قال عز وجل : ( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم )
اختلف جمهور المفسرين في حقيقة الكلمات التي تلقاها سيدنا آدم عليه السلام من الله تعالى .
فروي عن مجاهد وسعيد بن جبير وابي العالية وغيرهم ، أن هذه الكلمات مفسرة بقوله عز وجل : ( قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين )
و روي عن ابن عباس رضي الله عنه انه قال حين سئل عنها : انها علم شأن الحج .
وقيل فيها انها دعوات من ربه ألهمه اياها فدعاه بها
وقيل أيضا : هذه الكلمات حزنه وندمه واستغفاره وسميت كلمات مجازا . . .
والتوبة لغة هي الرجعة . ومعنى تاب الى الله : رجع اليه ، وكأن المذنب ذاهب أو آبق من الله تعالى لمفارقته طاعته ومخالفته أمره ، فاذا عاد مما هو فيه كان كالعبد يرجع الى سيده .
وقد اتفقت الأمة على أن التوبة فرض عين على المؤمنين لقوله تعالى : ( وتوبوا الى الله جميعا )
وقال عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا توبوا الى الله توبة نصوحا ) ، ومعنى نصوح : الخالص لله تعالى خاليا عن الشوائب
ويدل على فضل التوبة قوله عز وجل : ( ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين )
وقال صلى الله عليه وسلم : ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ) والأخبار في ذلك كثيرة سأقف عندها فيما يلي من النقاط التي اقتبستها من بعض المصادر على رأسها كتاب : احياء علوم الدين ، للامام الغزالي ، باب التوبة .
فهو في نظري افضل من فصل في موضوع التوبة من المتقدمين وكتب فيها باسهاب وتفصيل شاف واف .
أركان التوبة : يرى الامام الغزالي رحمه الله أن التوبة معنى ينتظم من ثلاثة أمور وهي : العلم والندم والقصد المتعلق بالترك .
فأما العلم فهو معرفة عظم ضرر الذنوب وكونها حجاب بين العبد والمعبود ، فاذا عرف ذلك تألم القلب ، ويسمى هذا التألم ندما .
فاذا غلب هذا الندم على القلب واستولى انبعث منه في القلب حالة أخرى تسمى ارادة وقصدا الى فعل الترك
فتكون أركان التوبة اذن تتحقق بهذه الامور الثلاث معا : العلم والندم والقصد المتعلق بالترك .
وكثيرا ما يطلق اسم التوبة على معنى الندم وحده كما جاء في الأثر ( الندم توبة )
و ذهب آخرون الى اعتبار الاستغفار كذلك ركنا من أركان التوبة لا تتحقق ولا تكتمل الا به استنادا الى قوله عز وجل على لسان هود عليه السلام : ( ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا اليه )
ويروى عن سعيد بن جبير انه قال : التوبة لا تقبل الا اذا كانت فيها ثلاثة شروط : خوف أن لا تقبل ، و رجاء أن تقبل ، وادمان الطاعات
وجوب التوبة على الفور : لا يخفى أن وجوبها على الفور أمر مطلوب ، فان من ترك المبادرة الى التوبة بالمماطلة والتأجيل والتسويف كان بين خطرين كما يرى الامام الغزالي رحمه الله :
أحدهما أن تتراكم الظلمة على قلبه من المعاصي حتى يصير رينا وطبعا لا يقبل المحو ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون )
الثاني أن يعاجله المرض أو الموت فلا يجد مهلة للاشتغال بمحو ذنوبه ( وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني الى أجل قريب فاصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفسا اذا جاء أجلها )
وقال ايضا : ( انما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب ) معناها عن قرب عهد بالخطيئة .
بيان ما تكون عنه التوبة :
التوبة كما تقدم هي ترك الذنب ، ولا يمكن ترك الشئ الا بعد معرفته .
واذا كانت التوبة واجبة كان ما لا يتوصل اليه الا به واجب أيضا . فمعرفة الذنوب اذن واجبة .
فالذنب اذن هو كل ما كان مخالفا لأمر الله تعالى في ترك أو فعل
والذنب الذي تكون منه التوبة لا يخلو أن يكون اما حقا لله او حقا للعباد .
فان كان حقا لله كالكفر ، فتوبة الكافر ايمانه مع ندمه على ما سلف من كفره
بينما يرى الامام القرطبي رحمه الله أن مجرد الايمان توبة
وان كان ترك صلاة فان التوبة لا تصح حتى ينضم الى الندم قضاء ما فات منها ، وهكذا اذا كان ترك صوم أو تفريطا في زكاة .
وان كان حدا كحدود القتل والسرقة وغيرها ، فانه لا يسقط عنه بمجرد التوبة والندم ، فقد حكى القرطبي عن علماء المالكية أنهم قالوا : ان السارق والقاذف متى تابوا وقامت الشهادة عليهم أقيمت عليهم الحدود
أما البيهقي رحمه الله فيذهب الى أن الحدود تسقط عن صاحبها اذا تاب الى الله بالندم الصحيح .
اما ان كان الذنب من مظالم العباد ، فلا تصح التوبة منه الا بآداء الواجب عينا كان أو دينا ما دام مقدورا . فان لم يكن مقدورا عليه فلا بد من توفر نية آدائه متى ما أصبح مقدورا ومتاحا في أعجل وقت وأسرعه .
فان تعذر عليه ذلك بتاتا كموت من ظلمهم مثلا ، تصدق عنهم ، والصدقة هنا لا تشمل المال فقط او فيما معناه انما كذلك تشمل الدعاء الصالح وذكر من أسأت اليهم بالخير والقول الحسن . . .
هل تصح التوبة بعد نقضها : اتفق الفقهاء على صحة التوبة بعد نقضها بمعاودة الذنب ، فالعود الى التوبة فيه ملازمة للالحاح بباب الله ورجاء ، وحسن الظن بالله ، وايمان بأنه لا غافر للذنب سواه
ودليل هذا أن الذين ارتدوا عن الإسلام زمن أبي بكر ردهم أبو بكر إلى الإسلام وقبل منهم ذلك ، علماً بأنهم كانوا كفاراً ثم دخلوا في الإسلام ثم رجعوا إلى الكفر ثم دخلوا الإسلام ، وقبِل الصحابة كلهم منهم التوبة على الرغم من أن الذي فعله المرتدون هو شر من الذي يفعله العاصي المسلم فقبول التوبة من المسلم العاصي ، ولو كانت متكررة أولى من قبول توبة الكافر مرة بعد مرة .
عدم وجوب قبول التوبة على الله : اذا تاب العبد فالله سبحانه وتعالى بالخيار ، ان شاء قبل توبته وان شاء لم يقبلها ، فعقلا ليس قبول التوبة بواجب على الله عز وجل لأنه عز وجل خالق الخلق والمكلف لهم فلا يصح عقلا أن يوصف بوجوب شئ عليه .
وأما سمعا فظاهره قبول توبة التائب اذا استجمعت شرائطها ولم يختل منها ركن من الأركان
يقول عز وجل :( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم )
وفي هذا يقول الامام الغزالي رحمه الله : ان التوبة اذا استجمعت شرائطها فهي مقبولة لا محالة ، فان نور الحسنة يمحو عن وجه القلب ظلمة السيئة ، فمن يتوهم أن التوبة تصح ولا تقبل كمن يتوهم ان الشمس تطلع والظلام لا يزول
جعلني الله واياكم من التوابين و المتطهرين
اختلف جمهور المفسرين في حقيقة الكلمات التي تلقاها سيدنا آدم عليه السلام من الله تعالى .
فروي عن مجاهد وسعيد بن جبير وابي العالية وغيرهم ، أن هذه الكلمات مفسرة بقوله عز وجل : ( قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين )
و روي عن ابن عباس رضي الله عنه انه قال حين سئل عنها : انها علم شأن الحج .
وقيل فيها انها دعوات من ربه ألهمه اياها فدعاه بها
وقيل أيضا : هذه الكلمات حزنه وندمه واستغفاره وسميت كلمات مجازا . . .
والتوبة لغة هي الرجعة . ومعنى تاب الى الله : رجع اليه ، وكأن المذنب ذاهب أو آبق من الله تعالى لمفارقته طاعته ومخالفته أمره ، فاذا عاد مما هو فيه كان كالعبد يرجع الى سيده .
وقد اتفقت الأمة على أن التوبة فرض عين على المؤمنين لقوله تعالى : ( وتوبوا الى الله جميعا )
وقال عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا توبوا الى الله توبة نصوحا ) ، ومعنى نصوح : الخالص لله تعالى خاليا عن الشوائب
ويدل على فضل التوبة قوله عز وجل : ( ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين )
وقال صلى الله عليه وسلم : ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ) والأخبار في ذلك كثيرة سأقف عندها فيما يلي من النقاط التي اقتبستها من بعض المصادر على رأسها كتاب : احياء علوم الدين ، للامام الغزالي ، باب التوبة .
فهو في نظري افضل من فصل في موضوع التوبة من المتقدمين وكتب فيها باسهاب وتفصيل شاف واف .
أركان التوبة : يرى الامام الغزالي رحمه الله أن التوبة معنى ينتظم من ثلاثة أمور وهي : العلم والندم والقصد المتعلق بالترك .
فأما العلم فهو معرفة عظم ضرر الذنوب وكونها حجاب بين العبد والمعبود ، فاذا عرف ذلك تألم القلب ، ويسمى هذا التألم ندما .
فاذا غلب هذا الندم على القلب واستولى انبعث منه في القلب حالة أخرى تسمى ارادة وقصدا الى فعل الترك
فتكون أركان التوبة اذن تتحقق بهذه الامور الثلاث معا : العلم والندم والقصد المتعلق بالترك .
وكثيرا ما يطلق اسم التوبة على معنى الندم وحده كما جاء في الأثر ( الندم توبة )
و ذهب آخرون الى اعتبار الاستغفار كذلك ركنا من أركان التوبة لا تتحقق ولا تكتمل الا به استنادا الى قوله عز وجل على لسان هود عليه السلام : ( ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا اليه )
ويروى عن سعيد بن جبير انه قال : التوبة لا تقبل الا اذا كانت فيها ثلاثة شروط : خوف أن لا تقبل ، و رجاء أن تقبل ، وادمان الطاعات
وجوب التوبة على الفور : لا يخفى أن وجوبها على الفور أمر مطلوب ، فان من ترك المبادرة الى التوبة بالمماطلة والتأجيل والتسويف كان بين خطرين كما يرى الامام الغزالي رحمه الله :
أحدهما أن تتراكم الظلمة على قلبه من المعاصي حتى يصير رينا وطبعا لا يقبل المحو ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون )
الثاني أن يعاجله المرض أو الموت فلا يجد مهلة للاشتغال بمحو ذنوبه ( وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني الى أجل قريب فاصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفسا اذا جاء أجلها )
وقال ايضا : ( انما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب ) معناها عن قرب عهد بالخطيئة .
بيان ما تكون عنه التوبة :
التوبة كما تقدم هي ترك الذنب ، ولا يمكن ترك الشئ الا بعد معرفته .
واذا كانت التوبة واجبة كان ما لا يتوصل اليه الا به واجب أيضا . فمعرفة الذنوب اذن واجبة .
فالذنب اذن هو كل ما كان مخالفا لأمر الله تعالى في ترك أو فعل
والذنب الذي تكون منه التوبة لا يخلو أن يكون اما حقا لله او حقا للعباد .
فان كان حقا لله كالكفر ، فتوبة الكافر ايمانه مع ندمه على ما سلف من كفره
بينما يرى الامام القرطبي رحمه الله أن مجرد الايمان توبة
وان كان ترك صلاة فان التوبة لا تصح حتى ينضم الى الندم قضاء ما فات منها ، وهكذا اذا كان ترك صوم أو تفريطا في زكاة .
وان كان حدا كحدود القتل والسرقة وغيرها ، فانه لا يسقط عنه بمجرد التوبة والندم ، فقد حكى القرطبي عن علماء المالكية أنهم قالوا : ان السارق والقاذف متى تابوا وقامت الشهادة عليهم أقيمت عليهم الحدود
أما البيهقي رحمه الله فيذهب الى أن الحدود تسقط عن صاحبها اذا تاب الى الله بالندم الصحيح .
اما ان كان الذنب من مظالم العباد ، فلا تصح التوبة منه الا بآداء الواجب عينا كان أو دينا ما دام مقدورا . فان لم يكن مقدورا عليه فلا بد من توفر نية آدائه متى ما أصبح مقدورا ومتاحا في أعجل وقت وأسرعه .
فان تعذر عليه ذلك بتاتا كموت من ظلمهم مثلا ، تصدق عنهم ، والصدقة هنا لا تشمل المال فقط او فيما معناه انما كذلك تشمل الدعاء الصالح وذكر من أسأت اليهم بالخير والقول الحسن . . .
هل تصح التوبة بعد نقضها : اتفق الفقهاء على صحة التوبة بعد نقضها بمعاودة الذنب ، فالعود الى التوبة فيه ملازمة للالحاح بباب الله ورجاء ، وحسن الظن بالله ، وايمان بأنه لا غافر للذنب سواه
ودليل هذا أن الذين ارتدوا عن الإسلام زمن أبي بكر ردهم أبو بكر إلى الإسلام وقبل منهم ذلك ، علماً بأنهم كانوا كفاراً ثم دخلوا في الإسلام ثم رجعوا إلى الكفر ثم دخلوا الإسلام ، وقبِل الصحابة كلهم منهم التوبة على الرغم من أن الذي فعله المرتدون هو شر من الذي يفعله العاصي المسلم فقبول التوبة من المسلم العاصي ، ولو كانت متكررة أولى من قبول توبة الكافر مرة بعد مرة .
عدم وجوب قبول التوبة على الله : اذا تاب العبد فالله سبحانه وتعالى بالخيار ، ان شاء قبل توبته وان شاء لم يقبلها ، فعقلا ليس قبول التوبة بواجب على الله عز وجل لأنه عز وجل خالق الخلق والمكلف لهم فلا يصح عقلا أن يوصف بوجوب شئ عليه .
وأما سمعا فظاهره قبول توبة التائب اذا استجمعت شرائطها ولم يختل منها ركن من الأركان
يقول عز وجل :( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم )
وفي هذا يقول الامام الغزالي رحمه الله : ان التوبة اذا استجمعت شرائطها فهي مقبولة لا محالة ، فان نور الحسنة يمحو عن وجه القلب ظلمة السيئة ، فمن يتوهم أن التوبة تصح ولا تقبل كمن يتوهم ان الشمس تطلع والظلام لا يزول
جعلني الله واياكم من التوابين و المتطهرين
تعليق