان الله تبارك وتعالى يقول : وان منكم الا واردها ]
وروى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ الا أنبئكم بليلة أفضل من ليلة القدر ؟ حارس حرس في أرض خوف لعله ألا يرجع الى أهله ]
وروى مسلم في صحيحه عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : [ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وان مات فيه أجرى عليه عمله الذي كان يعمل وأجرى عليه رزقه وأمن الفتان ]
وروى الترمذي عن سيدنا عثمان بن عفان قال : [ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : رباط يوم في سبيل الله خير من ألف ليلة فيما سواه من المنازل ]
ومن هذا كله تظهر لنا جليا مكانة الرباط وما اعده الله للمرابطين في سبيله
لكن على المرابط ان يكون حذرا متيقظا ذاكرا الله عز وجل لان الله عز وجل عقب قوله : ( ورابطوا )
بقوله : ( واتقوا الله لعلكم تفلحون ) فلابد اذن ان تكون صلة المرابط بربه قوية اذا اتقى ربه وأخلص في عمله واحتسب الأجر عنده سبحانه
على أنه ينبغي التنويه هنا كما يرى الفقهاء والعلماء الذين بينوا معنى الرباط والمرابطة ، ان الرباط لا يقتصر فقط على من هم في مواقع الحرب والقتال ، وانما يشمل كذلك حراس المنشآت العمومية والمصالح الحكومية والمستشفيات والمدارس . . .
وبصدق النية في هذا النوع من الحراسة يعتبر المرء مرابطا في سبيل الله يستحق ما أعده الله للمرابطين من أجر عظيم ونعيم مقيم
اعداد : سلاف فواخرجي
والايمان به والاعتقاد بوقوعه اعتقادا جازما ، ركن من أركان الايمان كما جاء في الحديث المشهورعن ابي هريرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بارزا للناس فأتاه رجل فقال : يا رسول الله ، ما الإيمان ؟ فقال : الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ولقائه ورسله وتؤمن بالبعث الآخر . . .
ويحدثنا رب العالمين عن اهوال هذا اليوم وعظيم كربه في كثير من آياته البينات أورد منها :
[يا أيها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شئ عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ]
[ يوم يفر المرء من أخيه و أمه و أبيه و صاحبته و بنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ]
[ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ]
كما وصفه لنا كذلك النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث ، من بينها ما رواه ابن عمر ان رسول الله صلى لله عليه وسلم قال : [ يوم يقوم الناس لرب العالمين حتى يغيب احدهم في رشحه – أي عرقه – الى أنصاف أذنيه ]
وقال صلوات الله عليه وسلامه : [ يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا ، فتعجبت عائشة وقالت : يا رسول الله النساء والرجال جميعا ينظر بعضهم إلى بعض ؟ قال صلى الله عليه وسلم : يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض ]
غير أن هناك أناسا رضي الله عنهم ورضوا عنه فحظوا برحمات الله ، وأمنوا حين خاف الناس واطمأنوا حين فزع العباد .
من هؤلاء من أخبرنا الصادق الامين عنهم صلوات الله عليه في عدة أحاديث جاءت كالتالي :
روى الترمذي باسناد حسن عن ابن عباس قال : [ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : عينان لا تمسهما النار : عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله]
وروى ابو يعلى الموصلي في مسنده عن معاوية بن حيدة قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاثة لا ترى أعينهم النار : عين حرست في سبيل الله وعين بكت من خشية الله وعين كفت عن محارم الله]
وعن ابي ريحانة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :[ حرمت النار على عين دمعت من خشية الله ، حرمت النار على عين سهرت في سبيل الله ، قال : ونسيت الثالثة . قال ابو شريح : وسمعت بعد أنه قال : حرمت النار على عين غضت عن محارم الله أو عين فقئت في سبيل الله ]
فالذي تبين هنا بعد الجمع بين هذه الروايات الثلاث أن الأعين التي كرمها الله وحرم أن تمسها النار هي كالتالي :
عين غضت عن محارم الله
عين بكت من خشية الله
عين فقئت في سبيل الله
عين باتت تحرس في سبيل الله
أما العين الأولى فلأنها راعت حقوق العباد ولم تتتبع عورات الناس ، استجابة لقوله عز وجل : [ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك ازكى لهم ان الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها . . . ]
فهذا أمر من الله تعالى لعباده أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم ، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه ، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم ، فإن اتفق أن وقع البصر على محرم من غير قصد ، فليصرف بصره عنه سريعا كما روى مسلم في صحيحه من رواية جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فأمرني أن أصرف بصري .
كما يستنبط من الآية ان حرمة النظر تساوت بالنسبة للرجل والمرأة على السواء
فقد روي ان عبد الله بن ام مكتوم استاذن على الرسول صلوات الله عليه وعنده أم سلمة و ميمونة رضي الله عنهما وكان ابن أم مكتوم رجلا اعمى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة وميمونة : تواريا واحتجبا ، فقالتا : يا رسول الله انه أعمى لا يرانا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : افعمياوان أنتما ؟ .
اما العين الثانية : فهي التي راعت حقوق الله فأدركت كنه عظمته وتفهمت معاني قوته وجبروته فبكت خشية منه سبحانه فنالت رحمته ورضوانه
فهذا رسولنا الاعظم يبكي خشية من ربه ويقول : [ لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ]
واورد الامام القرطبي في تفسيره هذا الحديث وشرحه بقوله : يعني ما يعلم هو من أمور الآخرة وشدة أهوالها ، ومما أعد في النار من عذابها وأنكالها ، ومما أعد في الجنة من نعيمها وثوابها ، فإنه صلى الله عليه وسلم قد كان رأى كل ذلك مشاهدة وتحقيقا ، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان ، قليل الضحك جله التبسم . .
وهذا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه كان يبكي وينتحب كثيرا من خشية الله ويقول : ليت أم عمر لم تلد عمر
وورد عن عثمان بن عفان رضي الله عنه انه كان يقف على القبور متعظا بالموت ويظل يبكي حتى تبتل لحيته بالدموع
وبكى معاذ رضي الله عنه بكاء شديدا فقيل له ما يبكيك ؟ قال : لأن الله عز وجل قبض قبضتين واحدة في الجنة والأخرى في النار ، فأنا لا أدري من أي الفريقين أكون . . . .
فاستحق هؤلاء وأمثالهم أن يستظلوا في ظل الله يوم لا ظل الا ظله كما جاء في الحديث الشريف عن السبعة الذين يظلهم الله عز وجل يوم القيامة بظل رحماته وذكر من بينهم : رجلا ذكر الله خاليا ففاضت عيناه
والعين الثالثة عين فقئت في سبيل الله فنالت شرف الجهاد بالدفاع عن الحق والذوذ عن عن حرية البلاد
والجهاد في سبيل الله من أسمى ما يتقرب به العبد الى ربه ومن أقصر الطرق التي تصل المخلوق بالخالق
و قد بشر الخالق جل وعلا المجاهدين بالنعيم المقيم والفوز العظيم قائلا : [ يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين ]
وقال كذلك في سورة التوبة : [ ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من اللّه فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ]
وعن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ان في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض
ولا خلاف في أفضلية الجهاد في سبيل الله على سائر العبادات
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ايضا ، قَالَ : قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا يَعْدِلُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ ، قَالَ : لَا تَسْتَطِيعُونَهُ قَالَ : فَأَعَادُوا عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ ، يَقُولُ : " لَا تَسْتَطِيعُونَهُ " ، وَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ : " مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللَّهِ ، لَا يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَلَا صَلَاةٍ حَتَّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالى
وجعلت جراح المجاهد يوم القيامة تعبق مسكا وطيبا فقد جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا يُكلم أحد في سبيل الله ، والله أعلم بمن يكلم في سبيله ، إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دما ، اللون لون الدم والريح ريح المسك
كما جعل الوقوع في عرض المجاهد امرا عظيما حذرنا منه نبينا صلى الله عليه وسلم قائلا : [ حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم، وما من رجل من القاعدين يخلف رجلاً من المجاهدين في أهله إلا نصب له يوم القيامة فقيل له: هذا قد خلفك في أهلك فخذ من حسناته ما شئت ! فالتفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : ما ظنكم ؟ ]
أي هل يتبقى له من الحسنات شئ في ظنكم
وهذا فيه ، كما جاء في شرح سنن ابي داوود ، بيان تعظيم شأن المحافظة على من استوصوا عليهم، فإن المجاهدين أوصوا الباقين على أن يقوموا يما يلزم لأهليهم، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن على الإنسان أن يقوم بما يجب لهم ولا يخونه فيهم لا بأن ينظر أو يحاول أن يقع في أمر محرم، ولا في أن يقصر فيما هو مطلوب منه من الرعاية والعناية وإيصال الخير إليهم ودفع الأذى عنهم
أما العين الرابعة : عين باتت تحرس في سبيل الله
وهذا ما يسمى بالرباط في الشريعة الاسلامية او المرابطة ، وهي الملازمة للموقع او الثغر او الحد بين المسلمين واعدائهم ترقبا للعدو وتربصا لتحركاته
وهي ضرب من ضروب الجهاد في سبيل الله دعانا اليها الدين وامرنا الله تعالى بها فجاء في قوله عز وجل : [ يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ]
هذه الآية كما ترون معي تدعو صراحة الى المرابطة في سبيل الله ، لأن في المرابطة حماية للدين والنفس والعرض .
كما أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن فضل الرباط ومنزلة المرابطين في سبيل الله بقوله :
[رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها ]
وعن سعد بن معاذ عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ من حرس من وراء المسلمين في سبيل الله تبارك وتعالى متطوعا لا يأخذه سلطان لم ير النار بعينيه الا تحلة القسم فان الله تبارك وتعالى يقول : وان منكم الا واردها ]
وروى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ الا أنبئكم بليلة أفضل من ليلة القدر ؟ حارس حرس في أرض خوف لعله ألا يرجع الى أهله ]
وروى مسلم في صحيحه عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : [ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وان مات فيه أجرى عليه عمله الذي كان يعمل وأجرى عليه رزقه وأمن الفتان ]
وروى الترمذي عن سيدنا عثمان بن عفان قال : [ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : رباط يوم في سبيل الله خير من ألف ليلة فيما سواه من المنازل ]
ومن هذا كله تظهر لنا جليا مكانة الرباط وما اعده الله للمرابطين في سبيله
لكن على المرابط ان يكون حذرا متيقظا ذاكرا الله عز وجل لان الله عز وجل عقب قوله : ( ورابطوا )
بقوله : ( واتقوا الله لعلكم تفلحون ) فلابد اذن ان تكون صلة المرابط بربه قوية اذا اتقى ربه وأخلص في عمله واحتسب الأجر عنده سبحانه
على أنه ينبغي التنويه هنا كما يرى الفقهاء والعلماء الذين بينوا معنى الرباط والمرابطة ، ان الرباط لا يقتصر فقط على من هم في مواقع الحرب والقتال ، وانما يشمل كذلك حراس المنشآت العمومية والمصالح الحكومية والمستشفيات والمدارس . . .
وبصدق النية في هذا النوع من الحراسة يعتبر المرء مرابطا في سبيل الله يستحق ما أعده الله للمرابطين من أجر عظيم ونعيم مقيم
اعداد : سلاف فواخرجي
تعليق