في مثل هذه الأيام ... العشر الأواخر من رمضان ... ومنذ سنوات طويلة
كان هناك رجل صالح فاجئ زوجته وقال لها ... استعدي سنذهب لأداء العمرة إن شاء الله ونرى إبننا " كان لهم إبن يعمل بالسعودية " ... فرحت الزوجة كثيرا بهذا الخبر السار ... ولكن فرحتها لم تدم طويلا ...! لأنه أكمل الخبر ... وقال : ثم لأموت هناك عند الرسول ...!!!!
فغرت الزوجة فاها بإستغراب وقالت : ماذا تقول ...؟؟!! فرد عليها ... نعم إن شاء الله سأموت هناك ..!!
لم تأخذ الزوجة كلام زوجها الصالح مأخذ الجد ... وبدأت في التحضير والإستعداد للسفر ... ولكن الرجل الصالح كان له توجه آخر ...
ذهب لزيارة أفراد العائلة والسلام عليهم وتوديعم كآخر لقاء له بهم ...
ووصى نساء العائلة بألا يلبسوا الملابس السوداء بعد موته ويستبدلونها بالملابس البيضاء ...!!
استقبلهم الإبن في مطار جدة وفي غمرة فرحته برؤية والديه فاجأته الأم وقالت له ما يردده أبيه طول الوقت ... انزعج الإبن ... وتوجس خيفة من هذه الزيارة ...!
حاولت الأسرة الصغيرة نسيان الأمر وشرعوا في أداء العمرة ... ذهبوا الى مكة المكرمة واستمتعوا بأدائها ... وبفضل من الله انتهت المناسك على خير ...
بعد ايام قليلة طلب الرجل الصالح من إبنه الذهاب للمدينة المنورة لزيارة قبر الرسول ... فترك الإبن زوجته وطفليه وذهب مع والدية للمدينة ...لزيارة مسجد وقبر الرسول والصلاة في الروضة الشريفة ... وبفضل من الله أيضا تمت الزيارة على خير وكانوا سعداء جدا بقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ...
وفي نهاية الزيارة طلب الأب من إبنه صلاة ركعتين في مسجد قباء لأنهما بمثابة أداء عمرة ويجب ألا تفوته هذه الفائدة ...
وبالفعل كان له ما طلب ... ثم أنطلقوا جميعا الى جدة حيث يقيم الإبن ...
وبدأت إجراءات العودة الى مصر ... فقال له إبنه : الحمد لله ها هي العمرة بمناسكها وزيارة الرسول انتهت والحمد لله ولم يحدث شئ ... جعلتنا نعيش في رعب من حدوث مكروه لك ولكن الحمد لله الامور سارت على ما يرام ...
وكانت الأيام العشر الأخيرة من رمضان قد دخلت ... وطلب الأب عمل عمرة أخرى قبل الذهاب الى مصر ... خاصة أن العشر الأواخر حسابهم مختلف ... فحذره إبنه من أن الحرم يكون في منتهى الزحام في هذه الأيام المباركة ... فقال له الأب نتوكل على الله وربنا يسهل الأمور ... ويتم جميله ...!!!!
فتجمعوا جميعا ... الرجل الصالح وزوجته وإبنه وزوجة إبنه وطفليه ... وذهبوا مجتمعين لأداء عمرة أخرى ... في العشر الأواخر من رمضان ... والحمد لله أيضا انتهت مناسك العمرة على خير وكان يتبقى على آذان الفجر دقائق فطلب الأب أن يشرب من ماء زمزم ...وشرب وارتوى من ماء زمزم ... ونوى الصيام ...
وأذن الفجر ... وعند الصلاة ومع الزحام لم يصل الأب بجوار إبنه ... والإبن لايزال يشعر بالقلق ... ومن فرط ما أدخل الرجل الصالح في روع الجميع ومنهم الإبن بأنه سيقابل ربه لا محالة ... ذهب الإبن ببصره يبحث عن والده في الزحام ليتأكد من أنه مازال حيا ...!!!!!
إنتهت صلاة الفجر ... على خير ... وهنا طلب الأب من إبنه أن يترك زوجته وطفليه في مكان آمن من الزحام ... ويصطحبه وأمه لأداء طواف الوداع ...
وأثناء الطواف حول بيت الله وفي الشوط الثالث وأمام حجر إسماعيل ... توقف الرجل الصالح عن المشي وأمسك بإبنه ونزل ببطئ وتمدد جسده على أرضية الحرم والزوجة والإبن في ذهول مما يحدث ...!!
ورفع الإبن رأس أبيه على ذراعه ووجد إبتسامة عريضة على وجهه حتى بانت أسنانه ... وفي عينيه نظرة رضا تقول : ألم أقل لكم أن هنا موعد اللقاء ....!!! ... وأسلم روحه الطاهرة الى بارئها ...
وأغمض الإبن عيني أبيه ... وقبله وترحم عليه ... ودفنه في مكة حسب رغبته ...
بقي أن أقول لكم أن الرجل الصالح ... هو والدي رحمه الله
والإبن الذي حمل رأس أبيه على ذراعه ... وأغمض له عينيه ... هو أنا ...
مرت سنوات طويلة ...يا بابا ... وحشتني قوي ... قوي ...
أرجو من كل من قرأ هذا الموضوع أن يدعو له بالمغفرة والرحمة ودخول الجنة في ذكرى وفاته هذه الأيام ... فقد مات وهو .... محرم ... صائم ... مصلي الفجر ... يوم جمعة ...في العشر الأواخر من رمضان ... وقد صلى عليه أكثر من ثلاثة ملايين مسلم ...
اللهم أغفر له وارحمه وأدخله فسيح جناتك وأحسن خاتمتنا كما أحسنتها له يارب العالمين ...
تعليق