منصة زاجل الإجتماعية

تقليص

مختارات من خطب الجمعة

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سُلاف
    مشرفة المواضيع الإسلامية
    من مؤسسين الموقع
    • Mar 2009
    • 10535






    محـــاسبة النفـس






    الحمد لله الكريم الفتاح أهل الكرم والسماح المجزل لمن عامله بالارباح سبحانه فالق الإصباح وخالق الارواح .
    احمده سبحانه على نعم تتجدد بالغدو والرواح واشكره على ما صرف من المكروه وازاح وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له شهادة بها للقلب انفساح وانشراح
    وأشهد ان سيدنا محمد عبده ورسوله الذي ارسل بالهدى والصلاح اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى اله واصحابه ما بدا نجم ولاح .
    اما بعد

    عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله وأن نقدم لأنفسنا أعمالاً صالحه مباركه تبيض وجوهنا يوم نلقاه عزوجل
    يوم لاينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه
    يوم تجد كل نفس ما عملت من خيرٍ محضراً وما عملت من سوء تود لو ان بينها وبينه امدا بعيدا
    يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن
    نسأل الله عزوجل بمنه وكرمه أن يحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا وأن يكِره إلينا الفسوق والعصيان ويجعلنا من الراشدين .
    ثم اما بعد
    يقول الله ((وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ))
    وقال تعالى: ((أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ))

    أيها المسلمون : إن الله سيحاسبنا على كل شيء على الصغير والكبير والفتيل والقطمير
    فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره.
    أصحاب القلوب السليمه والعقول الواعية عرفوا أن الله لهم بالمرصاد
    فعرفوا أنه لن ينجيهم إلا لزوم المحاسبة ومطالبت النفس ومحاسبتها على الأنفاس والحركات
    قال تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ))

    تأمل يا عبد الله هذه الأيه التي أشارت إلى تقوى الله فيما مضى من عمرك من أعمال والنظر والمحاسبة فيما قدمت لأخرتك والله خبيرٌ بما تعمل في هذه اللحظة.
    قال عمر الفاروق أيها الناس حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعما لكم قبل أن توزن عليكم وتهيئوا للعرض الأكبر (( يومئذ تعرضون لاتخفى منكم خافيه ))
    قال الفضيل بن عياض: من حاسب نفسه قبل أن يحاسب خف في القيامة حسابه وحضر عن السؤال جوابه وحسن منقلبه ومأبه ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته وطالت في عرصات القيامة وقفاته وقادته إلى الخزي والمقت سيئاته وأكيس الناس من دان نفسه وحاسبها وعاتبها وعمل لما بعد الموت واشتغل بعيوبه وإصلاحها

    عباد الله : ينبغي للعاقل أن يكون له في يوم ساعة يحاسب فيها نفسه كما يحاسب الشريك شريكه في شئون الدنيا فكيف لا يحاسب الأنسان نفسه في سعادة الأبد وشقاوة الابد نسأل الله أن يجعلنا من الأبرار والسعداء
    قال ميمون بن مهران: لايكون العبد من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة شريكه .
    ومن فوائد محاسبة النفس يا عباد الله إنها تعرِّف الإنسان بنعمة الله عليه فيشكرها، ويستخدمها في طاعة الله ويحذر من التعرض لأسباب زوالها قال تعالى ((وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ))
    فبداية المحاسبه أن يقيس العبد ويوازن بين نعم الله عليه من عافية وأمن وستر وغنى وبين ذنوبه فحينئذٍ يظهر التفاوت فيعلم العبد أن ليس له إلا عفوالله ورحمته أوالهلاك
    حاسبت نفسي لم أجد لي *** صالحاً إلا رجاءي رحمة الرحمن
    ووزنت أعمالي فلم أجد *** في الأمر إلا خفة الميزان

    وبهذه المقايسة والمحاسبة يعلم العبد أن الرب رب بكرمه وعفوه وجبروته وعظمته وأن العبد عبد بذله وضعفه وفقره وعجزه وأن كل نعمة من الله فضل وكل نقمة منه عدل .
    وبهذه المحاسبة يسيء العبد الظن بنفسه لأن حسن الظن بالنفس يمنع من كمال الصلاح والتقوى فيرى المساوىء محاسن والعيوب كمالاً
    فعين الرضى عن كل عيب كليلة *** ولكن عين السخط تبدي المساويا

    ولا يسيء الظن بنفسه إلا من عرفها.
    فهذا صله بن أشيم يقول أحد أصحابه كنت أسمعه يقول بعد صلاة الفجر في دعاءه
    (اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار ومثلي لايستحق أن يطلب الجنة )

    وكلما عرف الأنسان ربه حق المعرفة عرف أن ما معه من البضاعة والطاعة مهما عظمت وكبرت وزادت لاتساوي شيء ولوجاء بعمل الثقلين لأنه أمام رب سريع الحساب.
    فها هو أبوبكر يدخل مزرعة أحد الأنصار ويرى طائر يطير من شجرة إلى أخرى فيتأمل ويقول (هنيئاً لك ياطائر ترد الشجر وتأكل وتشرب وتموت ولاحساب ولاعقاب يا ليتني كنت شعرة في صدر عبدٍ مؤمن.)

    وهاهو عمربن الخطاب يخاطب نفسه كما يقول أنس أني سمعته وبيني وبينه جدار وهو يحاسب نفسه ويقول (عمربن الخطاب أمير المؤمنين بخ بخ والله لتتقين الله أوليحاسبنك الله ويكررها )
    قال الحسن البصري : في قوله ((وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ))
    قال نفس المؤمن لاتلقى المؤمن إلايعاتب نفسه ماذاأردت بكلمتي ماذا أردت بأكلتي والفاجر يمضي قدماً لايعاتب نفسه
    الأستغفار: أرباب البصائر أشد مايكونون ذليلين مستغفرين عقب الطاعات

    فالإستغفار سمة المؤمنين كلما أذنبوا وأساؤا استغفروا ورجعوا إلى الله لإنه وحده الغافر ، قال تعالى : ((وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُون))

    عباد الله الإستغفار ليس للعاصين فقط بل لإصحاب الطاعات.
    فالمصلون بعد إتمام الصلاة الخاشعة المطمئنة يستغفروا من كل نقص وزلل في الصلاة ، وبعد رحلة الحج العظيمة والطواف والسعي ورمي الجمار قال تعالى : ((ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ))


    وبعد أن منّ الله على نبيه بالنصر والتمكين والفتح المبين أمره بالإستغفار ، قال تعالى : ((إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا))

    عبادالله :
    على المؤمن أن يحاسب نفسه فالطاعة والفروض رأس المال والمعاصي هي الخسائر والنوافل هي الأرباح وليعلم أنّ كل نفس من أنفاس العمر جوهرة نفيسة يمكن أن يشتري بها كنز من كنوز الأخرة
    فإذا أصبح العبد وفرغ من صلاة الصبح ينبغي أن يفرغ قلبه ساعة فيقول لنفسه مالي بضاعة إلا العمر ولوتوفاني الله لكنت أتمنى أن يرجعني إلى الدنيا يوماً حتى أعمل صالحاً ومن ثم ينوي فعل الخيرات ليكون من الرابحين.
    فهذا الربيع بن خثيم كان له تحت سريره حفرة كلما رأى من نفسه إقبالاً على الدنيا نزل فيها وكأنه في قبره ويصبح ويبكي وكأنه في عداد الموتى ويقول رب ارجعون رب ارجعون ثم يصعد من الحفرة ويقول يانفس هاأنت في الدنيا فاعملي صالحاً
    ويقول إبراهيم التيمي مثلت لنفس كأني في الجنة أكل من ثمارها وأشرب من أنهارها وأطوف في وديانها وأعانق أبكارها ثم مثلت لنفسي وكأني في النار أكل من زقومها وأشرب من حميمها وأصيح بين أهلها ثم قلت يانفس أي دار تريدين فقالت أعود إلى الدنيا فأعمل صالحاً كي أنال الجنة فقلت يانفسي هاأنت في الدنيا فأعملي.

    الخطبة الثانيه :-
    الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه واشهد ان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الداعي إلى رضوانه وعلى اله وصحبه وجميع أخوانه ،
    وبعد

    عباد الله
    لنستمع ونفقه هذه الآيات التالية. قال تعالى قال تعالى: ((وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِرَامًا كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ))
    وقال عز وجل: ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشّمَالِ قَعِيدٌ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))
    وقال سبحانه وتعالى: ((وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ))
    وقال تعالى: ((وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِيرٌ))
    وقال تعالى: ((وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِى السَّمَاء وَالأرْضِ إِلاَّ فِى كتابٍ مُّبِينٍ))
    وقال تعالى: ((يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ))
    وقال جل وعلا: ((يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِى صَخْرَةٍ أَوْ فِى السماواتِ أَوْ فِى الأرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ))
    وقال تعالى: ((فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه)) وقال تعالى: ((يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوء تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَا بَعِيدًا وَيُحَذّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءوفُ بِالْعِبَادِ))
    وقال جل وعلا: ((وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا))

    وقال تعالى: ((وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)) وقال تعالى: ((وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا))

    فيا عبدالله حاسب نفسك قبل أي عمل تقوم هل هو لله أم لدنيا أم لشهوة فإن كان لله فاستعن بالله ثم حاسب نفسك أثناء العمل وأخلص النية.
    وأخيراً حاسب نفسك بعد العمل أن لايخالطه عجب ولارياء ثم استغفر من كل نقص .
    ومن فوائد محاسبة النفس يا عباد الله أنها تذكر الإنسان وتبعث فيه الاستعداد للقاء الله - عز وجل - الذي سوف يكون بين يديه الحساب هاهو الأحنف بن قيس كان يجيء بالمصباح فيضع أصبعة ثم يقول حس يا حنيف ما حملك على مافعلت يوم كذا ويوم كذا آلك قدرة على النار
    ها هو عبدا لله بن رواحه لما قتل جعفر بن أبي طالب في معركة مؤته قام بن رواحه وأخذ القيادة ولم يكن قد ذاق طعاماً قبل ذلك ثم تقدم وقاتل فأصيبت إصبعية فارتجز وجعل يقول :
    هل أنت إلا إصبع دميت *** وفي سبيل الله ما لاقيت
    يا نفس إلا تقتلي تموتي *** هذا حياض الموت قد صليت
    وما تمنيت فقد لقيت *** إن تفعلي فعلهما هديت
    وإن تأخرت فقد شقيت
    ثم قال يا نفس إلى أي شيء تتشوقين إلى فلانة فهي طالقة ثلاثة إلى فلان وفلان العبيد هم أحرار لوجه الله إلى البيت الفلاني هو لله ولرسوله
    يا نفس مالك تكرهين الجنة *** أقسم بالله لتنزلنه
    طائعة أو لتكرهنه *** فطالما قد كنت مطمئنة
    هل أنت إلا نطفة في شنة *** قد أجلب الناس وشدوا الرنه

    هاهو يزيد الرفاشي كان يحاسب نفسه كل يوم ويتذكر الآخرة ويقول ويحك يا يزيد من ذا يصلي عنك بعد الموت من ذا يصوم عنك بعد الموت من ذا سيتصدق عنك بعد الموت من الموت طالبه من القبر بيته من الدود أنيسة من التراب فراشه من منكر ونكير جليساه
    ثم يقول أيها الناس ألا تبكون وتنوحون على أنفسكم ما تبقى من حياتكم ,ثم يبكي بكاء شديدا .
    وهاهو تابعي اخر بلغ من العمر 60 سنة فحاسب نفسه وحسب ايام عمره فإذا هي 21500 زادت على العشرين الف يوم
    الله اكبر فصرخ وقال ياويلتا
    لو عصيت الله في اليوم بذنب واحد ءالقى ربي بعشرين الف ذنب فكيف لو كان في اليوم عشرة ذنوب او مائة ذنب ثم خر مغشيا عليه .
    وقال محمد بن واسع لو كان للذنوب ريح ما قدر احد ان يجالسني .
    اخي الحبيب حاسب نفسك لتعرف رصيدك من الخير والشر
    حقوق الله هل وفيتها .
    حقوق العباد هل اديتها .
    ما حالك مع الصلاة هل تؤديها بشروطها واركانها .
    متى اخرمرة بكيت من خشية الله فعينان لا تمسهما النار احداها عين بكت من خشية الله
    ما حالك مع كتاب الله ولا تكن ممن قال الله تعالى عنهم لسان نبيه ((:وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا))
    ما حالك مع النوافل والمستحبات فهي علامة الايمان وطريق محبة الرحمن .
    يقول الحسن البصري في قوله تعالى
    ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا الانسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشّمَالِ قَعِيدٌ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))
    يابن ادم بسطت لك صحيفتك ووكل بك ملكان احدهما عن اليمين وعن الشمال فصاحب اليمين يكتب الحسنات وصاحب الشمال يكتب السيئات فأعمل ما شئت أقلل او اكثر فإذا مت طويت صحيفتك حتى يوم القيامة فيقال لك إقرا كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا.
    ثم قال عدل والله من جعلك حسيب نفسك

    عبد الله اجلس مع نفسك وحاسبها وقل لها يانفس اتعلمين ان كل من يلتفت الى ملاذ الدنيا ويأنس بها فمصيره الموت
    يانفس اوما تنظرين الى الذين مضوا كيف بنوا وعلوا ثم ذهبوا
    اما ترينهم كيف يجمعون مالا يأكلون ويبنون مالا يسكنون ويؤملون مالا يدركون يبني كل واحد قصرا مرفوعا الى جهة السماء ومقره قبر محفور تحت الارض .
    ويحك يانفس أما تستحين من الله تزينين ظاهرك للخلق وتبارزين الله في السر بالعظائم .
    ويحك اهو اهون الناظرين اليك اتأمرين الناس بالخير وانت ملطخة بالرذائل فأنظري يانفس بأي بدن تقفين بين يدي الله وبأي لسان تجيبين فأعدي للسؤال جوابا وللجواب صوابا .
    يانفس اخرجي من الدنيا خروج الاحرار قبل ان تخرجي منها على الاضطرار .

    عبد الله قل
    انا العبد الذي كسب الذنوبا *** وصدته المنايا ان يتوبا
    انا العبد الذي اضحى حزينا *** على زلاته قلقا كئيبا
    انا المضطر ارجو منك عفوا *** ومن يرجو رضاك لن يخيبا
    فيأسفى على عملر تقضى *** ولم أ كسب به الذنوبا
    وياحزناه من حشري ونشري *** بيوم يجعل الولدان شيبا
    فيامن مد في كسب الخطايا *** خطاه أما ان الاوان ان تتوبا

    قال مالك بن دينار مكتوب في التوراة :كما تدين تدان وكما تزرع تحصد
    فتب الى مولاك من قريب فوالله ما ظلمك من جعلك حسيب نفسك
    عن انس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((يقول العبد يوم القيامة : يارب الم تجرني من الظلم فيقول بلى فيقول اني لا اجيز على نفسي الا شاهدا من نفسي فيقول ((كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا )) وبالكرام الكاتبين شهودا فيختم على فيه ويقال لاركانه انطقي فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكّن وسحقا ,فعنكن كنت اناضل )).
    تبارك من اجرى الامور بحكمه *** كما شاء لا ظلما ولا هضما
    أخي فحاسب نفسك لنفسك وأخلص تخلص فالناقد بصير
    العمر ينقص والذنوب تزيد *** وتقال عثرات الفتى فيعود
    هل يستطيع جحود ذنب واحد *** ر جل جوارحه عليه شهود

    عباد الله صلوا وسلموا على سيد البشرية محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بذلك فقال في كتابه الكريم: ((إِنَّ اللَّهَ وَملائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياايها الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً))
    اللهم صل وسلم على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم...





    *******************************************


    خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : أمير بن محمد المدري






    تعليق

    • سُلاف
      مشرفة المواضيع الإسلامية
      من مؤسسين الموقع
      • Mar 2009
      • 10535






      وكفـى بالمــوت واعظـــا








      إنّ الحَمدَ لله نَحمُدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ ونتوبُ إليه ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون " ، " الحمد لله فاطر السموات والأرض ، جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير " وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ليس له ند ولا نظير ، وأشكره سبحانه على آلائه تكفل بالرزق والتدبير ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النذير البشير ، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة ، وأخرجها من ظلمات الجهل المستطير ، إلى ميادين العلم والتنوير ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ، " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " ، " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً " ، " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً " . . .

      أما بعد :
      فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله، فهي الزاد في الدنيا والآخرة، وبها النجاة يوم الآزفة { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } .

      أمة الإسلام : إن الله خلق الثقلين لحكمة بالغة خلقهم ليبلوهم أيهم أحسن عملا، خلقهم ليعبدوه وحده لا شريك له، ليخلصوا له العبادة، وخلق الليل والنهار وجعلهما خزائن للأعمال يحصي على العبد ما له وما عليه " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " ، " وكل شيء أحصيناه في إمام مبين " ، واعلموا أيها الناس أن هذه الدنيا مزرعة للآخرة ، يفوز فيها المتقون ، ويخسر فيها الغافلون ، ومن حكمته سبحانه أنه لم يجعل هذه الدار للبقاء والاستمرار، وإنما جعلها دار ممر واعتبار ، فالرابح من صلح زرعه ، والخاسر من فسد ثمره ، وكل الناس يعلم أنما هذه الحياة الدنيا ليست لحي سكنا ، فهي سريعة الزوال، وشيكة الارتحال، ولقد قال الله لنبيه الكريم " وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإئن مت فهم الخالدون " ، فالبقاء لله الواحد القهار ، قال تعالى : " يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار * اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب " ، أخرج مسلم في صحيحه من حديث عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَطْوِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ ؟ ثُمَّ يَطْوِي الْأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ ؟ " .
      تزود من التقوى فإنك لا تدري *** إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجـر
      فكـم من فتى أمسى وأصبح ضاحكا *** وقد نسجت أكفانه وهو لا يـدري
      وكم من صغار يرتجى لهم طول العمر *** وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبـر
      وكـم من عروس زينوها لعرسـها *** وقد قبضت أرواحهم ليلـة القـدر
      وكـم من صحيح مات من غير علة *** وكم من سقيم عاش حينا من الدهر
      فـمن عـاش ألفـا وألفيـن إنـه *** لابـد من يـوم يسـير إلى القبر


      أمة الإسلام : إن الله كتب الفناء على كل شيء " كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون " ، وحكم بالموت على كل حي " كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام " ، كل نفس يا عباد الله لا بد أن تشرب المنون صغيرة أم كبيرة ، ملكة أم فقيرة ، وزيرة أم حقيرة ، " كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون " .

      أمة الإسلام : لا يدري الإنسان متى يفجؤه الأجل ولا أشد وأعظم على الميت وأهله من إتيان الموت له فجأة ، وهو في كامل صحته وعنفوان قوته ، وتمام نشاطه ، ومع تزايد النعم والعيش الرغيد ، لم يحسب للموت حسابه ولم يظن أهله أن ينزل عليه الموت ، فإذا هم به قد سقط ميتا لا حراك به فكم من صحيح مات من غير علة وكم من سقيم عاش حينا من الدهر ، ولهذا من الغفلة أن يلهو الإنسان عن الموت وعن الاستعداد له فيقصر في الواجبات ويقع في السيئات ويأخذ حقوق الناس بغير حق بل بالظلم والبهتان ويتعدى على الغير في مال أو عرض أو نفس ، يؤذي المسلمين والجيران ، يأكل حقوق الإجراء والخدم ، يظلم الزوجة والأولاد ، وربما وقع الظلم من الأجير لمن استأجره ، فكم من الناس من نسي الموت ولم يخطر له على بال ، بل وتراه في أكمل أحواله صحة ونشاطا وعافية ومالا ، فلا يلبث أن يأتيه الموت فجأة فلا يتمكن من تدارك نفسه ومن التوبة إلى الله والتحلل من المظالم ، فربما لقي ربه محملاً بالأوزار والآثام ، فلنكن عباد الله على حذر من هذا ، ولنتدارك النفس قبل فوات الأوان وإن كثيرا من الناس في هذا الزمان استولى عليهم حب المال والجاه والمناصب ، حتى ضيعوا حياتهم لهواً ولعباً ، وللمال جمعاً وحباً ، نسوا هادم اللذات ومفرق الجماعات ، وربما قصروا في كثير من الواجبات ووقعوا في كثير من المخالفات ، وارتكبوا كثيرا من المنهيات والمحرمات ، " فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون " ، فلله در أقوام علموا قرب الرحيل فهيئوا الزاد للسفر الطويل ، قاموا بما أمر الله وتركوا ما نهى عنه ، هونوا الدنيا فقنعوا منها بما حضر ، واستوثقوا بقفل التقوى واستعدوا للسفر ، وحاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبوا ، لما احتضر سليمان التيمي قيل له : أبشر فقد كنت مجتهداً في طاعة الله ، فقال : لا تقولوا هكذا ، فإني لا أدري ما يبدوا لي من الله عز وجل ، فإنه سبحانه يقول : { وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون } ، وكم من الناس اليوم من يعمل الموبقات ، ويجترح المهلكات ولا يعبأ بالسيئات ، وكل مسجل في صحيفته يوم الجزاء والحساب ، إذا نشرت الدواوين وتطايرت الصحف ، وفتحت السجلات للفصل والقضاء ، ألا فاعلموا عباد الله أن العاصي لو عصى مخلوقاً لجزع من لقائه ، فكيف بمن يعصي الخالق جل جلاله ، فكيف يلقى خالقه محملاً بأوزاره وآثامه ، بكى محمد بن المنكدر عند الوفاة ، فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : والله ما أبكي لذنب أعلم أني أتيته ، ولكن أخاف أني أتيت شيئاً حسبته هيناً وهو عند الله عظيم ، وكم من المسلمين اليوم من يجاهر بالمعاصي العظام والكبائر الجسام جهاراً نهاراً ، بلا خوف ولا حياء من جبار الأرض والسماء ، ربا وزنا ولواط ومخدرات ، دخان ومسكرات ، مشاهدة للقنوات ، سماع للأغاني الماجنات ، وتحلق حول المسلسلات الفاضحات ، والطامة العظمى ، والمصيبة الكبرى ، هجران كثير من المسلمين للصلوات ، وعقوق للوالدين ، وقطيعة للأرحام ، قال عبدالله بن عمر : كان رأس عمر على فخذي في مرضه الذي مات فيه ، فقال : ضع رأسي على الأرض ؟ فقلت : ما عليك كان على الأرض أو كان على فخذي ؟!فقال : لا أم لك , ضعه على الأرض ، فقال عبدالله : فوضعته على الأرض ، فقال : ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي عز و جل ، هذا عمر الفاروق رضي الله عنه مبشر بالجنة ويقول ما قال ، فكيف بمن لم يبلغ شيئاً من منزلته ، لهو أعظم أن يخشى ربه ، ويراقبه في كل تصرفاته وحركاته ، قال معاوية رضي الله عنه عند موته لمن حوله : أجلسوني ، فأجلسوه ، فجلس يذكر الله , ثم بكى وقال : الآن يا معاوية ، جئت تذكر ربك بعد الانحطام والانهدام , أما كان هذا وغض الشباب نضير ريان ، ثم بكى وقال : يا رب , يا رب , ارحم الشيخ العاصي ذا القلب القاسي ، اللهم أقل العثرة واغفر الزلة ، وجد بحلمك على من لم يرج غيرك ولا وثق بأحد سواك ، ثم فاضت روحه رضي الله عنه ، ودخل المزني على الإمام الشافعي في مرضه الذي توفي فيه فقال له : كيف أصبحت يا أبا عبدالله ، فقال الشافعي : أصبحت من الدنيا راحلا, وللإخوان مفارقا , ولسوء عملي ملاقيا , ولكأس المنية شاربا , وعلى الله واردا , ولا أدري أروحي تصير إلى الجنة فأهنيها , أم إلى النار فأعزيها , ثم أنشأ يقول :
      ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي *** جعلت رجائي نحو عفوك سلما
      تعاظمني ذنبي فلما قرنته *** بعفوك ربي كـان عفوك أعظما
      فما زلت ذا عفو عن الذنب *** لم تزل تجود وتعفو منة وتكرما


      ولما حضرة الوفاة الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رحمه قال لبنيه : يا بني , إني قد تركت لكم خيراً كثيراً ، لا تمرون بأحد من المسلمين وأهل ذمتهم إلا رأوا لكم حقاً ، يا بني ، إني قد خيرت بين أمرين , إما أن تستغنوا وأدخل النار , أو تفتقروا وأدخل الجنة ، فأرى أن تفتقروا إلى ذلك أحب إلي , قوموا عصمكم الله ، قوموا رزقكم الله ، قوموا عني , فإني أرى خلقاً ما يزدادون إلا كثرة , ما هم بجن ولا إنس ، قال مسلمة : فقمنا وتركناه , وتنحينا عنه , وسمعنا قائلاً يقول : تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين " ، ثم خفت الصوت , فقمنا فدخلنا , فإذا هو ميت مغمض مسجى ، فأين ملوك الأرض ، ورؤساء التراب ، وساسة العنصرية ، عن عدل عمر بن عبد العزيز ، ولي من أولياء الله تعالى ، ترك الدنيا واشترى الآخرة ، لم يهتم بجمع الأموال ، ونهب الخزائن ، لم يترك طبقة غنية ، وأخرى فقيرة ، بل أقبل على الله خائفاً وجلاً من يوم التلاق ، فأكرمه ربه بالثبات يوم الممات ، قال تعالى : " ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم " ، وحينما حضر المأمون الموت قال : أنزلوني من على السرير ، فأنزلوه على الأرض ، فوضع خده على التراب وقال : يا من لا يزول ملكه ، ارحم من زال ملكه ، فأين أصحاب المعاصي ، ومقترفوا الذنوب ، ومرتكبوا الآثام عن تذكر الموت ، الذي قطع كل لذة في هذه الحياة الدنيا ، الموت الذي لا يفر منه مطلوب ، ولو أغلق الحواجز ، ووضع الجنود " ، قال تعالى : " أينما تكونوا يدركم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة " ،
      فَلا تَغُرَّنَّكَ الدُّنْيــا وَزِينَتُها *** وانْظُرْ إلى فِعْلِها في الأَهْلِ والوَطَنِ
      وانْظُرْ إِلى مَنْ حَوَى الدُّنْيا بِأَجْمَعِها *** هَلْ رَاحَ مِنْها بِغَيْرِ الحَنْطِ والكَفَنِ

      أمة الإسلام : في يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة ، كان المرض قد اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسرت أنباء مرضه بين أصحابه ، وبلغ منهم القلق مبلغه ، واشتد الوجع برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعا فاطمة فسارها أنه سيقبض في وجعه هذا ، فبكت لذلك ، فأخبرها أنها أول من يتبعه من أهله ، فضحكت ، واشتد الكرب برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبلغ منه مبلغه ، فقالت فاطمة : واكرب أبتاه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا كرب على أبيك بعد اليوم ، وأوصى وصيته للمسلمين وهو على فراش موته فقال : الصلاة الصلاة ، وما ملكت أيمانكم ، وكررها مراراً ، واشتد الألم برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل يدخل يديه في ركوة فيها ماء ، فيمسح وجهه بالماء وهو يقول : لا إله إلا الله ، إن للموت لسكرات ، ثم شخص بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتحركت شفتاه قائلا : مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، اللهم اغفر لي و ارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى ، اللهم الرفيق الأعلى ، اللهم الرفيق الأعلى ، اللهم الرفيق الأعلى ، وفاضت روح خير خلق الله ، مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مات من أرسله الله رحمة للعالمين مات من أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور ، فإنا لله وإنا إليه رجعون ، إنه الموت يا عباد الله ، الذي لا مفر منه ولا مهرب ، لا يعرف صغيراً ولا كبيراً ، ولا ذكراً ولا أنثى ، ولو نجى منه أحد لنجى منه أنبياء ورسله وصفوة خلقه ، ولكنه قدراً مقدوراً ، ففروا إلى الله أيها الناس واعتصموا بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وتوبوا إليه سبحانه فهو الغفور الرحيم ، وتداركوا أنفسكم قبل فوات الأوان ، قبل أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين ، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب وتقصير ، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه كان للأوابين غفوراً .

      ---

      الحمد لله الولي الحميد الفعال لما يريد ، أحمده سبحانه ، خضعت له الرقاب ، وذلت له العبيد ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نديد ، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله صاحب القول السديد ، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الوعيد . . . أما بعد :
      فاتقوا الله عباد الله واستغفروه واعلموا أنكم إليه راجعون ، واعلموا أن أقدامكم على النار لاتقوى، وأن ملك الموت قد تخطاكم إلى غيركم، وسيتخطى غيركم إليكم، فخذوا حذركم ، فـ " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني " .

      أمة الإسلام : اعلموا أن الدنيا، دار بلاء وابتلاء، وامتحان واختبار، لذلك قدر الله فيها الموت والحياة، وهي مشحونة بالمتاعب، مملوءة بالمصائب، طافحة بالأحزان والأكدار، يزول نعيمها، ويذل عزيزها، ويشقى سعيدها، ويموت حيها، مزجت أفراحها بأتراح، وحلاوتها بالمرارة، وراحتها بالتعب، فلا يدوم لها حال، ولا يطمئن لها بال ، فليت شعري ،أي امرئ سلم فيها من الشدة والنكبة، أي امرئ لم تمسسه المصيبة والحسرة، من عاش في هذه الدنيا لم يخل من المصيبة ، وقلما ينفك عن عجيبة ، فكم من ملوك وجبابرة فتحوا البلاد، وسادوا العباد، وأظهروا السطوة والنفوذ، حتى ذعرت منهم النفوس، ووجلت منهم القلوب، ثم طوتهم الأرض بعد حين، فافترشوا التراب، والتحفوا الثرى، فأصبحوا خبراً بعد عين، وأثرا بعد ذات ، وكل إنسان، سيسلك الطريق الذي سلكوه، وسيدرك الحال الذي أدركوه، ولكنه مأخوذ بغمرة من الدنيا عابرة، ستليها ويلات ونقمات ، وصرخات وآهات ، فمن كان مستغرقاً في سبات عميق ، ستكشفه سكرات الموت عما قريب { أَلْهَـاكُمُ التَّكَّاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ}

      فعودوا إلى الله أيها المقصرون ، اتقوا الله أيها المذنبون ، واحذروا الموت كل ساعة ولحظة ، فهو بالمرصاد يترقب دنو الأجل ليهجم على عجل ، ليقربك من آخرتك ، ويبعدك عن دنياك ، يدنيك من الآخرة ، ويقطع عنك الآمال والأحلام ، فأين العقلاء والشرفاء والرفعاء والوضعاء عن أمر الموت ، وقد قال الله تعالى : " وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير "

      هذا وصلوا وسلموا على رسول الهدى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً} ، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الآل والصحب الكرام، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وارفع كلمة الحق والدين وانصر عبادك المؤمنين، اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لتحكيم كتابك، والعمل بسنة نبيك، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، اللهم دمر أعداء الدين وسائر الكفرة المعاندين، الذين يصدون عن سبيلك ويعادون أهل دينك، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك وفي نصرة دينك، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم سدد سهامهم، وآراءهم، اللهم أجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى والبر والتقوى، اللهم مُنَّ عليهم بالاعتصام بحبلك المتين، وبشرعك المبين، اللهم تجاوز عن سيئاتنا ، واعف عن زلاتنا ، اللهم ارزقنا الاستقامة على الدين ، اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة

      اللهم هون علينا سكرات الموت ، اللهم يمن كتبانا ، ويسر حسابنا ، وأجرنا من النار ومن فتنة القبر والدجال إنك على كل شيء قدير ، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، عباد الله : إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتهم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتهم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون





      ************************************************


      خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : يحيى بن موسى الزهراني








      تعليق

      • سُلاف
        مشرفة المواضيع الإسلامية
        من مؤسسين الموقع
        • Mar 2009
        • 10535





        فضـــائل بــر الوالديــن








        إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ الدين، أمَّا بعد:

        فيا أيُّها النَّاسَ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى، عباد الله، إن بر الوالدين من أفضل القربات، واجل الطاعات، وهو أعظم حق على العباد بعد حق الله عليهم، وقد جاءت النصوص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ترغب في بر الوالدين، وتبين فضل هذا البر في الدنيا والآخرة، فمن فضائل برهما: أن الله جل وعلا قرنا حقهما بحقه، فما أمر بتوحيده إلا أمر بحق الوالدين، وهذا شأن عظيم يقول جل وعلا: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً)، وقال: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) أي: أمر بعبادته أمر بالإحسان إلى الوالدين، وقال جل وعلا: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)، (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً)، ومن فضائل بر الوالدين أن برهما جهاد في سبيل الله يعدل الجهاد في سبيل الله مع عظم أجر المجاهدين وثوابهم، جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ:"أَحَىٌّ وَالِدَاكَ"، قَالَ نَعَمْ . قَالَ: "ارجع فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ"، ومن فضائل برهما أن برهما من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله،ومن الأعمال المقربة لجنة الله وثوابه، قال عبدالله بن مسعود سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أَي الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: "الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا". قُلْتُ ثُمَّ أَي قَالَ: "بِرُّ الْوَالِدَيْنِ"، قُلْتُ ثُمَّ أَي قَالَ: "الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي، وفي لفظ: أي الأعمال أقضي الجنَّة، ومن فضائل بر الوالدين أن برهما سبب لرضا الله عن الوالد، يقول صلى الله عليه وسلم: "رِضَا اللَّهِ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ، وَسَخَطُ اللَّهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدَيْنِ"، ومن فضائل برهما: أن برهما سبب لدخول الجنَّة، يقول صلى الله عليه وسلم: "الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَإِنْ شِئْتَ فحْفَظْ هذا الباب، وَإِنْ شِئْتَ فَضَيِّعْهُ"، وفي لفظ أنه صلى الله عليه وسلم أستأذنه للجهاد، فَقَالَ: "ألَكَ أُمٍّ"، قَالَ نَعَمْ، فَقَالَ: "الْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ عِنْدَ رِجْلِهَا"، ومن فضائل برهما أيضا يا أيها المسلم: أن البار بهما يرجى دعوته وأن دعوته مستجابة بتوفيق الله، ينجيه الله من الكربات، ويخلصه من الشدائد، ففي قصة أصحاب الغار الذين انطبقت عليهم الصخرة فلم يستطيعوا أن يخرجوا ولا أحد يسمعهم ولا أحد يبصر بهم، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فقالوا: إنه لن ينجينا اليوم من هذه المهلك إلا أن نتوسل إلى الله بصالح أعمالنا، فقال أحدهم: "اللهم كَانَ لِى أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَكُنْتُ لاَ أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلاً وَلاَ مَالاً، فَنَأَى بِي طَلَبِ شَىْءٍ يَوْمًا، فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ غَبُوقَهُمَا وَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَصِبْيَتِى يَتَضَاغَوْنَ تحت قدمي، حَتَّى بَرَقَ الْفَجْر، فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا"، المهم أن هذا الدعاء استجيب لأن البر سبب لاستجابة الدعاء فحرص على ذلك أخي المسلم، ومن فضائل برهما: أن تبرك بهما ولو كانا كافرين غير مسلمين فكيف بالمسلمين المصلين الصائمين، يقول الله جل وعلا: (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا)، وقال: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً)، ومن فضائلهما: أن البر بالخالة كالبر بالأم، قال رجل يا رسول الله أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا فقَالَ: "ألَكَ أُمٍّ"، قَالَ لاَ،قَالَ: "ألَكَ خَالَةٍ"،قَالَ نَعَمْ. قَالَ: "فَبِرَّهَا فالْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ".

        أيها المسلم، وللبر صور عظيمة، فالبر هو الإحسان وبذل المعروف بالقول والفعل والمال، فالقول تخاطبهما بأحسن الأقوال، قال الله جل وعلا: (فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) سهلا لينا يشاف منه الرحمة والشفقة والمحبة والإحسان، وتخدمهما بنفسك إن قدرت على ما تستطيع فهو شرف لك وعز لك، وتنفق عليهما من مالك إن احتاجا فذلك واجب عليك لأن ذلك من أنواع الإحسان، ومن صور الإحسان إليهما: أن لا تكون سببا في سبهما وشتمهما يقول صلى الله عليه وسلم: "أكبر الكبائر شتم الرجل أبويه"، قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: "يشتم أبا الرجل فيشتم أباه، ويشتم أمه فيشتم أمَّه"، وفي لفظ: "لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ"، قالوا: يا رسول الله وهل يلعن الرجل والديه؟ قال: "نعم، يَلْعَنُ أَبَا الرَّجُلِ فَيَلْعَنُ أَبَاهُ وَيَلْعَنُ أُمَّهُ فَيَلْعَنُ أُمَّهُ"، فمن عباد الله من ذا حماقة وقلة حياء وسوء أخلاق، يلعن أبا الناس وأمهاتهم، وما علاقة بك بأمهاتهم؟ يعود هذا اللعن إلى أبويك، يلعنان أبويك ويسبان أبويك فيعود اللعن على الأبوين، فاتقي الله في ذلك، وعف لسانك عن هذا العمل السيئ، ومن صور بر الوالدين: أن تبر صديقهما وتكرم أهل مودتهما بعد موتهما، قال عبدالله بن دينار كنا مع ابن عمر في الحج فأتاه أعرابي فعرفه ابن عمر فأعطاه حماراً يركب عليه عند الراحلة وعمامة كان يشد به رأسه فقالوا: يا أبا عبدالرحمن، إنهم الأعراب فيهم اليسير، قال: إن أبا هذا كان وداً لعمر وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن من أبر البر، أن يبر الرجل أهل ود أبيه بعد موته"، ومن صور البر بهما: أن تذكر فضائلهما وأعمالهما الصالحة قال أبو مهران مولى أم سلمة خرجت مع أبي هريرة لأرضه في البقيع فلما أقبل على أمه نادى بأعلى صوته: السلام عليك يا أماه ورحمة الله وبركاته، رحمك الله كما ربيتني صغرا، فأجابته: وعليك السلام ورحمة الله رحمك الله كما بررتني كبيرا، هكذا الخلق الطيب أن لا ننسى فضلهما، ومن صور برهما: دعوتهما إلى الخير وأمرهما بالمعروف ونهيهما عن المنكر برفق ولين ورحمة وإحسان وشفقة عليهما، وذكر موقف إبراهيم من أبيه خليل الرحمن كما قال الله: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً* إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً* يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً* يَا أَبَتِ لا تَعْبُدْ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً* يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنْ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً)، هكذا الرفق واللين وحسن الدعوة لعلى الله أن ينقذ والديك، قد ترى من أبيك سوء الأخلاق وارتكاب بعض المحرمات فلا يمنعك ذلك أن تبر به وتحسن إليه وتصبر على ذلك مع أمره وتوجيهه ودعوته إلى الخير لعلى الله أن ينقذه على يدك فهذا من صور البر والإحسان.

        أيها المسلم، وحقوق الأب عليك بعد الموت أمور جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: هل بقي من بر الأبوين شيء أبرهما بعد موتهما؟ قال: "نَعَمِ الصَّلاَةُ عَلَيْهِمَا أي: الدعاء لهما، وَالاِسْتِغْفَارُ لَهُمَا وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِى لاَ تُوصَلُ إِلاَّ بِهِمَا وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا"، فدعاءك لأبويك أمر مطلوب منك قال الله عن نوح عليه السلام: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)، دعاءك لهما بر بهما، يقول صلى الله عليه وسلم: "إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ"، قال الله: (وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً)، وجاء في الحديث: "إِنَّ اللَّهَ لَيَرْفَعُ الرجل في الجنة منزلته فَيَقُولُ: أَنَّى لِى هَذِا، فَيَقُولُ: بِدُعَاءِ وَلَدِكَ لَكَ"، ومن حقهما عليك أن تقضي دينهما بعد موتهما إن كنت قادرا على ذلك، فنفس المؤمن معلقة بدينه، فقضي دينه إن كنت قادرا على قضائه فإذا هذا من برهما والإحسان إليهما، مقابلة معرفوهما بالمعروف يقول صلى الله عليه وسلم لما جاءت امرأته تستأذن في الحج لأبيها قال: "أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَتهُ؟ اقضوا الله فَاللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى"، فقضي دين أبيك إن كنت قادرا، أقضي دينه سواء كان للآدميين، وقضي دينه إن كان لله ككفارة لو كان عليه صيام قتل خطأ صم عنه، لو كان صياما من رمضان صم عنه، من مات وعليه صوم صام عنه وليه فإذا كان صوم نذر أو كفارة قتل خطأ أو غير ذلك فصم عنه وتقرب إلى الله بذلك فهذا من بره، أحسن إلى أولاده الصغار بعد موته أقسم تركته على الوجه المطلوب، خلص التركة من التبعات أرحه في لحده بأن تسعى في إصلاح إخوانك وجمع الكلمة ووحدة الصف، وإزالة العداوة والمحن وإعطاء كل ذي حق حقه فذلك من برهما.

        أيها المسلم، إن البر عمل صالح وخلق كريم، ذكر الله عن أنبيائه عليهم السلام، فالله يقول عن عيسى: (وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً)، فدل على أن البر طاعة وعمل صالح، وقال عن زكريا: (وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً)، وأنظر إلى نبي الله إسماعيل مع نبي الله إبراهيم: (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ* فَلَمَّا أَسْلَمَا) أي: إبراهيم وإسماعيل لقضاء الله، (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ*) ليذبحه، جاء الفرج من رب العالمين، (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ)، وأخبر عمر رضي الله عنه لما جاء وفد من اليمن الذين قدموا المدينة للجهاد قال: أفيكم أويس بن عامر من قرن، قالوا: نعم، قال: أنت أويس بن عامر من مراد من قرن، قال: نعم، قال: أكان لك برص فشفيت إلا موضع درهمك، قال: نعم، قال: أكان لك أمك أنت بار بها؟ قال: نعم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ كَانَ فيه بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، وكان بارا بأمه فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فليستغفر لك"، فقال عمر: اسْتَغْفِرْ لِي. فَاسْتَغْفَرَ لعمر، فَقَالَ عُمَرُ أَيْنَ تُرِيدُ قَالَ الْكُوفَةَ. قَالَ: أَلاَ أَكْتُبُ لعَامِلِهَا قَال: لا دعني أَكُونُ فِى غَبْرَاءِ النَّاسِ فذلك أَحَبُّ إِلَىَّ. فَلَمَّا مضى عام قدم إلى الحَجَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ العراق، فقال عمر: أتفيق أُوَيْسٍ من قرن، قال: نعم: قال: تعرفه، قال: نعم، قَالَ: تَرَكْتُهُ رَثَّ الْمَتَاعِ فقال عمر: إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَسأله، فسأله عمر: أن يستغفر ذلك الرجل فغفر له، فلما علم به الناس انطلق على وجهه فلم يعلم رحمه الله وعفا عنه، إذا البر بالوالدين من الأعمال الصالحة من فضائل الأعمال البر يدل على قوة الإيمان والمروءة والديانة والتقوى، والعقوق دليل على الشقاء وقسوة القلب نسأل الله العافية وقلة المروءة وضعف والوفاء.

        فلنتقي الله في الآباء والأمهات، ولنبر بهما وليكون منا صور حية في البر حتى ينظر الأبناء إلينا والبنات إلينا فيقتدون بنا ويتأسون بنا، نسأل الله لنا ولكم المغفرة والرضوان إنه على كل شيء قدير، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني إيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقولٌ قولي هذا، واستغفروا الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.



        الخطبة الثانية

        الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ، أما بعدُ:

        فيا أيُّها النَّاس، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى، عباد الله، إذا علمنا أن بر الوالدين من الأعمال الخيرة والأعمال الطيبة فلنتقي الله في أنفسنا، ولنتأدب في أقولنا معهما فالله يقول: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ)، فنهى عن الأف أقل الكلام قال بعض السلف: لو علم الله شيئا أقل من أف لنهى عنه، إذا كان الأف منهي عنه فكيف بمن يغرض القول؟ فكيف بمن يسب ويشتم ويلعن الأب والأم ويسبهما ويخاطبهما بكل وقاحة وسوء أخلاق، كيف حال من ينهرهما؟ كيف حال من يضربهما؟ نسأل الله العافية، ويهينهما ويذلهما، إنه نقص عظيم وبلاء عظيم ومصيبة كبرى، فلنربي الأبناء والبنات على البر والإحسان، ونذكرهم هذا الخلق العظيم والفضل الكبير ليكونوا على حق وبصيرة من أمرهم.

        أيها المسلم، إن عقوق الوالدين من كبائر الذنوب، قال صلى الله عليه وسلم: "أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ"، قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ: "الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ"، وقال: "لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَقَّ وَالِدَيْه"، وقال: "ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ الْعَاقُّ وَالِدَيْهِ، وَالدَّيُّوثُ، المسترجلة من النِّسَاءِ".

        فيا أيها الشاب المسلم، ويا أيتها الفتات المسلمة لنتقي الله في أنفسنا، وفي آباءنا وأمهاتنا، نجلس معهما لنقوم واجبنا نحوهما، وعليك أيها الأب وعليك أيتها الأم أن تفعلي السبب أيضا فيما يعين أبنك على برك، ويعين الأبناء على بر أبيهم، فعلى الأب والأم أن يتخذوا الأسباب ما يكون سببا لبر أبائهما إذا رأوا إكراما من ابنك دعوا له واستغفروا له وشكروه وأثنوا عليه وقابلوه بالإحسان حتى تدوم الصلة وتقوي الروابط الخيرة.

        أيها المسلم، احذر العقوق فإنه قسوة للقلب وشقاء في الدنيا والآخرة ومحق البركة والعمر والعمل والرزق، وإن البر سبب للخير والطمأنينة والسكينة والخير العظيم يقول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، ويُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَصِلْ ذا رَحِمَهُ" وأي رحم أعظم من الآباء والأمهات ويقول صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ ذَنْبٍ أَحْرَى أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْبَغْىِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ"، وأي قطعة رحم أعظم من عقوق الآباء والأمهات.

        فلنتقي الله يا أبناء المسلمين في آباءنا وأمهاتنا، كيف يرضى المسلم لأبويه أن يلقيهما ويضعهما في المستشفيات حتى يموتا، أو في دار العجزة والمسنين سئمتا منهما وما بدر منهما وكل هذا لا يجوز ألا تذكر أمك وبرها بك وإحسانها إليك؟ أيام الوحم والحمل والولادة والإرضاع والحضانة والقيام بالواجب، تنسى تلك الليالي الماضية والأيام الغابرة لو خيرت بين حياتها وحياتك لاختارت حياتك على حياتها وراحتك على راحتها، أكيف تعاملها بالإساءة وكف القول وغلظ القول والجفاء، إنه قسوة للقلب وشقاوة في الدنيا والآخرة، فنسأل الله السلامة والعافية، اللهم أرحم آباءنا، اللهم أرحم أمهاتنا اللهم أرحمهما كما ربيانا صغيرا، اللهم أحسن إليهما كما أحسنا إلينا، اللهم جازهما عنا خير الجزاء يا أرحم الراحمين، اللهم أفسح في قبورهما ونور في قبورهما وجعل قبورهما روضة من رياض جنتك إنك على كل شيء قدير يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد.

        واعلموا رحمكم الله أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.

        وصَلُّوا رحمكم الله على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائه الراشدين، الأئمة المهدين أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك يا أرحمَ الراحمين.

        اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمَّر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، وجعل اللَّهمّ هذا البلاد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللَّهمَّ أمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا ولاة أمرنا، اللَّهمَّ وفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).

        عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.




        ************************************************** ***


        خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : عبد العزيز آل الشيخ





        تعليق

        • سُلاف
          مشرفة المواضيع الإسلامية
          من مؤسسين الموقع
          • Mar 2009
          • 10535






          أبـــــواب السـمــــــاء







          الحمد لله رب العالمين.. لايسأم من كثرة السؤال والطلب ...
          سبحانه إذا سئل أعطى وأجاب .. وإذا لم يسأل غضب ...
          يعطى الدنيا لمن يحب ومن لا يحب .. ولا يعطى الدين إلا لمن أحب ورغب ...
          نحمده تبارك وتعالى على كل ما منح أو سلب...ونعوذ بنور وجهه الكريم من العناء والنصب...
          ونسأله الخلود فى دار السلام حيث لا لغو ولا صخب ...
          وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وإليه المنقلب ...
          هو المالك .. وهو الملك .. يحكم ما يريد فلا تعقيب ولا عجب ...
          وأشـهد أن سيـدنا محمـدا عبـده و رسـولـه المستغفـر التـواب...
          المعصوم صـلى الـلـه عـليـه و سـلـم فـى الـشيبـة و الـشـبـاب...
          خـلـقـه الكـتاب و رأيـه الـصـواب و قـولـه فـصـل الخـطاب...
          قـدوة الأمـم و قـمـة الـهـمـم و درة المـقـربـين و الأحبـاب...


          أما بعد

          فإن رقة القلب ، والصلة بالخالق سبحانه في الرخاء والشدة وفي المنشط والمكره راحة للمؤمن وسند له في هذه الحياة وأعظم صلة بين المخلوق والخالق هي الدعاء الخالص له سبحانه في لحظة من لحظات المرء.
          ( فلولا اذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون )
          ( قل ما يعبأ بكم ربيّ لولا دعاؤكم .. )
          وقول حبيبنا صلى الله عليه وسلم : ( أفضل العبادة الدعاء ).

          ولكن للدعاء آداب يجب أن يراعيها المؤمن ويحافظ عليها منها :
          ـ أن يترصد الأوقات الشريفة لدعائه
          كيوم عرفة من السنة ، ورمضان من الأشهر ، ويوم الجمعة من الأسبوع ، ووقت السحر من ساعات الليل ، بل ويغتنم الأوقات والأحوال التي يستجاب الدعاء فيها كوقت التنزل الإلهي وفي السجود وعند الآذان وما بين الآذان والإقامة وعند نزول المطر وآخر ساعة من نهار الجمعة ودعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب ودعوة المسافر ودعوة الصائم ودعوة الوالد لولده.
          … ومن آداب الدعاء أن يدعو مستقبلا القبلة ولا يتكلف السجع وأن يتضرع ويخشع في دعائه وأن يخفض الصوت .
          وأن يفتتح الدعاء بالثناء على الله ويختمه بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
          وعلى الداعي ربه أن يجزم بدعائه ويوقن بالإجابة ، ويصدق رجاءه فيه ( ادعوا وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلبٍ غافل لاه ) رواه الترمذي والحاكم .
          وعليه أن يلح في دعائه ثلاثا وأن يعظم المسألة لأن النبي ( ص ) يقول : ( اذا سأل أحدكم فليكثر فانما يسأل ربه ).
          ـ وعلى المؤمن اذا دعا أن يسأل الله باسمه الأعظم لأن النبي الكريم سمع رجلا يدعو : ( اللهم اني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا اله الا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ) فقال ( لقد سألت الله بالاسم الذي اذا سئل به أعطى واذا دعي به أجاب ) .
          ومن آداب المسلم في الدعاء أن يدعو بالأدعية الواردة في القرآن الكريم ( ربنا تقبل منا انك أنت السميع العليم ) البقرة.
          ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) البقرة
          ( ربنا لاتزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب ) آل عمران
          ـ وأيضاً ما ورد عن النبي ( ص ) من أدعية منها لما علّم أبا بكر أن يقول في كل صلاته : ( اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني انك أنت الغفور الرحيم ) البخاري ومسلم .
          وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :
          ( ألظّوا بيا ذا الجلال والإكرام) أي الزموها وداوموا عليها.
          ان اجابة الدعاء عند الله بإذنه مضمونه،
          ـ ألم يستجب رب العباد لكليمه لما سأله أن ينجيه من القوم الظالمين فأنجاه
          ـ ألم يعط سبحانه النبوة لأخيه هارون عندما سأل الكليم ربه ( واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي .. ) فقال ربنا ( ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبياً ) مريم.
          ـ ألم نر العلاء الحضرمي الصحابي الجليل يدعو ربه فيسير بجيش المسلمين بأكمله على صفحة الماء. وأن يخفى على الأعداء مكان قبره فكان له ما سأل .
          ـ ألم يكن البراء بن مالك مجاب الدعوة عندما سأل ربه النصر للمسلمين ولنفسه الشهادة .
          ـ ألم تتعجب حفصة من أبيها الفاروق عمر لما كان يدعو الله بالشهادة في سبيله ووفاة ببلد نبيه وكان يقول : يأتي الله به اذا شاء وقد كان .
          ـ ألم يكن عبد الملك بن مروان في قمة الرجاء عندما كان يدعو (اللهم ان ذنوبي عظام وهي صغار في جنب عفوك يا كريم فاغفرها لي ) .
          ـ ألم يكن مطرف بن عبد الله مهذباً مؤدباً في دعائه (اللهم ارض عنا فان لم ترض عنا فاعف عنا فان المولى قد يعفو عن عبده وهو عنه غير راض)
          ـ أما سمعنا بلاغة الدعاء وأدبه عن بكر بن عبد الله المزني يقول : (اللهم افتح لنا من خزائن رحمتك رحمة لا تعذبنا بعدها أبداً في الدنيا والآخرة ومن فضلك الواسع رزقاً حلالاً طيباً لا تفقرنا بعده إلى أحد سواك أبداً تزيدنا بهما شكراً وإليك فاقة وفقراً وبك عمن سواك غنىً وتعففاً).
          ـ ولقد كان زيد بن أسلم يقول سمعت علي بن الحسين رضي الله عنهما يقول : (اللهم لا تكلني إلى نفسي فأعجز عنها و لاتكلني إلى المخلوقين فيضيعوني).
          لماذا ننسى أن ندعو الله في كل وقت عسى أن يوافق دعاؤنا أبواباً مفتحة في السماوات وهي لاتغلق أبداً بفضل الله .

          اللهم إني أسألك علم الخائفين منك وخوف العالمين بك ويقين المتوكلين عليك وتوكل الموقنين بك وإنابة المخبتين إليك وشكر الصابرين لك وصبر الشاكرين لك ولحاقاً بالأحياء المرزوقين عندك.
          يارب عظم الذنب عندي فليحسن العفو من عندك يا أهل التقوى وأهل المغفرة .
          يارب عبدك يحب اجتناب سخطك فأعنه على ذلك بمنك يا منان ..
          مولاي عبدك عظيم الرجاء لخيرك فلا تقطع رجاءه يوم يفرح الفائزون ..
          أنت الكريم يارب الذي لايخيب لديك أمل الآملين إن عفوت فمن أولى منك بذلك
          وان عدلت فمن أعدل منك هنالك
          أنك لم تزل براً بي أيام حياتي فلا تقطع برك بي بعد مماتي
          ان كانت ذنوبي قد أخافتني فإن محبتي لك قد أجارتني
          فتول من أمري ما أنت أهله وعد بفضلك على من غرّه جهله .

          يارب إنا أطعناك في أحب الأشياء إليك ان تطاع فيه الايمان بك والاقرار بك
          ولم نعصك في أبغض الأشياء ان تعصى فيه الكفر والجحد لك ،
          اللهم فاغفر لنا ما بينهما انك قلت وقولك الحق (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لايبعث الله من يموت) النحل
          ونحن نقسم جهد ايماننا لتبعثن من يموت أفتراك تجمع بين أهل القسمين في دار واحدة ؟ !
          اللهم احفظ هذه البلد الطيب من كل سوء واطرد عنها شياطين الانس والجن وهيىء لنا جميعا من أمرنا رشدا ...



          ****************************************


          خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : عمر عبد الكافي

          (المقدمة ليست للشيخ )




          التعديل الأخير تم بواسطة سُلاف; الساعة 02-27-2015, 01:04 PM.


          تعليق

          • سُلاف
            مشرفة المواضيع الإسلامية
            من مؤسسين الموقع
            • Mar 2009
            • 10535




            دواء وصلاح حال الأمة الإسلامية





            الحمد لله ثم الحمد لله الحمد حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءاً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

            أما بعدُ فيا عبادَ الله:
            كلنا نرى محنة المسلمين اليوم، وكلنا نبصر الذل الذي حاط بهم، والمهانة التي أحاطت بهم من حولهم، وكلنا قادرٌ على أن يحلل مظاهر هذه المهانة أبدع تحليل، وأن يذهب في تصويرها، وأن يذهب في إيضاح أسبابها بكل دقة وبكل بيان كامل، وهذا ما يفعله كثيراً من الناس اليوم، وهم يتوهمون أنهم بهذا الكلام يعالجون هذا الذل الذي حاط بهم، وهذه المهانة التي ضربها الله سبحانه وتعالى عليهم. فكأننا إذا صوّرناها أمام الأخيلة والأذهان بشكل بليغ بَيِّن، وكأننا إذا استثرنا لواعج النفوس وهيَّجنا حماسة القلوب نكون بذلك قد ارتفعنا عن المشكلة وتحررنا من وهلة هذا الذل.

            ولكن ألا تلاحظون أنّ هذا كلام لافائدة منه، وأنَّ هذا اجترارٌ لشيء لا ثمرة من وراءه ماذا يفيدني أن أجلس فأصف الداء، وأن أعود فأكرر وصفه كلما مللت من تكراره وأن أعود فأبين خطورة الداء وأن أبين آثاره الجسيمة الفتاكة في الجسم، ما فائدة هذا العمل وأنا لا أقدم من وراء ذلك دواء لهذا الداء؟

            هذا هو واقع المسلمين اليوم ... فأنا أعلم أن هنالك خطباً طنانة رنانة يتحدث أربابها من خلال هذه الخطب عن محنة الإسلام في كثير من بقاع الأرض، وعن المآسي التي تفتت القلوب فعلاً، ولكن الناس يصغون ثم يصغون ثم يصغون، فلا يجدون حصيلة لهذا الكلام سوى أن يتحول السامع في أحسن الأحوال إلى شِواظ ولهب، وتخرج هذه الشعل من المسجد دون أن تعلم ماذا تصنع. وما الذي ينبغي أن تفعل! بوسعي أن أرسم لكم الدواء كما يرسمون، بوسعي أن أرسم لكم الداء كما يرسمون، وأن أصفه لكم بأبلغ مما يصفون. ولكنني مهما فعلت ومهما فعلوا لن أستطيع ولن يستطيعوا أن يأتوا بوصف لذلك أبلغ مما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلكم يعلم ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح وهو يصف الداء: (ستداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها قالوا: أَمِن قلّةٍ نحن يا رسول الله يومئذ. قال: لا بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل هذا هو الداء وسينزعن الله الرهبة منكم من قلوب أعدائكم وسيقذفن في قلوبكم الوهن وهذا استمرار أيضاً لبيان الداء قال أحد الصحابة: ما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا و كراهية الموت.

            مهما أردنا أن نصف أدوائنا التي تحكمت بنا وبنفوسنا فلن نستطيع أن نقر كلاماً أبلغ مما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو الداء. أفلا ينبغي أن نبحث عن الدواء والدواء مرسومٌ في كتاب الله عز وجل لمن أراد أن يتأمل ولمن أراد أن يتدبر، الدواء موصوف ومكرر ولكن الانسان الذي يمر على الألفاظ دون أن يتدبرها بفكره لن يشعر بأنه من هذه الآيات أمام دواءٍ ناجح يصفه الله سبحانه وتعالى لهؤلاء الناس.

            اقرؤا مثلاً قول الله عزوجل في هذه الآية القصيرة الوجيزة: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون). فاثبتوا. كأن قائلاً يقول ما وراء الثبات وكيف نستطيع أن نثبت يأتي بيان الدواء جواباً على هذا السؤال في بيان الله قائلاً: (واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون). ما أكثر الناس الذين يمرون على هذا الكلام مر الكرام ببلاهة وبدون أي وعي لا تستوقفهم هذه الكلمة أبداً، واذكروا الله كثيراً ...

            بل إنني أقول لكم شيئاً آخر: ما أكثر الذين إذا ذُكِّروا بهذا الدواء استخفوا به واستهانوا به وأعرضوا عنه وعمن يصفه لهم، فإذا أرادوا أن يناقشوا وأن يعبروا عما في أنفسهم قالوا: إن هذا الدواء إنما تستعمله العامة، أما الخاصة من المسلمين الذين ينبغي أن يخططوا وينشطوا ويفعلوا ويتحركوا، فإنما يبحثون عن دواءٍ آخر. والعجب أنهم يقفون كثيراً عند قول الله عز وجل: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) ويتفننون في تحليل هذا الكلام وفي ملاحقة أبعاده ولكني ما رأيت واحداً وقف أمام هذا الكلام الآخر: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون). فكانت العاقبة أنهم لا جمعوا العدة الكافية التي أمر الله بجمعها ولم يجتمعوا حولها، ولا ذكروا الله سبحانه وتعالى كما أمر في الآية الأخرى، أعرضوا عن الدوائين معاً. لماذا؟ لأن إعداد العدة إنما هي ثمرة ونتيجة للإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى. فالقلب الخالي عن ذكر الله، هذا القلب لا بد أن يصبح خالياً عن الخوف من الله، ومن ثم لابد أن يصبح خالياً عن تعظيم حرمات الله، ومن ثم لابد أن يصبح خالياً عن محبة الله عز وجل، وإذا خلا القلب عن هذا كله فقد أصبح وعائاً فارغاً ليستقبل حب الدنيا حب الشهوات حب الأهواء حب الزعامة حب الرئاسة حب المنافسة على طريق الحكم وكراسيّه.

            وإذا أصبح وعاء القلب مليئاً بهذه الأشياء فماذا عسى أن تجدي العدة، وماذا عسى أن يجدي العدد وماذا عسى أن تجدي الخطب النارية أيها الأخوة؟

            أصل المسألة تبدأ من هنا .. تبدأ من القلب .. من ذكر الله عز وجل، والباري عز وجل حكيم وكلكم يعلم أن من صفات الله سبحانه وتعالى دقة حكمته. لماذا ربط بين مواجهة الفئة المعادية لنا والمتربصة بنا وبين الإكثار من ذكر الله عز وجل؟ ذلك لأن هذا عدو يعتمد على سلاحين اثنين:

            سلاح منظور: هو ثانوي جداً، وسلاح خفي: هو الأساسي الذي يعتمد عليه. هذا السلاح الخفي الذي يعتمد عليه هو البحث عن ثغرات في صفوف المسلمين، هو البحث عن شهوات المسلمين المتجهة إلى الأرض، المتجهة إلى المال، المتجهة إلى الزعامات، المتجهة إلى الأهواء والغرائز ونحو ذلك .. عندئذٍ يقبل هذا العدو ليستغل هذه الثغرات وليستثيرها. عن طريق هذه الغرائز .. يقسّم المسلمين بضعاً وفئات متناحرة متخاصمة، يقسم المسلمين فئات متدابرة، وما أيسر أن يتقسموا عندما يجد أن مهوى قلوبهم المال، عندما يجد أن مهوا قلوبهم الزعامة، الاستكبار الشهوات الخفية .. عدونا درس هذا كله.

            هذا هو السلاح الخفي الأول الذي يعتمد عليه العدو، فإذا استعمل هذا السلاح ونظر إلينا فرأى كيف قد أصبحنا فئات متناحرة متخاصمة، ورأى أن ذلك المعنى الوحدوي الجامع لأشتات هذه الأمة قد زال، يوم زال الدواء الذي أمرنا الله عز وجل به، عاد فاستعمل السلاح الثانوي الثاني.

            فماذا عسى أن يستفيد المسلمون بعد هذا، مهما تداعوا إنهم يتنادون وهم متباعدون في أودية قَصيّة، كل واد بعيد عن الواد الآخر وبين الواد الواحد والثاني حواجز من الشهوات من الأنانيات من الحزازات من حب الدنيا إلى آخر ما تعلمون من هذه الأمور ...

            من هنا رسم الله سبحانه وتعالى لعباده الدواء، ذكر الله عز وجل، وأعيذكم أن تفهموا كلمة الذكر التي أقولها بالمعنى التقليدي المعروف لا. المراد بذكرالله عز وجل أن يظل القلب ذاكراً مولاه وخالقه، أن يظل هذا القلب دائماً متّجهاً إلى مراقبة قيّوم السموات والأرض؛ يراقبه من خلال أنه الحي القيوم، يراقبه من خلال أنه الرازق الذي لا رازق سواه، وأنه النافع الذي لا نافع سواه، وأنه الضار الذي لا ضار سواه، وأنه المدبر الذي لا مدبر سواه، وأنه الخالق الذي لا خالق سواه، وأنه الناصر الذي لا ناصر سواه، هذا ما أعنيه بذكر الله عز وجل.

            فإذا أخذت الأمة نفسها بهذا الذكر المستمر، وربط كل واحد منهم أحداث الكون بمحدثها، تقلبات الدنيا بمقلبها، ربط النعمة بمنعمها، فإن هذا القلب سرعان ما يتجه بالحب إلى هذا الإله الواحد الأحد. فإذا اتجه القلب بالحب إليه، نبع من هذا الحب التعظيم، وأثمر هذا الحب وهذا التعظيم الرهبة والمخافة من الله، وعندئذٍ تتساقط من هذا القلب محبة الأغيار محبة الدنيا محبة الشهوات التنافس على الزعامة التنافس على الرئاسة كل هذا يتساقط. وإذا تم هذا الأمر تحقق الدواء واتحد المسلمون وتهيئوا عندئذٍ لمجابهة عدوهم الذي يأمر الله سبحانه وتعالى المسلمين بالثبات أمامه إذا جابههم.

            (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا) لكن، لا والله لا نستطيع أن نثبت وإن قلوبنا مشدودة إلى أهوائنا، إنما يكون الثبات بعد هذا الدواء الذي أقوله لكم. ولقد قلت البارحة: إنني دعيت في بلدة من هذه البلاد الأجنبية البعيدة النائية إلى إلقاء محاضرة، وفاجئت القوم عندما قلت لهم سيكون موضوع محاضرتي: (ذكر الله ذلك الجانب المنسي من حياة المسلمين) كانت هذه الكلمة وهذا العنوان مفاجئة لهؤلاء الناس. فلماذا كان هذا العنوان مفاجئةً؟ لأنه لم يكونوا يتصورون أن أحدثهم وهم المثقفون وهم الفكريون وهم الحركيون عن موضوع كهذا الموضوع. ذكر الله الجانب المنسي في حياة المسلمين اليوم. ورأيت وقع المفاجأة على النفوس قلت لهم: هذا هو الدواء الذي أنتم بأمسِّ الحاجة إليه، والدليل على ذلك تعجبكم من هذا الموضوع، والدليل على ذلك هذه المفاجأة التي رأيتها في نفوسكم. ألا تقرأون كتاب الله؟! ألا تلاحظون كم يدعوكم الله إلى أن تعالجوا أدوائكم وأمراضكم وكل ما قد يحيق بكم من مهانة وذل بهذا الذكر؟ هذا هو الدواء أيها الأخوة. فإن عز عليكم أن تفهموا هذا الكلام، أو أن تستوعبوه. فانظروا إلى ما قد أحاط بنا اليوم.

            هذا الذي أحاط بنا اليوم يتمثل في بلائين اثنين: البلاء الأول - وهو البلاء الأعظم - هو تصدع المسلمين وتحولهم إلى شيعٍ وفئات متناكرة متخاصمة، وإن لم تكن متخاصمة في الظاهر فهي متخاصمة في الباطن، هذا الداء هذا البلاء الأعظم يتمثل بعد هذا في أننا بمقدار ما تناكرنا وبمقدار ما أصبحنا شِيَعاً وفئات متخاصمة بمقدار ما امتدت منا الأيدي والقلوب لموالاة أولئك الأعداء، ألا تعلمون الأدلة، ألا تعلمون الشوارع الجديدة وأسمائها، ألا تعلمون المواليد الجديدة، ألا تعلمون العواطف التي لا يمكن أن يخمدها أي قرار أو أي كلام أو أي تذكرة، هذا في الوقت الذي نلاحظ فنجد أن هذه الأمة المسلمة بالنسبة لنفسها قد تحولت إلى فئات متخاصمة متهارجة متباعدة. وكلكم يقرأ كلام الله وكلكم يقرأ قوله: (تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء). هذا كلام الله سبحانه وتعالى فهذا هو البلاء الأول.

            البلاء الثاني تلك النيران التي تشتعل هناك، هذا البلاء الثاني جاء فرعاً عن البلاء الأول. فمن أراد أن يتألم للفرع، عليه قبل كل شيء أن يتألم للأصل، ومن أراد أن يتسائل ماذا نصنع لأخوة لنا مسلمين يذبحون هناك وهناك؟ فليتسائل من الذي يبارك ذلك التذبيح؟ من الذي يصفق لذلك التذبيح؟ أو من الذين يناورون من أجل ذلك التذبيح؟ إنهم أولئك الذين ظننا أنهم انتصروا لنا هنا. هم أنفسهم. أفلا نعي أفلا ندرك الأمور وأبعادها وأعود فأقول: هذا هو الداء.

            ولا أريد أن أسير وراء الناس لأرسم الدواء وأضع في القلوب ناراً لا تخمد، إنما الذي يعنيني أن أضع أمامكم الدواء أيها الأخوة، الدواء هو توجيه القلب إلى الرب، تطهير القلب من شوائب الدنيا، ولا والله يكون ذلك إلا بالإكثار من ذكر الله عز وجل على المستويات كلها، والمعاصي نوعان اثنان أيها الأخوة: معاصٍ قلبية ومعاصٍ تبتلى بها الجوارح، أهون بمعاصي الجوارح أمام معاصي القلب، معاصي القلب متمثلة في الكبر، المتمثلة في الأنا المتمثلة في الهوى، المتمثلة في التنافس، ابتغاء الانتصار للذات. تلك هي المعاصي المهلكة.

            وانظروا إن آدم عصا ربه إذ أكل من الشجرة، ولكن سرعان ما تاب الله عليه، ولكن معصية إبليس لا تزال إلى اليوم معصيةً أغضبت الرب عليه، ذلك لأن معصية آدم إن اعتبرناها معصية وهي معصية لغوية آنذاك، هي معصية جوارح معصية إرادة ضعفت عن الثبات أمام شهوة من الشهوات، أما معصية إبليس فهي معصية إستكبار معصية قلب. تلك المعصية التي لم تجد باباً مفتحاً لأبواب التوبة أمامها.

            نحن ابتلينا أيها الأخوة بمعاصي القلوب، زرعت محبة الدنيا في قلوبنا بدلاً من محبة الله زرعت مهابة الناس - وأي ناس - في أفئدتنا بدلاً من مهابة الله سبحانه وتعالى، فإذا وجدنا نتائج ما قد وقعنا فيه فما ينبغي أن نتعجب، وإذا وجدنا آثار أخطائنا القلبية فما ينبغي أن نندب إسلامنا ولماذا لا ينتصر لنا إسلامنا. متى كان الإسلام ينتصر لأعداءه؟! متى كان الإسلام ينتصر لمن يستغله مطايا. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يبصرنا بالدواء الذي رسمه لنا كما نجتر الحديث عن أدوائنا. وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يلهمنا الرشد وأن يطهر قلوبنا بذكره واستغفروه يغفر لكم .

            الحمد لله حمدا كثيرا كما أمر وأشهد أن لا إله إلا الله إقرارا بربوبيته وإرغاما لمن جحد به وكفر وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبيٍ أرسله ارسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى بملائكة قدسه فقال عز من قال قائل عليما إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا ابراهيم وآل سيدنا ابراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا ابراهيم وآل سيدنا ابراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ورضي الله عن الخلفاء الراشدين ذو القدر العلي والفخر الجلي أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

            اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وألف بين قلوبهم يارب العالمين اللهم تولنا وعبادك المسلمين في هذه البلدة وسائر بلاد الإسلام بعين عنايتك وبأتم رعايتك وأبدل عسر هذه الأمة يسراً عاجلاً غير آجل وفرج الكرب عن المكروبين ونفس الهم عن المهمومين وأحسن خلاص المسجونين وردنا جميعاً إلى دينك رداً جميلاً يا رب العالمين اللهم وفق ولاة امور المسلمين في هذه البلدة وسائر بلاد الإسلام للرجوع إلى كتابك ولاتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم اللهمم وفق عبدك هذا الذي ملكته زمام أمورنا للسير على صراطك ولاتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم اللهم املأ قلبه بمزيد من الإيمان بك وبمزيد من الخوف منك وبمزيد من الحب لك وبمزيد من التعظيم لحرماتك وبمزيد من التمسك بهديك ووفقه اللهم لجمع كلمة هذه الأمة على ما يرضيك وهيْ له في سبيل ذلك البطانة الصالحة يا رب العالمين ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ربنا اغفر لنا ولوادينا ولأخواننا الحاضرين ووالديهم ولمشايخنا ولأرباب الحقوق علينا ولسائر المسلمين أجمعين آمين آمين والحمد لله رب العالمين .

            عباد الله إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون.




            ************************************************



            خطبة اليوم لفضيلة الشيخ الشهيد الإمام محمد سعيد رمضان البوطي رحمه الله







            تعليق

            • جبر النزال
              زراعي مميز
              • Nov 2009
              • 468

              اللهم تقبل الشيخ البوطي وانتقم
              ممن ضلمه وسفك دمه
              صبرا جميل وبالله المستعان

              تعليق

              • سُلاف
                مشرفة المواضيع الإسلامية
                من مؤسسين الموقع
                • Mar 2009
                • 10535





                القول البديع من عـبــر فصل الربيــع







                الخطبة الأولى


                الحمد لله خالق الأرض و السماوات و مبدع الأكوان و الآيات .أحمده سبحانه و تعالى حمدا كثيرا مباركا فيه كما يليق بجلال عزه و عظيم سلطانه .
                و أشهد أن لا إلـه إلا الله وحده لا شريك له.أكرمنا بخير نبي أرسل, و خصنا بأفضل كتاب أنزل و أتم النعمة علينا بأعظم دين شرع { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً }
                و أشهد أن سيدنا محمدا عبده و رسوله أرسله على حين فترة من الرسل بين يدي الساعة بالحق بشيرا و نذيرا وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً.فبلغ الرسالة و أدى الأمانة و نصح للأمة و جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين من ربه.اللهم صل عليه و على آله و أزواجه الطيبين الطاهرين و صحابته الميامين الغر المحجلين و تابعيهم و تابعي تابعيهم إلى يوم الدين .
                {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }

                أما بعد,عباد الله...

                إننا نتقلب في نعم تترى, و بركات من المولى تتوالى.فبعد غيث الشتاء و رحمة الماء المنزل من السماء, اهتزت الأرض و ربت وأخرجت من أصناف النبات و اخضرت وأمدت الخلق من بركات {مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا}. كما ازدادت الأرض بهاء و جمالا,إذ ازدانت بألوان الزهر و الورد و تزينت.إننا نعيش الربيع... إننا نعيش في عز و منتصف فصل الربيع..و فصل الربيع آية من آيات الله تعالى.

                واعلموا عباد الله أن آيات الله تعالى علامات و دلائل على وجوده و تفرده في الخلق و الربوبية.و هي قسمان:
                ـ القسم الأول: آيات الكتاب المسطور و هي آيات الله المتلوة، المقروءة، المكتوبة و المسطورة في كتابه الحكيم.
                فالقرآن مجموع آيات.30جزءا،60حزبا،114 سورة.كل سورة تتكون من آيات مثلا الجمعة 11آية و فاتحة الكتاب 7آيات. مجموع آيات القرآن 6236آية.
                يقول المولى جل في علاه:{ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}
                و يقول عز من قائل:{حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}

                ـ القسم الثاني :آيات الكون المنظور و هي كل ما يستدعي التدبر و التأمل في الكون,كالسماوات و الأرض و اختلاف ألسنة الناس و اختلاف ألوانهم و تعاقب الليل و النهار و تعاقب الفصول و الرعد و الرياح و المطر...
                قال تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ} و قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}
                آيات الله تعالى هي آيات الكتاب المسطور و آيات الكون المنظور وكلها للتدبر و التذكر.يقول الله تبارك و تعالى:
                {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}

                و من آيات الكون المنظور التي تتطلب التوقف للتأمل و التدبر و استخلاص الدروس و العبر..فصلكم و أيامكم هذه..فصلكم هذا:فصل الربيع.
                قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}7 [وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً] خشوعها: قال ابن عاشور: «هوا لتذلل وَهُوَ مُسْتَعَارٌ لِحَالِ الْأَرْضِ إِذَا كَانَتْ مُقْحِطَةً لَا نَبَاتَ عَلَيْهَا لِأَنَّ حَالَهَا فِي تِلْكَ الْخَصَاصَةِ كَحَالِ الْمُتَذَلِّلِ، وَهَذَا مِنْ تَشْبِيهِ الْمَحْسُوسِ بِالْمَعْقُولِ»
                إن فصل الربيع نعمة من نعم الله تعالى و آية من آياته تتطلب التوقف و التدبر و التأمل.و كل تفكر لأجل الله بكتابه المسطور أو عجائب كونه المنظور للوصول إلى حقيقة الإيمان وسكينة اليقين و الرقي في درجات العبودية هو عبادة.

                و من عبر فصل الربيع أن هذا الكون يسير وفق قواعد دقيقة من خالق واحد عليم على كل شيء قدير.
                سأل الْأَصْمَعِيّ أعرابيا: بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ؟ فَقَالَ: الْبَعْرَةُ تَدُلُّ عَلَى الْبَعِيرِ، وَآثَرُ الْأَقْدَامِ يَدُلُّ عَلَى الْمَسِيرِ، فَسَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ وَأَرْضٌ ذَاتُ فِجَاجٍ، أَلَا تَدُلُّ عَلَى اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ

                تَأَمَّلْ فِي نبات الْأَرْضِ وَانْظُرْ
                إِ لَى آثَارِ مَا صَنَعَ الْمَلِيـكُ
                عُيُونٌ مِنْ لجين شاخصـات
                بأحداق هِيَ الذَّهَبُ السَّبِيكُ
                عَلَى قُضُبِ الزَّبَرْجَدِ شَاهِدَاتٌ
                بِأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ لَــهُ شَرِيكُ
                وأنَّ مُحَمَّداً خَيْـرُ البَرَايـا
                إلى الثَّقَلَيْنِ أَرْسَلـَهُ المَلِيـكُ


                و من عبر فصل الربيع أنه يدل على البعث.
                البعث من عالم الغيب.. و نحن أمرنا أن نؤمن بالغيب.و قد جلاه الحق جل و علا بمثال من عالم الشهادة.فالأرض التي ظلت هامدة خاشعة مقحلة لما أنزل الله عليها ماء من السماء أنبتت من كل زوج بهيج. عن أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى؟ وَمَا آيَةُ ذَلِكَ فِي خَلْقِهِ؟ قَالَ: «أَمَا مَرَرْتَ بِوَادٍ لَكَ مَحْلًا ثُمَّ مَرَرْتَ بِهِ يَهْتَزُّ خَضِرًا؟ ثُمَّ مَرَرْتَ بِهِ مَحِلًا ثُمَّ مَرَرْتَ بِهِ يَهْتَزُّ خَضِرًا؟ " قَالَ: بَلَى. قَالَ: «فَكَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى، وَذَلِكَ آَيَتُهُ فِي خَلْقِهِ» .و في صحيح مسلم:عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَأْكُلُهُ التُّرَابُ، إِلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ مِنْهُ، خُلِقَ وَفِيهِ يُرَكَّبُ»و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ» قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ، قَالُوا: أَرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ، قَالُوا: أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: أَبَيْتُ، «ثُمَّ يُنْزِلُ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيَنْبُتُونَ، كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ» قَالَ: «وَلَيْسَ مِنَ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلَّا يَبْلَى، إِلَّا عَظْمًا وَاحِدًا، وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
                بين رسول الله صلى الله عليه و سلم المدة الفاصلة بين النفختين,النفخة الأولى التي تنتهي بها الحياة على الأرض يوم القيامة و النفخة الثانية نفخة البعث كما في قوله تعالى:{
                وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ }
                كما بين للصحابي الجليل أبي رزين العقيلي الذي كانت أغلب رواياته مساءلات أن الله تعالى سيحيي الموتى كما يحيي الأرض بعد موتها.و في ذلك يقول المولى سبحانه و تعالى:
                {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ }
                و يقول: {وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ}
                و يقول: { يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ }

                عباد الله ...
                لقد اهتم الناس بالربيع فأحدثت له من قبلنا من الأمم أعيادا و اهتم به من يعاصرنا فجعلوا له عطلا.
                العطل الربيعية..أبناؤكم في الأيام الأخيرة منها .كما يحتفل قسم من العالم بأعياد ترتبط بالربيع وهي أعياد وثنية أول من أقامها الفراعنة في مصر ثم نقلها عنهم بنو إسرائيل بعد خروجهم و سموها عيد الفصح ثم نقلها المسيحيون و سموها عيد القيامة.إخواننا من المقيمين في ديار الغربة يرون هذه الأعياد
                و أهم ما يميزها التوقف عن العمل و احياؤها بتلوين البيض ـ بيض الدجاج ـ باللون الأحمر و زخرفته.كما كان الفراعنة يكتبون التعاويذ و الأدعية على البيض و يعلقونه على الأشجار .

                أما الإسلام العظيم فينظر إلى الربيع على أنه بستان آخر للطاعة عن طريق التدبر و التأمل و التفكر في حقيقة البعث و توحيد الخالق اللطيف العليم الخبير.
                قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :الشتاء ربيع المؤمن. و إذا كان الشتاء ربيع المؤمن لكون ليله طويل للقيام و نهاره قصير للصيام فالربيع محراب المؤمن لعبادة الله بالتدبر و التأمل و الشكر.
                اللهم اجعلنا من الذين حولوا شتاءهم إلى بساتين الطاعات و ميادين العبادات ومن الذين حولوا ربيعهم إلى محراب التذكر و الشكر.
                اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا و ذهاب همنا و غمنا و تولانا برحمتك يامولانا.
                توبوا إلى ربكم و استغفروه إنه هو الغفور الرحيم و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



                الخطبة الثانية

                الحمد لله حق حمده و الصلاة و السلام على خير خلقه سيدنا محمد بن عبد الله رسول رب العالمين إلى كل العالمين.

                قال علي بن أ.طالب رضي الله عنه: " إذا دخلت البساتين فأطل تأملها، فإن فيها جلاء للبصر وارتياحا للهم والفكرة وتكرمة للطبائع وتسكينا للصداع." فيه الحث على الترويح عن النفس و التمتع بالنظر و التأمل في البساتين و ما تخرجه الأرض من ألوان النبات.

                و إن الترويح عن النفس في الإسلام أمر مشروع و مما يؤكده حديث حنظلة الأسيدي قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ؟ يَا حَنْظَلَةُ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَمَا ذَاكَ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ

                و في الأثر قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَجِمُّوا هَذِهِ الْقُلُوبَ وَاطْلُبُوا لَهَا طُرَفَ الْحِكْمَةِ فَإِنَّهَا تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ الْأَبْدَانُ.

                إن الترويح في الإسلام له ضوابط و شروط و هو وسيلة و ليس غاية.و من أهم ضوابطه وشروطه:
                ـ ألا يشتمل على مخالفة شرعية.[ الاجتماع على محرم من الأكل و الشرب و القول...]
                ألا يكون فيه ضرر للبيئة والخلق لقوله صلى الله عليه و سلم :"لا ضرر و لا ضرار"
                ألا يشتمل على اختلاط: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا }

                و صل اللهم و سلم على الرحمة المهداة للعالمين ...





                ************************************************** **



                خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : الطيب بن أحمد عشاب









                تعليق

                • جبر النزال
                  زراعي مميز
                  • Nov 2009
                  • 468

                  اللهم اجعل القران ربيع قلوبنا وجلاء همومنا
                  صبرا جميل وبالله المستعان

                  تعليق

                  • سُلاف
                    مشرفة المواضيع الإسلامية
                    من مؤسسين الموقع
                    • Mar 2009
                    • 10535

                    رد: مختارات من خطب الجمعة

                    المشاركة الأصلية بواسطة جبر النزال مشاهدة المشاركة
                    اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا وجلاء همومنا


                    آميــن يا رب العالميـــن




                    تعليق

                    • سُلاف
                      مشرفة المواضيع الإسلامية
                      من مؤسسين الموقع
                      • Mar 2009
                      • 10535









                      الرضا والتسليم بقضاء الله









                      إنَّ الحمْدَ للهِ نحمَدُهُ ونستَعِينُهُ ونستَهْدِيهِ ونَشْكُرُهُ ونَستغْفِرُهُ ونَتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفُسِنا ومِنْ سَيِّئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هَادِيَ لَهُ. وأشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ الواحِدُ الأحَدُ الفَرْدُ الصَّمَدُ الذي لم يتَّخِذْ صَاحبَةً ولا وَلَدًا، جَلَّ رَبِّي لا يُشبِهُ شَيئًا ولا يُشبِهُهُ شىءٌ ولا يحُلُّ في شىءٍ ولا يَنحَلُّ منهُ شَىءٌ، جَلَّ رَبِّي تَنَزَّهَ عَنِ الأَيْنِ والكَيْفِ والشَّكْلِ والصُّورَةِ والحدِّ والجِهَةِ والمكَانِ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ وهوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ. وأشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنا وحَبيبَنا وعَظيمَنَا وقَائدَنا وقُرَّةَ أعيُنِنا محمَّدًا عَبدُ اللهِ ورَسولُهُ وصَفِيُّهُ وحَبيبُهُ. الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى سَيِّدِنا محمَّدٍ النبيِّ الأُمِّيِّ الذي عَلَّمَنَا الحضَارةَ وأرْشَدَنا إِلى مَا فِيهِ خَيرُنا وصَلاحُنا ونَجَاحُنا في الدُّنيا والآخِرَةِ
                      أمَّا بعدُ عِبادَ اللهِ فإنِّي أوصيكُمْ ونفْسِي بتقوَى اللهِ العَلِيِّ القديرِ القائلِ في مُحْكَمِ كِتابِه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

                      يقول الله تبارك وتعالى في القرءان الكريم: {وما خلقتُ الجِنَّ والإنسَ إلا ليعبُدون ما أُريدُ منهم من رِزقٍ وما أُريد أن يُطعمون إن اللهَ هو الرزاقُ ذو القوةِ المتين}
                      فإذا سُئلتَ لِمَ خلقَنا اللهُ؟ فليكُنْ جوابك مستمَدا من هذه الآيةِ القرءانيةِ: لقد خلقَنا اللهُ ليأمرَنا بعبادتِه. فنحن مكلفون مأمورون بعبادةِ اللهِ وطاعتِه وذلك بأن نلتزمَ الحدودَ الشرعيةَ فلا نتعداها بل نؤدي الواجباتِ ونجتنبُ المحرماتِ
                      وإذا سُئلتَ لِمَ ليس كلُ الناسِ على الإيمانِ ؟ فجوابُك أيضا مستمَدٌّ من القرءانِ الكريمِ، قالَ تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}
                      فاللهُ سبحانه وتعالى لم يشإِ الإيمانَ لكلِ الناسِ. فالعبادُ منساقون إلى فعلِ ما يصدرُ عنهم باختيارِهم لا بالإكراهِ والجبرِ. ولو لم يشإِ اللهُ عصيانَ العصاةِ وكفرَ الكافرين وطاعةَ المطيعين لَمَا خلقَ الجنةَ والنارَ
                      وإذا سُئلتَ لِمَ جعلَ اللهُ مؤمنين مثابين متنعمين في جنةِ الخُلدِ ولِمَ جعلَ كفارا مخلدين في السعيرِ؟ فليكن جوابُك أيضا من القرءانِ الكريمِ قولَه تعالى: {وما ربُّك بظلّامٍ للعبيدِ} وقولَه تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُريدُ}، وقلْ للسائلِ إياك أن تذهبَ مذهبَ الهالكين المتنطعين وتكونَ من جماعةِ إبليسَ المعترضين على اللهِ المطرودين من رحمةِ اللهِ في الآخرة فإنّ اللهَ عزّ وجل يقولُ: {لا يُسألُ عمّا يفعلُ وهم يُسألون}فالعبادُ هم الذين يُسألون
                      يقولُ اللهُ تعالى في القرءان الكريم: {وإذ قلنا للملائكةِ اسجُدُوا لآدمَ فسَجَدُوا إلا إبليسَ أبى واستكبرَ وكانَ من الكافرين} . . اللهُ تعالى أمرَ الملائكةَ أن يسجُدُوا لآدمَ عليه السلام سجودَ تحيةٍ لا سجودَ عبادةٍ، فسَجدوا إلا إبليسَ الذي كانَ من الجنِ (ولم يكن ملكًا لأن الملائكةَ لا يعترضون على الله) أبى واستكبرَ واعترضَ على الله فصارَ من الكافرين الخاسرين باعتراضِه على الله

                      فلا شك إخوة الإيمان والإسلام أن المعترضَ على حكمِ الله تعالى خارجٌ من الإسلامِ وهو خاسرٌ خاسرٌ خاسرٌ
                      فالحذرَ الحذرَ من الاعتراضِ على ربِ العزةِ عند نزولِ المصائبِ والبلايا فإن هذا هلاكٌ وضلالٌ والعياذ بالله

                      إخوةَ الإيمانِ إن الدنيا لو كانت هي دارَ جزاءٍ ما أُصيبَ نبيٌ من الأنبياءِ ، البلاءُ على الأنبياءِ في الدنيا أكثرُ من غيرِهم. رجلٌ قالَ لرسولِ الله إني أُحبُك، فقالَ له صلى الله عليه وسلم: "انظُرْ ماذا تقول" . قالَ: إني أُحبُك. قالَ: انظُرْ ماذا تقول قالَ: إني أحبك. قال: انظر ماذا تقول فإن البلاءَ أسرعُ إلى من يُحبُني من السَّيلِ إلى منتهاه
                      وتذكر أخي المؤمنَ أن هذه الدنيا دارُ بلاءٍ وعملٍ واستعدادٍ لِما بعد الموت، فإذا ابتُليت بمصيبةٍ قل: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإياك والاعتراضَ على اللهِ فإن من اعترضَ على الله خرجَ عن دين الله والعياذ بالله. من أصابته فاقةٌ من فقرٍ واعترضَ على حكمِ الله فإنّ كفرَه هذا لا يُقرّب له رزقا بعيدا. ومن أصابَه مرضٌ واعترضَ على حكمِ اللهِ فإنّ مرضَه لا يزولُ بكفرِه، ومن ماتَ له عزيزٌ أو قريبٌ واعترضَ على حكمِ اللهِ فإنّ الميتَ لا يعودُ بكفرٍه. فيكون هذا الإنسانُ المعترضُ على اللهِ قد أهلكَ نفسَه والعياذُ باللهِ من الاعتراضِ على اللهِ وعلى قضائِه وحُكْمِه

                      أما إذا إنسانٌ مسلمٌ ابتُلي فصبرَ وقالَ الحمد ُلله على كلِ حالٍ, للهِ ما أعطى وللهِ ما أخذَ، إنا لله وإنا إليه راجعون، لا حولَ ولا قوة إلا بالله، اللهم لا تجعلْ مصيبتي في ديني فله أجرٌ عظيم عند الله
                      قالَ اللهُ تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}
                      أي أنّ كلَ ما يتلفَّظُ به العبدُ من الجدِ والهزلِ والغضبِ يُسجلُه الملكان فهل يسرُّ العاقل أن يرى في كتابِه حين يُعرض عليه يومَ القيامة هذه الكلماتِ الخبيثةَ ؟ بل يسوؤه ذلك ويُحزنُه حين لا ينفعُ الندم ! فليعتنِ بحفظِ لسانِه من الكلامِ بما يسوؤه إذا عُرِضَ عليه في الاخرة. وقد قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " أكثرُ خطايا ابنِ آدمَ من لسانِه" (رواه الطبراني)
                      ومما يساعدُ على الرضا بقضاءِ الله أن يعملَ الواحدُ بما وردَ في صحيحِ البخاري رحمة الله عليه أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا نظرَ أحدُكم إلى مَن فُضِّلَ عليه في المالِ والخَلقِ فلينظُرْ إلى من هو أسفلُ منه
                      فالنبيُ صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن من نظرَ إلى من هو فوقَه في المالِ أو الجسمِ فلينظرْ إلى من هو أسفلَ منه أي إلى من هو أقلُ منه
                      إن كثرةَ الدخولِ على الأغنياء تزيدُ النفسَ رغبةً وتعلقًا بالمالِ وزخارفِ الدنيا ومباهجَها. ومن تعلَّقَ قلبُه بحبِ الدنيا، يجُرُه هذا إلى محاولةِ جمعِ الأموالِِ من غيرِ تمييزٍ بَيْنَ الحلالِ والحرامِ ويصيرُ همُه تكديسَ الأموالِ ولو عن طريقِ السرقةِ أو الاحتيالِ غيرَ مبالٍ بما يترتَّبُ على ذلك من مظالمَ
                      ورسولُ الله محمدٌ صلى الله عليه وسلم يدلنا على سبيلِ الوقايةِ قبلَ أن تقعَ قلوبُنا في حبِ الدنيا وقبل أن تصيرَ قاسيةً كقساوةِ الحجرِ وقبل أن تنشغلَ بالدنيا عن الاستعدادِ للآخرة والتزودِ لها وذلك بأن ننظرَ إلى من هو أقلُ منا في أمرِ الدنيا. فإذا كانَ الشخصُ يجدُ كفايتَه فقط فلينظُرْ إلى من لا يجدُ كفايتَه. وإذا كانَ يسكنُ بيتا صغيرا فلينظُرْ إلى من لا يجدُ ما يأوي إليه، وإذا كانَ يلبسُ ثوبا رَثًّا فلينظُرْ إلى من لا يجدُ ثوبا يستُرُه أو من البردِ يقيه، وإذا كانَ لا يأكلُ اللحمَ إلا قليلا فلينظر إلى من لا يجدُ كِسرةَ خبزٍ أو شَربةَ ماءٍ ترويه
                      أيها الإِخوة الأحباب، أما في أمرِ الدينِ فالمطلوبُ منا أن ننظرَ إلى من هو فوقَنا، فلا ينبغي للواحدِ منا أن يغترَّ بنفسِه وينظرَ إليها بعينِ الإعجابِ والتعظيمِ، وينسى نعمةَ الله عليه الذي أقدرَه أي أعطاه القدرةَ على النطقِ والمشي والبصر. والمطلوبُ من كلِ واحدٍ أن ينظرَ إلى من هو أكثرُ طاعاتٍ منه وأكثرُ اجتهادا وأكثرُ نشاطا وهمةً كي يجتهدَ مثلَه, لأن علوَ الهمةِ في الدينِ أمرٌ مطلوبٌ
                      اللهم لا تجعلْ مصيبَتنا في دينِنا وتوفَّنا وأنت راضٍ عنا يا أرحمَ الراحمين
                      هذا وأستغفر الله لي ولكم


                      الخطبة الثانية

                      الحمدُ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهْدِيهِ ونشكُرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا وسيّئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ محمّدٍ
                      عبادَ اللهِ، أُوصِيْ نفسِيَ وإيّاكمْ بتقْوَى اللهِ العَليّ العظيمِ فاتقوه
                      واعلموا إخوة الإيمان والإسلام أنّ المعترض على حكم الله تعالى خارج من الإسلام ولا شكّ وهو خاسر خاسر خاسر. يقول الله تعالى: {لا يُسئلُ عمّا يفعل وهم يُسئلون}
                      الله آمر ناهٍ ولا آمر ولا ناهي له، هؤلاء الذين ينتقدون حكم الله ويعتبرون أنفسهم من أهل الفهم والمعرفة، هؤلاء كأنَهم ما عرفوا أصل خلقتهم . سيّدنا علي رضي الله عنه قال: ما لابن ءادم والفخر أوله نطفة وءاخره جيفة
                      معناه لا ينبغي لابن ءادم أن يترفّع، الله خلقه من تلك النطفة التي هي قدر بزقة ثم يعيده إلى التراب
                      فالحذر الحذر من الاعتراض على ربِّ العزّة عند نزول المصائب والبلايا فإنّ هذا هلاك وضلال والعياذ بالله

                      واسمعوا معي قصة فاطمة الزبَيْريّة التي كانت تقيّة صالحة حجّت ثُمّ زارت الرسول صلى الله عليه وسلم ثُمّ نوت الإقامة في مكّة فصار لَها شهرة بالتقوى والصلاح والعلم، ثُمّ عَمِيت سنتين ، ثُمّ ذات ليلة أرادت أن تتوضّأ لصلاة الليل فتَزحلقت على درج فانكسر ضلعان من أضلاعها، ومع ذلك تكلّفَتْ فتوضّأت وصلّت، لم تعترض على الله، لم تتسخّط على الله، لم تتخلَّ عن طاعة الله، لم تلجأ إلى المعاصي عند نزول البلاءتوضّأت وصلّت، وفي تلك الليلة رأت حبيبها، رأت بدر الكون الأنور، رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر مقبلين من جهة الكعبة، هي باب بيتها كان مواجها للكعبة، فجاء الرسول فبصق على طرف ردائه وقال لَها امسحي به عينيك، فأخذت الرداء فمسحت به عينيها فأبصرت، ثم وضعته على موضع الكسر فتعافى، ثم استيقظت مبصرة، وجاءت خادمتها فرأتها مبصرة فقصّت عليها قصتها، هذه المرأة الصالحة كثير من النساء استفدن منها في الزهد والعلم والتقوى. كانت حنبلية، فاطمة بنت احمد بن عبد الدائم الزبَيرية
                      واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريم فقال ِ
                      إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على النبِيِ يَا أيُّهَا الذينَ ءامَنوا صَلُّوا عليهِ وسَلّموا تَسْليمًا

                      َ اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنامحمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدَنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى رَبَّكُمْ { إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيد}ٌ ، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّـهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّـهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّـهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. اللهم رحمتك نرجو فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين وأصلح لنا شأننا كلّه لا إله إلا أنت .عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون .اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ




                      ****************************************


                      خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : عبد اللـــه الهــرري










                      تعليق

                      • جبر النزال
                        زراعي مميز
                        • Nov 2009
                        • 468

                        ان القلب ليحزن وان العين لتدمع وان لفراقك ياابراهيم لمحزونون
                        ولكن لانقول الامايرضي ربناان لله ماعطى ولله مااخذ
                        انالله وانااليه راجعون
                        اعلم اخي المسلم ان الله لايريد بك الا خيرا
                        وعليك بالشكر والرضى بالسراء والضراء
                        اللهم لك الحمد والشكر
                        صبرا جميل وبالله المستعان

                        تعليق

                        • سُلاف
                          مشرفة المواضيع الإسلامية
                          من مؤسسين الموقع
                          • Mar 2009
                          • 10535







                          خـيـــــرة اللـــه



                          .

                          الحمدُ لله حمدا طيبا كثيرا كما يجبُ ربُنا ويرضاه
                          وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريك له، لا ربَ غيرُه ولا معبودَ بحقٍ سواه.

                          وأشهدُ أن محمدا عبدُه ورسولُه أفضلَ نبيٍ وأشرفَه وأزكاه. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنتَه واهتدى بهداه.

                          أما بعدُ أيها الناس، اتقوا اللهَ حق التقوى.

                          أمةَ الإسلام: أحبابَ محمدٍ (صلى اللهُ عليه وسلم)، أتباعَ ملتِه وحملةَ رسالتِه وحراسَ عقيدتِه والسائرينَ على هديه وطريقتِه.

                          أيها الأخوةُ المتحابونَ بجلالِ الله، إن قلوبَنا أشدَ ما تكونُ حاجةً لأن توردَ على المأثورِ عن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) من ذكرٍ ودعاء، يربي إيمانَها، ويكونُ يقينَها، ويزيدُ تعظيمَها لربِها ووثوقَها به.

                          يقولُ جابرُ أبن عبد الله رضي الله عنه: كان رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) يعلمُونا الاستخارةَ في الأمورِ كلِها كما يعلمُونا السورةَ من القرآن.

                          فعش بقلبِك وأحضر إلى وجدانِك تلكَ الفِقرَ النيرةَ من ذاكَ الدعاء: اللهم إني أستخيرُك بعلمِك، وأستقدِرك بقدرتِك وأسأُلك من فضلِك العظيم، فإنكَ تقدرُ ولا أقدِر، وتعلمُ ولا أعلم وأنت علامُ الغيوب.

                          هذهِ العباراتُ المشرقةُ بإجلالِ اللهِ عز وجل، كم تربي في النفس من تعظيمِ الخالقِ جل جلالُه، كم تبينُ من عظمةِ الخالقِ، وتبينُ من ضعفِ المخلوق.

                          إن المخلوقَ مقيدُ بالعجز، محجوبُ بالجهلِ، إنكَ تقدرُ ولا أقدر، وتعلمُ ولا أعلم، أما اللهُ جل جلالُه فهو القادرُ على كلِ شيء، وهو الذي أحاطَ بكلِ شيءٍ علما، ولذا فإن العبدَ يلوذُ من عجزِه بقدرةِ الله، ومن جهلِه بعلمِ الله عز وجل، إن اللهَ عليمُ قدير.

                          كم هي الأمورُ التي ينظرُ إليها البشرُ بنظرِهم المحدود، ويقيسونَها بمقياسِهم القاصر، فيرونَ فيها ما يكرهون، ويستدفعونها فلا يقدرون، ويكونُ للهِ فيها من اللطفِ والخيَرَةِ ما تقصرُ عنُ عيونُهم وتتطامن عنهُ علومُهم.

                          كم خارَ اللهُ لعبدِه وهو كاره! كم طوى اللهُ لعبدِه المنحَةَ في طي المحنَةَ!

                          أنظر في صورِ خالدِة لا تبلى جدَتُها وقد ذُكرت في القرآن.

                          أنظر إلى خبرِ نبيِ اللهِ يوسفَ عليه السلام:

                          ذلكَ الصبيُ المدللُ في كنَفِ أبن رحيم مشفقٍ يخافُ على أبنِه أن يخرجَ في نزهةٍ، ثم يُنتزَعُ من وسطِ هذا الدلالِ والرعايةِ ليلقى في غيابةِ الجُبِ ثم في ظُلمِ السجنِ.

                          ما هو مقياسُ هذا المصابِ في مقياسِ البشرِ القاصر، كيفَ ينظرُ البشرُ إلى هذا المشهد؟

                          أنهم ينظرونَ إليه بإشفاقٍ، صبيُ حرمَ حنانَ الأبوة، حرمَ عطفَ الوالد، حرمَ لذةَ التلذذِ بنعمةِ الحنان، ثم يتعرضُ بعد ذلك لخطفِ الرقِ وقيدِ السجن. هل ينظرُ البشرُ إلى هذا المشهدِ إلا بهذه النظرة! ولكن كان علمُ الله، وحكمةُ الله، تدخرُ ليوسفَ شيئاً آخر، تدخرُ ليوسفَ النبوةَ والرسالةَ، وتدخرُ له حُكمَ مصِر، تدخرُ لهُ أن تكونَ خزائنُ مصرَ بيدِه، فإذا يوسفُ يخرجُ من السجنِ إلى الحكم، وإذا الأبُ الذي عميَ عليه حزناً يقرُ به عينا، وإذا الأخوةُ الذينَ ألقوه في غيابةِ الجبِ يقولون له: تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ.

                          ما الذي كان سيبقى ليوسفَ لو بقيَ حالُه كما كان! سيبقى ابنا مدللا لأبٍ شيخٍ تضعفُ قوتُه يوما إثر يوم، ولكنَه يُنتزعُ من هذا الجو في مشهدٍ ظاهرُه المحنةَ وفي طيِه المِنحةَ، إن خيرَةَ اللهِ كانت تدخرُ ليوسفَ ما كانت أفهامُ البشرِ تعجزُ عن إدراكِه أو استشفافِه، أعد النظرَ إلى البداياتِ ثم إلى النتائجِ واعتبر خيرَةَ الله الذي يعلمُ ونحنُ لا نعلم.

                          ثم أنظر إلى خَبرِ موسى عليه السلام:

                          موسى الذي يعيشُ ربيبا لفرعونَ، يعيشُ في بلاطِ الملك، يعيشُ في نعيمِ الترف، يعيشُ لذةَ التمتعِ بكل متعِِ الملوكِ والفراعنة، ثم يقدرُ اللهُ عليه قدرَه فإذا الملأُ يأتمرونَ به ليقتلوه، وإذا به يخرجُ من المدينةِ خائفا يترقب، ويصلُ على مدينَ لاغبا جائعا يرفعُ بصرَه إلى السماءِ بذلةٍ ومسكَنةٍ: رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ.

                          ماذا يقولُ المقياسُ البشريُ عن هذا المشهد!

                          ماذا يقولُ النظرُ القاصرُ عن هذه الفصولُ من خبرِ موسى؟ إنه إنسانُ فوتَ على نفسِه فرصا كثيرة، وتعرضَ لمتاعبا لم تكن أصلا في طريقِه، هكذا يقولُ النظرُ القاصرُ المحدود.

                          أما حكمةُ اللهِ وخيرَةُ الله فكانت تدخرُ لموسى شيئا آخر، تدخرُ لموسى ما هو أعظمُ من قصورِ الفرعون، وما هو أعظمُ من نعيمِ الترف، كانت تدخرُ له منصبَ الرسالة، وشرفَ النبوةَ، وأن يكلمَه ربُه بلا تُرجمان، وأن يكونَ من الخمسةِ الأوائلِ في تاريخِ البشريةِ كلِها، من أوليِ العزمِ من الرسل.

                          ماذا تساوي كلُ تلك المتعِ التي خسِراها في قصرِ الفرعون أمامَ خيرَةِ اللهِ المذكورةِ له.

                          ثم أنظر بعدُ إلى قصةِ الخَضِرِ وموسى عليهما السلام:

                          يومَ ركبا السفينةِ فخرقها، لقد قال موسى بالعلمِ البشريِ: أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً، ولكنَ الخَضِرَ الذي كان يستشرفُ حكمةَ الله يرى إلى خيرَةَ اللهِ في هذا المصابِ لأهلِ السفينة، لقد كان وراؤهم ملكاً يأخذُ كلَ سفينةٍ صالحةٍ غصبا.

                          ثم الغلامُ يقتلُ تحتَ سمعِ موسى وبصرِه، على يدِ من؟

                          على يدِ الخَضِرِ، فماذا يقولُ العلمُ والنظرُ البشريُ في هذا المشهد: أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً، ولكنَ خيرَةَ اللهِ لأهلِ هذا الغلامُ يستشرفُها الخَضِرُ عليه السلام، إن هذا الغلامُ لو عاشَ لأرهقَ والديهِ طغيانا وكفرا، فإذا قُتلَ أبدلهما اللهُ خيرا منه زكاةً وأقربُ رحما.

                          إن النظرةَ البشرةَ القاصرة، تنظرُ إلى مشهدِ الوالدينِ يومَ ولِدَ الولدُ ففرحا به، ويومَ قتلَ فحزنا عليه، لكنها لا تستشرفُ من في طيِ علمِ اللهِ من حكمةٍ وخيرَة.

                          ثم أنظر إلى هذا المعنى العظيمِ على مستوى الجماعة.

                          أنظر إلى مشهدِ المسلمينَ:

                          وهم يتسللون مستخفينَ يخرجونَ من مكةَ إلى المدينة، إن المشهدَ يريكهم وهم يخرجونَ مستخفينَ مشردينَ قد تركوا وطنَهم وهم له محبون، وتركوا أهلَهم ومالَهم وذوي أرحمَهم.

                          أي معنىً يوحي به ذلكَ المشهد، إنه الرثاءُ لهؤلاء المستضعفين الذينَ يتركونَ خلفَهم كلَ شيء، ويقدِمونَ إلى بلدٍ لم يحسبوا في حسابُهم البشريُ أن هناكَ ما ينتظرُهم به من متعِ الدنيا. إنهم يخرجونَ من بلدِهم يتسللونَ مشردينَ خائفين في مشهدٍ يثيرُ الرثاءُ إلى أرضٍ أخرى وقومٍ آخرين، ما الذي يمكن أن يوحيَ به هذا المشهد إذا أُخذ على حدتِه؟

                          جرد نفسَك عن بقيةِ المشهدِ وأنظر إليهم، أنظر إليهم وقد خرجَ كلُ منهم تاركاً دارَه، تاركا مالَه، تاركا أهلَه، ويممَ تلقاءَ المدينةِ، وليس هناكَ ما يُعدُ به من مال أو مأوى، أي نظرةٍ بشريةٍ تنظرُ إلى هذا المشهد هل يمكنُ أن يُفيضَ عليها ذلكَ المشهدُ إلا الرثاء لذلك المهاجرِ والرحمة له.

                          ولكن كانت خيرَةُ اللهِ المطويةُ في علمِه المحيط، تدخرُ لهم مشهدا آخرَ عظيما رائعا، إنه مشهد صُنعِ تاريخِ البشرية، وانطلاقِ الرسالةِ في طورٍ جديد، ووضعِ حجرِ الأساسِ لقيامِ الدولةِ الإسلامية، وإذا ذلكَ المشهد يولدُ نموا متتابعا يتمددُ في شكلٍ سريع تكلأهُ رعايةُ الله، ويتنزلُ عليه نصرُه وعونُه حتى يمدَ ذراعيه تضربُ أمواجُ المحيطُ الأطلسيُ على غربِه وترتاحُ جبالُ الصينِ على شرقِه.

                          إن خيرَة الله كانت مذخورةً لهؤلاء الذين خرجوا مستضعفينَ لم يوعدوا بشيءٍ من متاعِ الدنيا، وإنما وعدوا بالجنةِ.

                          ثم أنظر إلى مشهدٍ آخر.

                          أنظر إلى مشهدِ المسلمينَ وقد أناخوا بالحديبية:

                          قلوبُهم تتقطعُ شوقا إلى البيتِ العتيق أن تلتصقَ أحشاؤهم به، وأن تكتحلَ أعينُهم برؤيتِه، جاءوا على أملِ الطوافِ به، جاءوا على أملِ الصلاةِ في رحابِه، جاءوا ومعهم رسولُ اللهِ (صلى اللهُ عليه وسلم)، لم يكونوا قلةً قلية بل كانوا ألفا وأربعمائة، كلُ منهم قد باعَ للهِ نفسَه.

                          وإذا بالمفاوضاتِ تدورُ بين محمدٍ (صلى الله عليه وسلم) وكفارَ قريش، لتنتهي باتفاقيةٍ كانت بنودُها في ما يظهرُ للمسلمينَ جائرةً، فحزنت القلوبُ وتألمت النفوس، وعز عليها أن تصدَ عن البيتِ وقد اقتربت منه، وتردُ عنه وقد اقتربت منه، وترجعُ عنه وقد قدمت إليه، رجعت وفي القلبِ حسرة، وفي القلب غصة، وفي العين عبرة، حتى يجيَ عمرُ رضي الله عنه إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بحُرقةِ المؤمنِ ولهفتِه يقول:

                          يا رسولَ الله ألسنا على الحق، أليسوا على الباطل، قال بلا، قال فلما نُعطي الدنيةَ في ديننا، قال إني عبدُ الله. يفعلُ ما يوحى إليه (صلى اللهُ عليه وسلم) ويصدرُ عن أمرِ ربِه.

                          إن النظرةَ البشريةَ لهذا المشهد تفيضُ على النفسِ الحزنَ أن يردَ هؤلاءِ ويرجعوا وفي يديهم اتفاقيةُ جائرة، أن يرجعوا هذه السنة، ويعودوا السنةَ القادمةِ وليس معهم من السلاحِ إلا سلاحُ المسافر، وليس لهم فرصةُ إلا ثلاثةَ أيامٍ يقيمونَها في مكة، ثم من لحق من المسلمينَ بالنبيِ (صلى اللهُ عليه وسلام) وهو من أهلِ مكةَ فإنَه يردُ إلى المشركين، أما من لحق بالمشركين مرتدا من المسلمين فلا يردَ إليهم، لقد كانت اتفاقيةً فيما يبدو للناسِ جائرة، ولكنها كانت فتحا مبينا، فلم يمضي بعد هذه الاتفاقيةَ إلا زمنا يسيرا وإذا بالمسلمينَ يسيرونَ إلى مكةَ في قطعانٍ كالليلِ البهيم، عشرةُ ألافِ سيفٍ كلُها تحيطُ برسولِ الله (صلى اللهُ عليه وسلم)، تم تدخلُ مكةَ فاتحةً منتصرةً تتهاوى أصنامُها تحت أقدامِ النبي (صلى الله عليه وسلم): وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً.

                          لقد كانت خيرَةُ اللهِ مدخرةُ لهؤلاءِ الذينَ رجعوا وفي قلوبِهم حسرة، وفي أنفسِهم لوعة، ولكن كانت خيرَةُ اللهِ مدخرةُ لهم في علم اللهِ المحيط.

                          ثم أنظر بعد إلى آلاف الأسرى من الروم ومن الفرس:

                          ومن أبناء الممالكِ التي فتحَها المسلمون، هؤلاءِ الذينَ دخل الإسلامُ بلادَهم وهم كارهون، هؤلاءِ الذين عاشوا آلامَ الهزيمة، ومرارةَ الأسر، ثم كان عاقبةَ ذلك دخولُهم الإسلام، فإذا هم يتبوءون نعيمَ الهداية، ويحرزونَ فوز الآخرة، ثم لا أسفَ بعد ذلكَ على ما فات من الدنيا. لقد كان مشهدُهم في نظرِهم وهم يهزمونَ على أيدي المسلمينَ مشهدا يثيرُ الرثاء، ولكنَه كان في حقيقتِه أنهم كانوا يقادونَ إلى الجنةِ في السلاسل يومَ دخلوا هذا الدين فعرفوا لذة الانتماءِ إليه، ونعيمَ الهدايةِ في ظلالِه.

                          وهكذا لا تزالُ تجدُ في حياةِ الأفرادِ والجماعاتِ من الوقائعِ المماثلةِ ما يملئُ القلبَ ببردِ اليقينِ إلى خيرَةِ اللهِ جل وعلا التي قد تكونُ في ما يكرههُ عبده أو عبادُه.

                          كم رأينا ببصرِ أعيننِا داعيةً يضيقُ عليه في بلدِه فيخرجُ منها أو يُخرَجُ منها فيجدُ في أرضِ اللهِ مراغما كثيرةً وسعة، يجدُ بلادا تؤويه وتُعزُه وتنصُرُه وتمكنُ له.

                          كم رأينا داعيةً يُقتَلُ لإخمادِ ذكرِه، فيزيدُه اللهُ بهذا القتلِ شرفا إلى شرفِه، ويزيدُ ذلك في ذكرِه ذكرا، ويزيدُ ذلك في عزِه عزا، وإذا آثارُه تلقى بعد موتِه قَبولا، كما قال سيد قطب رحمَه الله: إن كلماتِنا ستظلُ عرائسَ من الدمعِ هامدةً، فإذا أسقيناها بدمائِنا انتفضت وسارت فيها الحياة، وهكذا كان، لقد كان دمُ السيدِ القطب حياةً دافقةً في كلماتِه هزتها ودفقت فيها الحياة.

                          أيها الأخُ المبارك: إن علينا أن نعيَ جيدا أنه قد يكونُ من خيرَةِ اللهِ للعبد ملاقاتُه لما يكرهُه، ولكن العبرةَ بالعاقبة، وقد قال اللهُ جل وعلا: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ، واللهُ يعلمُ وأنتم لا تعلمون.

                          إن الإنسانَ عاجزُ عن معرفةِ المستقبل، بل الإنسانُ عاجزُ عن انتظارِ المستقبل: وكان الإنسانُ عجولا.

                          ولذلك قد يقابلُ الإنسانُ ما يكرهُه، ولكن خيرَةَ اللهِ مطويةً في ذلك، وخذ مثالا على ذلك، الإمامُ النوويُ رحمَه الله:

                          فقد بدأ حياتَه العلميةَ دارسا للطب، فبدأ يقرأُ كتابَ القانونَ لأبنِ سيناء، فوقعَ في قلبِه كرهُ لهذا العلم، وبلادةُ عن فهمِه حتى ضاقَ به ذرعا، فألقى كتابَ أبنِ سيناء جانبا، وأتجَه إلى الذي هو خير، إلى العلمِ الشرعي، ففتحَ عليهِ فيه فتحا مبينا، فإذا أثارُه لا تزالُ إلى اليومِ تنطقُ بالدعاءِ له، كم تذكرنا ذلكَ الإمامَ النووي ونحن نتسأل كم من مساجدِ المسلمينَ يُذكرُ فيها الإمامُ النوويُ عصرَ كلِ يوم فيقولُ إمامُ الحي: قال الإمامُ المؤلفُ رحمَه اللهُ تعالى، ثم يقرأُ فصولا من رياضِ الصالحين! كم يرفعُ لهُ من دعاءٍ في كلِ يوم! أي فضلاٍ أحرزَه، وأي شيءٍ قد فاتَه يومَ فاتَه كتابَ القانونِ لأبنِ سيناء.

                          وهكذا في حياةِ الإنسانِ قد يخسرُ في تجارة، قد يفقدُ نصيبا من أعراضِ الدنيا يكونُ في ذلك توفيرُ لدينِه، وعصمةُ لعرضه، وحفظُ لإسلامِه: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً.

                          ولذا فإن القلوبَ لابدَ أن تربى على التسليمِ لله، والتفويضِ إليه كما علمَ النبيُ (صلى اللهُ عليه وسلم) البراءَ في دعاءِ النوم الذي هو آخرِ ما يقولُ العبد: اللهم إني أسلمتُ نفسي إليك، ووجهتُ وجهي إليك، وفوضتُ أمري إليك، وكما قال مؤمنُ آل فرعون: وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّه.

                          علينا أن نربيَ أنفسَنا على إحسانِ الظنِ باللهِ جل جلالُه، قال الإمامُ أبنُ القيم رحمه الله: حسنُ الظنِ باللهِ يدعو إلى التوكلِ عليه، فإنكَ لا تتوكلُ إلا على من ترجوه، لابد أن يأويَ المؤمنُ من التفويضِ لله، وحسنُ الظنِ بالله، والثقةِ بالله، أن يأويَ من ذلك إلى رُكنٍ شديد.

                          علينا بعدَ ذلك أن نعيَ قضايا:

                          أولُها وأهمُها أننا عندما نرى الظلمَ يحدث:

                          فعلينا أن نتذكرَ أنه لا يحدثُ في غفلةٍ من الله، ولا في جهلٍ من الله، ولا في عجزٍ من الله، أنظر إلى نبيِ اللهِ يوسفَ عليه السلام يرسلُ إلى العزيزِ قائلا: فاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ، إن كيدَهُن لم يكن يحدثُ في غفلةٍ من الله، لقد كدنَ لي وربي عليمُ بكيدِهن، ولذا فإن المؤمنَ إذا رأى ظُلمَ الظالمين، ينبغي أن يتذكرَ أن هذا الظلمَ لا يحدثُ في غفلةٍ من الله: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ.

                          ثانيا علينا أن ننظرَ إلى الهزائم:

                          لا على أنها الماحقةُ والقاصمة فتُورثُنا الإحباطَ، ولكن رب هزيمةٍ كانت بدايةَ الانتصار، ربا هزيمةٍ جاءت لتربي الأمةَ وتعدُها لتستقبلَ انتصارا يليقُ بها.

                          ولذلك نتذكرُ هذه الأيامُ وفي هذه المحنُ عشيات استقلالِ البلادِ الإسلامية، يومَ دفعَ المسلمونَ دماؤَهم في حربِ المستعمرين، فلما حٌررت تلكَ البلادِ بدماءِ المسلمينَ قفزَ إلى الحكمِ طغمةٌ من الشيوعيينَ والعلمانيينَ ، وجثموا على كراسيَ الحكمِ إلى اليوم، لقد كان المشهدُ في ظاهرِه وأولِه يورثُ الحسرة ويورثُ الألمَ أن يقطفَ الثمرةَ غيرَ من جاهدوا.

                          ولكننا الآن نستشرفُ حكمةً للهِ في ذلك، نعم لقد كانت الشعوبُ عندما تحررت من الاستعمارِ شعوبا مهزومةَ الوجدان، تعيشُ غَشيةَ الانبهارِ بالحضارةِ الغربيةِ، لم تكن معدةً ولا لائقةً لتتحمل تبعاتِ الحكمِ بشريعةِ الله عز وجل، ربما قبلت الحكمَ بالشرعي قبولَ المجربِ لا قبولَ المتعبدِ للهِ بذلك، ولذا امتُحنت بهذه الحكوماتِ المتعاقبةِ التي حكمتَها بكلِ أنواعِ الحكمِ إلا الحكمِ بالشريعة.

                          حُكمت الشعوبَ الإسلاميةِ بكل أنواعِ الحكمِ إلا الحكم بالإسلام، فذاقت من ذلكَ مرارةٍ انعقدتَ في حلوقِها، وآلاما استقرت في قلوبِها لتعلمَ أن كلَ خيارٍ غير خيرَةِ اللهِ مفلسُ وخاسر، ولتطالبَ اليومَ بتحكيمِ شريعةِ الله، برغبةٍ أشد وإلحاحٍ أقوى.

                          ثم ننظرُ اليومَ إلى ما يحدثُن وإلى تفويتَ الفرصةَ على المطالبينَ بتحكيمِ الشريعة ليظل ممسكا بالحكمِ طُغمُ العسكرِ التي تتسلقُ إلى منصاتِ الحكمِ بالأحذيةِ الغليظة، تستهينُ بالإنسانِ، وبقيمتِه كإنسانٍ فظلا عن قيمتِه كمسلم لتقامَ معسكراتِ الاعتقالِ لتظمَ عشراتِ الآلاف، يؤخذُ أحدُهم هذه الأيامُ دون أن يستبدلَ ملابسَه، بل دون أن يأخذَ معَه الدواء الذي يستعملُه ولا يستسغنيَ عنه.

                          نرى ذلك فنتذكرُ حكمةَ الله، ونقولُ لعل في ذلك حكمة، لعلَ الشعوبَ تُصنعُ بهذه المحن ليزدادَ عطشُها وتعطُشُها إلى اختيارِ حُكمِ الله، والإلحاحِ في طلبِه والصبرِ على التضحياتِ في سبيلِه، لعل الأمةَ تربى بهذا لانتصارٍ يليقُ بها يذخرُه اللهُ جل جلالُه لها.

                          لابد من عطشٍ إلى تحكيمِ الشريعة، عطشُ يجعلُ الشعوبَ تختارُها خيارَ المتعبدِ للهِ بها، الذي يستهينُ كلَ ثمنٍ يقدمُ في سبيلِها، إن الأمةَ تُصنَعُ بهذه المحن، وتُربى بها لتتهيأ لطلبِ الحكمِ بشرعِ اللهِ عز وجل مهما كلفَ من تضحياتٍ، ومهما استلزمَ من تبعات، ومهما وِضعَ أمامَه من عقبات، لابد أن تعلمَ الأمةُ أن النصرَ ينبثقُ من الظلمةِ، ويأتي عند اشتدادِ الأزمة، وقد يتأخرُ لحكمةٍ يعلمُها الله.

                          إن الشعوبَ المعرضةَ عن الله لا يُنعمُ عليها بشرعِه إلا بعد ابتلاءٍ وتمحيص، قد يكونُ منهُ هذا الذي نعيشُه الآن، ولذا لم يؤيد النبيُ (صلى الله عليه وسلم) يؤمنُ برسالتِه ثم ينصرُها، ولك أؤيدَ (صلى الله عليه وسلم) بأتباعِه الذين تربوا معَه، وصنعوا معهُ الأحداثَ ابتغاء رضوانِ اللهِ عز وجل، وانبثقَ النصرُ للنبيِ (صلى الله عليه وسلم)، وانبثقَ النورُ من وسطِ الظلمة، إن اللهَ نظرَ إلى أهلِ الأرضِ فمقتَهم عربَهم وعجمَهم إلا بقايا من أهلِ الكتابِ فأرسل حينئذٍ رسولَه.

                          إن علينا أيها الأحبابُ أن نستشعرَ ذلك، وأن نتذكرَ أن المحن التي نعايشُها في سنين ليست إلا ومضةً أو لمعةً في عمرِ الزمنِ الطويل، وأن نظرَنا وعلمَنا المحدودِ قاصرُ وكليلُ وكسيح، وأن هناك علما للهِ محيطاً شاملا هو فوقَ علمِنا وفوق إدراكِنا، وأن نتذكرَ ونحنُ نرى ونعايشُ ما نعايشُه اليومَ أن ربَنا جل جلالُه مطلعُ وعالمُ بما يحدث، وأن ما يجري لا يجري في غفلةٍ من الله ولا في عجزٍ من الله تبارك ربي وتقدس، وأن نتذكرَ ونحنُ نعايش ما نعايشُ اليومَ أن الله أغيرَ على دينِه منا، كما قال (صلى الله عليه وسلم): أتعجبونَ من غيرةِ سعد، لنا أغيرُ من سعد واللهُ أغيرُ مني.

                          علينا أن نتلقى ما نتلقاهُ اليومَ بحسنِ الظنِ باللهِ عز وجل، بالتفويضِ إليه، بالركونِ إليه، باستشعارِ عظمتِه، بالتسليمِ لحكمتِه جل جلالُه وتقدست أسمائُه. هذه المعاني الإيمانيةُ يجبُ أن تربى في النفوسِ، وتزرعَ في القلوبِ، وتتُعاهدَ في الخواطرِ والوجدان.

                          أيها الأحباب: أختم هذه الكلمةُ بكلماتِ نورانيةٍ انبثقت من المعاناةِ ومن الألم، قالها رجلُ يكتبُها بدمِه ويعصرُ معها دموعَه، ويسكبُ فيها آلامَه وآمالَه، أدعُكَ مع كلماتٍ للأستاذِ السيدِ القطبِ رحمَه اللهُ رحمةً واسعة يقول:

                          النصرُ قد يبطئُ على الذينَ ظُلموا وأخرجوا من ديارِهم بغيرِ حقٍ إلا أن يقولوا ربُنا الله، ولكن هذا لأبطئُ لحكمةٍ يريدُها الله:

                          قد يبطئُ النصرُ لأن الأمةَ لم تنضج بعدُ نُضجَها، ولم يتمُ بعدُ تمامَها، فلو نالت النصرُ حينئذٍ لفقدتهُ وشيكا لعدم قدرتِها على حمايتِه طويلا.

                          قد يبطئُ النصرُ حتى تبذلَ الأمةُ آخرَ ما في طوقِها من قوة، وأخرَ ما تملُكهُ من رصيد، فلا تستبقي عزيزا ولا غاليا إلا بذلتهُ هيناً رخيصا في سبيلِ الله.

                          قد يبطئُ النصر حتى تتجردَ الأمةُ وتجربَ آخر قواها، فتدرك أن هذه القوى واحدَها بدونِ سندٍ من اللهِ لا تكفلُ النصر.

                          قد يبطئُ النصرُ لتزيدَ الأمةُ المؤمنةُ صلتَها بالله وهي تعاني وهي تتألم وهي تبذل فلا تجدُ لها سندا إلا الله، وهذه الصلةُ حينئذٍ هي الضمانةُ الأولى لاستقامتِها على النهج فلا تطغى ولا تنحرفُ عن الحقِ والعدلِ إذا انتصرت.

                          قد يبطئُ النصرُ لأن الأمةَ المؤمنةُ لم تتجرد بعدُ في كفاحِها وبذلِها وتضحياتِها للهِ ولدعوتِه، فهي قد تقاتلُ لمغنمِ، وقد تقاتلُ لحميةٍ، واللهُ جل وعلا يريدُ أن يكونَ الجهادُ له وحدَه وفي سبيلِه وحدَه.

                          قد يبطئُ النصر لأن في الشرِ الذي تكافحُه الأمةُ بقيةُ في نفوسِ الناس، فيريدُ اللهُ جل جلالُه أن يجردَ الشرَ منها ليتمحض خالصا، ويذهبَ بعد ذلكَ وحدَه هالكا.

                          قد يبطئُ النصرُ لأن الباطلَ الذي تحاربُه الأمةُ المؤمنةُ لم ينكشفَ زيفُه للناسِ تماما، فلو غلبَه المؤمنون حينئذٍ قد يجدُ له أنصارا، وقد يجدُ من يأسفُ عليه من المخدوعين.

                          قد يبطئُ النصرُ لأن الأمةَ لا تصلحُ لاستقبال الحقِ والخيرِ والعدلِ الذي تمثلُه فيظلُ الصراعُ قائما حتى تتهيأُ النفوسُ من حولِه لاستقبالِ الحقِ الظافرِ ولاستبقائِه.

                          من أجل هذا كلِه ومن أجلِ غيرِه مما يعلمُه اللهُ ولا نعلمُه.

                          قد يبطئُ النصرُ فتتضاعفُ التضحيات، وتتضاعفُ الآلام مع دفاعِ الله عن الذين آمنوا وتحقيقِ النصرِ لهم في النهاية. انتهى كلامُه رحمه الله.

                          أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.




                          **********************************************



                          خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : عبد الوهــاب الطـريـري






                          تعليق

                          • سُلاف
                            مشرفة المواضيع الإسلامية
                            من مؤسسين الموقع
                            • Mar 2009
                            • 10535






                            إكــــرام ذي الشـيبــة







                            الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَمْداً كَثِيراً طَيِّباً مُبَارَكاً فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، أَحْمَدُهُ جَلَّ وَعَلَا عَلَى عَطَايَاهُ وَسُنَنِهِ وَآلَائِهِ وَأَفْضَالِهِ، أَحْمَدُهُ جَلَّ فِي عُلَاهُ عَلَى أَنْ هَدَانَا لِهَذَا الدِّينِ الْعَظِيمِ، وَمَنَّ عَلَيْنَا بِاتِّبَاعِ سُنَّةِ نَبِيِّهِ الأَمِينِ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ، وَلَا خَالِقَ إِلَّا هُوَ عَزَّ وَجَلَّ، إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَقَيُّومُ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ، وَخَالِقُ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِهِ، وَمُبَلِّغُ النَّاسِ شَرْعَهُ، أَبَانَ الْمَحَجَّةَ وَأَوْضَحَ السَّبِيلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

                            أَمَّا بَعْدُ:
                            فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(
                            أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
                            إِنَّ مِنْ سَمَاحَةِ هَذَا الدِّينِ وَلُطْفِهِ وَنُبْلِهِ وَجَمَالِهِ، أَنْ أَمَرَنَا بِأَدَاءِ حُقُوقِ الأُبُوَّةِ وَكِبَارِ السِّنِّ، وَرِعَايَتِهِمْ وَتَفْرِيجِ كُرَبِهِمْ وَتَيْسِيرِ أُمُورِهِمْ، وَالإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ، فَهَذَا الْبِرُّ وَالْخَيْرُ وَالإِحْسَانُ مِنْ أَسْبَابِ سِعَةِ الرِّزْقِ فِي الدُّنْيَا، وَأَنْ يُنْسَأَ لَكَ فِي أَجَلِكَ، وَيُبَارَكَ لَكَ فِي حَيَاتِكَ، وَتَزُولَ عَنْكَ الْمُكَدِّرَاتُ وَالْهُمُومُ وَالأَحْزَانُ، وَتَنْأَى عَنْكَ الْمَصَائِبُ وَالْمِحَنُ، وَقَدْ جَعَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْبَرَكَةَ فِي كِبَارِ السِّنِّ؛ إِذْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: «الْبَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ» [رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ].
                            فَالْكَبِيرُ سَوَاءٌ كَانَ أَباً أَوْ قَرِيباً أَوْ جَاراً ، مُسْلِماً أَوْ غَيْرَ مُسْلِمٍ: لَهُمْ حُقُوقٌ عَلَيْنَا جَاءَتِ الشَّرِيعَةُ بِحِفْظِهَا وَرِعَايَتِهَا وَالْقِيَامِ بِهَا، فَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ مِنْ حَدِيثِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ،وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ].
                            فَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ إِكْرَامُهُمْ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَإِجْلَالُهُ سُبْحَانَهُ أَجَلُّ الْمَطَالِبِ وَأَنْبَلُ الْمَقَاصِدِ، وَالتَّقْصِيرُ فِي هَذَا الْوَاجِبِ تَقْصِيرٌ فِي حَقِّ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

                            أَيُّهَا الأَحِبَّةُ:
                            إِنَّ مِنْ حُقُوقِ الْكَبِيرِ الَّتِي دَعَا إِلَيْهَا الإِسْلَامُ وَأَمَرَ بِهَا:
                            أَوَّلاً: تَوْقِيرُهُ: كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عَبْدِاللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرِ الْكَبِيرَ وَيرْحَمِ الصَّغِيرَ، وَيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ» [أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ].
                            ثَانِياً: إِكْرَامُهُ: بِحُسْنِ الْخِطَابِ وَطِيبِ الْمُعَامَلَةِ، وَجَمِيلِ التَّوَدُّدِ، وَإِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صُوَرِ الإِكْرَامِ.
                            ثَالِثاً: أَنْ تَبْدَأَهُ بِإِلْقَاءِ السَّلَامِ عَلَيْهِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ: «يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ].
                            فَإِذَا لَقِيتَهُ فَبَادِرْ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ بِكُلِّ أَدَبٍ وَاحْتِرَامٍ، وَبِكُلِّ تَوْقِيرٍ وَلُطْفٍ.
                            رَابِعاً: إِذَا حَدَّثْتَ كَبِيراً فِي السِّنِّ نَادِهِ بِأَلْطَفِ عِبَارَةٍ وَأَجْمَلِ خِطَابٍ؛ فَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ ، قَالَ «صَلَّيْنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الظُّهْرَ، ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَوَجَدْنَاهُ يُصَلِّي الْعَصْرَ، فَقُلْتُ: يَا عَمِّ! مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّيْتَ؟ قَالَ: الْعَصْرُ،وَهَذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ r الَّتِي كُنَّا نُصَلِّي مَعَهُ» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
                            خَامِساً: أَنْ يُقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ ، وَيُقَدَّمَ فِي الْمَجْلِسِ، وَيُقَدَّمَ فِي الطَّعَامِ، وَيُقَدَّمَ فِي الدُّخُولِ: فَهِيَ مِنْ حُقُوقِهِمُ الَّتِي أَوْصَى بِهَا رَسُولُ اللهِ r؛ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ t أَنَّ مُحَيِّصَةَ أَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ، فَذَهَبَ لِيَتَكَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ r لِمُحَيِّصَةَ: «كَبِّرْ كَبِّرْ».يُرِيدُ السِّنَّ، فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ. [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ].
                            وَعَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، فَصِرْنَا إِلَى مَضِيقٍ فَتَقَدَّمَنِي ثُمَّ قَالَ لِي: «لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّكَ أَكْبَرُ مِنِّي بِيَوْمٍ مَا تَقَدَّمْتُكَ» [رَوَاهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي الْجَامِعِ].
                            سَادِساً: أَنْ تَرَاعِيَ وَضْعَهُ الصِّحِيَّ وَالْبَدَنِيَّ وَالنَّفْسِيَّ بِسَبَبِ الْكِبَرِ وَضَعْفِهِ، إِذْ تَتَغَيَّرُ طِبَاعُهُ، وَتَنْفَدُ بَعْضُ قُوَاهُ، ثُمَّ يَكْبَرُ فَيَصِيرُ شَيْخاً كَبِيراً، ضَعِيفَ الْقُوَى، قَلِيلَ الْحَرَكَةِ، يُعْجِزُهُ الشَّيْءُ الْيَسِيرُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: )اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً(
                            فَلَا تَمَلَّ مِنَ الْكَبِيرِ، وَلَا تَسْأَمْ مِنْ مُعَامَلَتِهِ، بَلِ احْرِصْ عَلَى أَنْ تَرْعَاهُ حَقَّ الرِّعَايَةِ، وَأَنْ تُحْسِنَ مُعَامَلَتَهُ.
                            وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُسْلِمِ إِذَا وَصَلَ أَحَدُ الْوَالِدَيْنِ إِلَى مَرْحَلَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ فِي السِّنِّ وَزَادَتْ طَلَبَاتُهُمَا وَكَثُرَتِ احْتِيَاجَاتُهُمَا أَنْ يَصْبِرَ عَلَيْهِمَا، وَيَزِيدَ مِنَ التَّلَطُّفِ مَعَهُمَا، وَلَا يُظْهِرَ كَلِمَةَ تَذَمُّرٍ أَمَامَهُمَا؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: )إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا(
                            سَابِعاً: الدُّعَاءُ لَهُمْ: فَتَدْعُو لَهُمْ بِطُولِ الْعُمُرِ فِي طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَدْعُو لَهُمْ بِالتَّوْفِيقِ وَالسَّدَادِ، وَأَنْ يُمَتِّعَهُمُ اللهُ بِالصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ، وَيُحْسِنَ لَهُمُ الْخَاتِمَةَ، وَتَدْعُو لَهُمْ بِأَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ قَالَ فِيهِمُ النَّبِيُّ حِينَمَا سُئِلَ عَنْ خَيْرِ النَّاسِ؟: فَقَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ ].
                            بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

                            الخطبة الثانية
                            الْحَمْدُ لِلَّهِ حَقَّ حَمْدِهِ, وَأَشْهَـدُ أَنَّهُ الْمُتَفَرِّدُ فِي مُلْكِهِ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ الَّذِي لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ, أَخُصُّ بِالْذِّكْرِ الْجَمِيلِ مِنْهُمْ: أَبَابَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيّاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَعَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَالصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
                            عِبَادَ اللهِ:
                            إِنَّ كِبَارَ السِّنِّ وَذَوِي الأَعْمَارِ الْمَدِيدَةِ يَعِيشُونَ مَرْحَلَةَ إِقْبَالٍ عَلَى الآخِرَةِ وَإِحْسَاسٍ بِدُنُوِّ الأَجَلِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَالطَّاعَةُ فِيهِمْ تَزِيدُ، وَالْخَيْرُ فِيهِمْ يَكْثُرُ، وَالْوَقَارُ عَلَيْهِمْ يَظْهَرُ.
                            رَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنِ الأَصْمَعِيِّ قَالَ: دَخَلَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَسْجِدَ فَرَأَى شَيْخاً كَبِيراً فَدَعَا بِهِ، قَالَ: يَا شَيْخُ أَتُحِبُّ الْمَوْتَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: بِمَ؟ قَالَ: ذَهَبَ الشَّبَابُ وَشَرُّهُ، وَجَاءَ الْكِبَرُ وَخَيْرُهُ، فَإِذَا قُمْتُ قُلْتُ: بِسْمِ اللهِ، وَإِذَا قَعَدْتُ قُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ يَبْقَى لِي هَذَا.
                            وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ t: أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ].

                            إِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الشَّبَابِ أَنْ يَتَّقُوا اللهَ جَلَّ وَعَلَا وَيُرَاقِبُوهُ بِمُرَاعَاةِ حُقُوقِ هَؤُلَاءِ الأَمْثَالِ الأَخْيَارِ، وَالأَفْضَالِ الأَبْرَارِ، أَهْلِ الإِحْسَانِ وَالطَّاعَةِ وَالْخَيْرِ وَالْعِبَادَةِ، أَهْلِ الــرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، وَالتَّسْبِيحِ وَالْتَّهْلِيلِ، وَالْحَمْدِ وَالإِنَابَةِ، وَلَا يَهْزَأْ شَابٌّ مِنْ شَيْخٍ كَبِيرٍ تَغَيَّرَتْ أَحْوَالُهُ مِنْ كَرِّ الزِّمَانِ عَلَيْهِ وَلَا يَسْخَرْ مِنْ شَيْبَتِهِ كَمَا نَسْمَعُ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الشَّبَابِ؛ فَإِنَّكَ أَيُّهَا الشَّابُّ إِنْ طَالَتْ بِكَ الْحَيَاةُ قَدْ تَصِلُ إِلَى مَا وَصَلَ إِلَيْهِ ذَاكَ الشَّيْخُ أَوْ أَسْوَأِ مِنْهُ؛ فَإِنَّ هَذِهِ سُنَّةُ الْحَيَاةِ، وَلَعَلَّهُ مَا مِنْ شَابٍّ أَكْرَمَ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ كِبَرِ سِنِّهِ.
                            أَلَا فَلْيَتَّقِ الشَّبَابُ اللهَ بِمَعْرِفَةِ حُقُوقِ آبَائِهِمْ وَأَكَابِرِهِمْ، وَحِفْظِ أَقْدَارِهِمْ وَمُرَاعَاةِ وَاجِبَاتِهِمْ، وَإِنَّا لَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَهْدِيَ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ يَرُدَّهُمْ إِلَى الْحَقِّ رَدّاً. وَنَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يُمَتِّعَ كِبَارَ السِّنِّ بِالصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ، وَأَنْ يَرْزُقُهَمْ صَلَاحَ الذُّرِّيَّةِ وَحُسْنَ الْعَاقِبَةِ، وَأَنْ يَخْتِمَ لَنَا وَلَهُمْ بِالْخَيْرِ وَالإِيمَانِ.

                            أَسْأَلُ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُبَارِكَ فِي كِبَارِ السِّنِّ، وَأَنْ يَحْفِظَهُمْ بِحِفْظِهِ, وَأَنْ يَتَوَلَّاهُمْ بِرِعَايَتِهِ، وَأَنْ يُوَفِّقَهُمْ بِتَوْفِيقِهِ، وَأَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ بِحُسْنِ الْخِتَامِ، وَطِيبِ الْعَمَلِ, وَسَدِيدِ الْقَوْلِ.
                            اللَّهُمَّ أَلْهِمْنَا رُشْدَنَا، وَقِنَا شَرَّ أَنْفُسِنَا، وَوَفِّقْنَا لِامْتِثَالِ أَمْرِكَ، وَاجْتِنَابِ نَهْيِكَ. اللَّهُمَّ! يَا مَنْ لَا تَضُرُّهُ الْمَعْصِيَةُ، وَلَا تَنْفَعُهُ الطَّاعَةُ: أَيْقِظْنَا مِنْ غَفْلَتِنَا، وَوَفِّقْنَا لِمَصَالِحِنَا، وَاعْصِمْنَا مِنْ قَبَائِحِنَا، وَلَا تُؤَاخِذْنَا بِمَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ ضَمَائِرُنَا مِنْ أَنْوَاعِ الْقَبَائِحِ وَالْمَصَائِبِ الَّتِي تَعْلَمُهَا مِنَّا، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِتَعْظِيمِ حُرُمَاتِكَ، وَارْزُقْنَا بِرَّكَ وَإِحْسَانَكَ، وَعُمَّنَا جَمِيعاً بِفَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِقَوْلِ الْحَقِّ وَاتِّبَاعِهِ، وَخَلِّصْنَا مِنْ وَسَاوِسِ قُلُوبِنَا الْحَامِلَةِ عَلَى التَّوَرُّطِ فِي هُوَّةِ الْبَاطِلِ وَابْتِدَاعِهِ، وَاجْعَلْ إِيمَانَنَا إِيمَاناً خَالِصاً صَادِقاً، وَكُنْ لَنَا نَاصِراً وَمُؤَيِّداً، وَلَا تَجْعَلْ لِفَاجِرٍ عَلَيْنَا يَداً، وَاجْعَلْ عَيْشَنَا عَيْشاً رَغَداً، وَلَا تُشْمِتْ بِنَا عَدُوّاً وَلَا حَاسِداً، وَارْزُقْنَا فِي مَحَبَّتِكَ عِلْماً نَافِعاً، وَرِزْقاً وَاسِعاً، وَعَمَلاً مُتَقَبَّلاً، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَ الْبِلَادِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِرِضَاكَ، اللَّهُمَّ ارْزُقْهُمَا الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ الَّتِي تُعِينُهُمَا عَلَى الْحَقِّ وَالْعَدْلِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَعْدَاءِ الدِّينِ، وَبِكُلِّ مَنْ أَرَادَ الإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ بِسُوءٍ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.






                            ************************************










                            تعليق

                            • سُلاف
                              مشرفة المواضيع الإسلامية
                              من مؤسسين الموقع
                              • Mar 2009
                              • 10535





                              بشـــائر لأهـــل البــلاء







                              الخطبة الأولى

                              أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وابتغُوا إليه الوسيلة، وراقِبوه، وأنيبُوا إليه، وتوكَّلُوا عليه، واذكروا وقوفَكم بين يديه، يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ

                              أيها المسلمون، عندما ينزل البلاء، وتحُلُّ المِحَن، وتُحدِقُ الخُطوب، تطيشُ أحلامُ فريقٍ من الناس، فيُذهِلُهم ما نزل بهم عن كثيرٍ من الحق الذي يعلمون، فتقعُ الحيرةُ، ويثورُ الشكُّ، وتُهجرُ الحقائق، وتُتَّبعُ الظُّنون، ويُحكَم على الأمور بغير علمٍ، ويُقضَى فيها بغير العدل، ويُنسَى أن سُنَّة الله في الابتلاء ماضيةٌ في خلقِه.
                              وهي سُنَّةٌ جاء حديثُ القرآن عنها جليًّا واضِحًا لا خفاء فيه، فقال ربُّنا سبحانه: الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ، وقال عز وجل: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ، وقال عزَّ اسمُه: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ

                              إنها -يا عباد الله- سُنَّةٌ ربَّانيةٌ عامَّة، لم يستثنِ الله منها أنبياءَه ورُسُلَه مع علُوِّ كعبِهم، ورِفعة مقامِهم، وشرفِ منزلتِهم، وكرمِهم على ربِّهم؛ بل جعلَهم أشدَّ الناس بلاءً، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" والترمذي والنسائي وابن ماجه في "سننهم" بإسنادٍ صحيحٍ عن سعد بن أبي وقاصٍ أنه قال: قلتُ: يا رسول الله، أيُّ الناس أشدُّ بلاءً؟ قال: «أشدُّ الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثلُ فالأمثل، يُبتلَى الرجلُ على حسب دينِه؛ فإن كان في دينِه صُلبًا اشتدَّ بلاؤُه، وإن كان في دينِه رِقَّةٌ ابتُلِي على قدرِ دينِه، فما يبرَحُ البلاءُ بالعبدِ حتى يتركَه يمشِي على الأرضِ وما عليه خطيئةٌ».
                              وقد نزل برسولِ الله من هذا البلاء أعظمُه، وحسبُكم ما نالَه من أذى قومِه، وتكذيبِهم له، واستِهزائِهم به، وصدِّهم الناس عن دينِه، وحملِهم له على مُفارقة وطنِه، وإعلان الحربِ عليه، وتأليبِ الناس عليه وعلى دعوتِه، وغزوِهم دار هجرته ومقرَّ أهلِه وصحابتِه؛ للقضاء عليه ووأد دينِه واستئصال شأْفَته، ومُمالأة أعدائِه من اليهود والمُنافقين في المدينة عليه، وكيد هؤلاء جميعًا له، ومكرهم به، ونقضِهم ميثاقَهم الذي واثقَهم به، والتحالُف مع المشركين على حربِه، وسعيِهم إلى قتلِه غِيلةً وغدرًا.
                              فكان صلوات الله وسلامُه عليه كمثل الذين سبَقوه على درب المِحن والابتلاء من النبيين، ثابتًا على المِحَن، صابِرًا على البلاء، مُجاهِدًا في الله حقَّ جِهادِه، حتى أتاه نصرُ الله ودخل الناسُ في دينِ الله أفواجًا، وأكمل الله الدين، وأتمَّ على عباده النعمة، وغمَرَت أنوارُ الهداية أقطارَ النفوس، وخالطَت بشاشةُ الإيمان القلوبَ. ولحِق النبي بربِّه راضِيًا، قريرَ العين، تارِكًا في أمته من بعده شيئين ما إن تمسَّكوا بهما لن يضِلُّوا أبدًا: كتاب الله، وسنَّته عليه الصلاة والسلام .

                              عباد الله، إن انتهاج هذا النَّهج في الصبر على البلاء والثبات للمِحَن، إنما هو لكمال اليقين بأن الله تعالى لم يكتُب على عباده البلاء إلا لحِكَم عظيمة ومقاصِد جليلة، تربُو على الحصر، وتجِلُّ على العدِّ.
                              وإن من أجلِّ ذلك -كما قال ابن القيم رحمه الله- أن يمتحِنَ الله صبرَ عبدِه، فيتبيَّن حينئذٍ صلاحُه لأن يكون من أوليائِه، وأن يُعدَّ من حزبِه، فإن ثبتَ للخُطوب وصبرَ على البلاء اصطفاه الله واجتباه، وخلعَ عليه خِلَع الإكرام، وألبَسَه ألبِسَة الفضل، وكساه حُلَل الأجر، وغشَّاه أغشِيَة القبول، وختمَ له بخاتمة الرِّضوان، وجعل أولياءَه وحزبَه خدمًا له وعونًا.
                              وإن انقلبَ على وجهِه، ونكصَ على عقِبَيه؛ طُرِد وأُقصِيَ، وحُجِب عنه الرِّضَا، وكُتِب عليه السَّخَط، وتضاعَفَت عليه أثقال البلاء، وهزمَتْه جيوش الشقاء، وهو لا يشعرُ في الحال بضعفٍ ولا بهزيمةٍ، لكنه يعلم بعد ذلك أن المُصيبةَ صارَت في حقِّه مصائب.
                              وما بين هاتين المنزلتَين -وهي منزلة الصبر ومنزلة السخَط- صبرُ ساعة، وتشجيعُ القلب في تلك الساعة، والمُصيبةُ لا بُدَّ أن تُقلِع عن هذا وهذا، ولكن تُقلِع عن هذا بأنواع الكرامات والخيرات، وعن الآخر بالحِرمان والخذلان؛ لأن ذلك تقديرُ العزيز العليم، وفضلُ الله يُؤتيه من يشاءُ، والله ذو الفضل العظيم، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي وابن ماجه في "سننهما" بإسنادٍ حسنٍ عن أنس بن مالك أنه قال: قال النبيُّ : «إن عِظَم الجزاء مع عِظَم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم؛ فمن رضِيَ فله الرِّضا، ومن سخِطَ فله السَّخَط».
                              فلا غرْوَ أن كان عطاءُ الصبر -يا عباد الله- خيرَ ما يُعطَى العبد، كما جاء في "الصحيحين" عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ أن رسولَ الله قال: «ما أُعطِيَ أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسعَ من الصبر».
                              ألا وإن من أعظم حِكَم الابتلاء -يا عباد الله- تحقيقَ العبودية لله؛ فإن الله تعالى يُربِّي عبدَه على السرَّاء والضرَّاء، والنعمة والبلاء، حتى يستخرِجَ منه العبودية في جميع الأحوال؛ إذ العبدُ على الحقيقة هو القائِمُ بعبوديَّة الله على اختلاف أحوالِه.
                              أما عبدُ النعمة والسرَّاء الذي يعبُد الله على حرفٍ هو الشكُّ والقلقُ والتزلزلُ في الدين، أو على حالٍ واحدةٍ؛ فإن أصابَه خيرٌ اطمأنَّ به، وإن أصابَتْه فتنةٌ انقلَبَ على وجهِه، فهذا ليس من عبيدِه الذين اختارهم سبحانه لعبوديَّته، وشرَّفهم بها، ووعدَهم بحُسن العاقِبَة عليها.
                              ومن حِكَم الابتلاء أيضًا: أن تكون للعبد عند ربِّه منزلةٌ رفيعةٌ ومقامٌ كريمٌ، لا يبلُغها بأعماله؛ فيكون البلاء سببًا لبلوغه إياها، كما جاء في الحديث عن أبي هريرة أنه قال: قال رسولُ الله : «إن الرجلَ ليكونُ له عند الله المنزِلة، فما يبلُغُها بعملٍ، فما يزالُ يبتَليه بما يكرَه حتى يُبلِّغَه إياها» أخرجه أبو يعلى في "مسنده" وابن حبان في "صحيحه" بإسنادٍ حسنٍ.
                              ولهذا كان الابتلاء من الخير الذي أرادَه الله بعبدِه وكتبَه له وإن لم يظهَر له ذلك، كما في حديث أبي هريرة أن رسولَ الله قال: «من يُرِد الله به خيرًا يُصِب منه» أي: يُنزِل به مُصيبة ويبتلِيه ببلاءٍ. أخرجه البخاري في "صحيحه".
                              فالابتلاء -أيها الإخوة- كِيرُ القلوب، ومِحكُّ الإيمان، وآيةُ الإخلاص، وشاهد الإذعان، ودليلُ التسليم لله رب العالمين، وهو كالدواء النافع يسوقُه إلى المريض طبيبٌ رحيمٌ به، ناصحٌ له، عليمٌ بمصلحته. فحقُّ المريض العاقل الصبرُ على تجرُّع صابِه وعلقمِه، وأن لا يتقيَّأه بالسَّخَط والشكوى.
                              ألا فبُشرى ثم بُشرى لأولئك الذين نزل بساحتِهم البلاء من أهل الإسلام في فلسطين، وسورية، وبورما، وإفريقيا الوسطى، وغيرها، فأُخرِجوا من ديارهم وأموالهم، واستُبيحَت حُرماتُهم، وضاقَت عليهم الأرضُ بما رحُبَت؛ فإن عاقبةَ الله -إن شاء الله- هي منَّةُ الله بالنصر والتمكين في الدنيا، ونزول رفيع الجِنان في الآخرة، فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا .
                              نفعني الله وإياكم بهديِ كتابه، وبسُنَّة نبيِّه ، أقولُ قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافَّة المسلمين من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.



                              الخطبة الثانية
                              إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ.

                              أما بعد: فيا عباد الله، إن للثبات عند نزول البلاء ووقوع المِحَن أسبابًا تُعين عليه، وتُذلِّلُ السبيل إليه، ومن أعظمها: صِدقُ اللُّجوء إلى الله تعالى، وكمالُ التوكُّل عليه، وشدَّةُ الضراعة والإنابة إليه، وصِدقُ التوبة بهجر الخطايا والتجافِي عن الذنوب؛ فما نزل بلاءٌ إلا بذنبٍ، وما رُفِع إلا بتوبة. كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب .
                              ومنها: النظرُ في أخبار الذين نزل بهم البلاء، وألمَّت بهم المصائب؛ من الأنبياء والمُرسلين، وعباد الله المُخلَصين؛ للتعزِّي بأحوالهم، والتأسِّي بصبرِهم وتسليمِهم الذي كان ديدنَهم وهِجِّيراهم ودأبَهم ومنهاجهم عند نزول البلاء.
                              ومنها: تحسينُ الظنِّ بالإخوة في الدين، لا سيَّما منهم أهل العلم والفضل، بحمل أقوالهم وأعمالهم على أحسن المحامِل، وكذا الرجوع إلى الراسِخين في العلم باستِيضاح ما يُشكِل والسُّؤال عما يُجهَل.
                              ومنها: الحذرُ من الإعجابِ بالرأيِ، واجتِنابُ التعجُّل في إطلاق الأحكام، والمُسارعة إلى تعليل أو تفسير المواقِف باتباع الأهواء، أو بالوقوع تحت تأثير ما يُسمَّى بالتحليلات على اختلاف أنواعها وتعدُّد مصادرها؛ إذ هي قائمةٌ في الأعمِّ الأغلبِ على المصالِح والمطامِح والأهواء، فيقِلُّ فيها الصدقُ، ويكثُر الكذبُ والخطأ والظلمُ.
                              ومنها: تركُ القِيل والقال الذي كرِهَه الله لعباده، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان في "صحيحيهما" عن المُغيرة بن شعبة أن رسولَ الله قال: «إن الله تعالى حرَّم عليكم عقوقَ الأمهات، ووأد البنات، ومنعًا وهات، وكرِه لكم قِيل وقال، وكثرةَ السُّؤال، وإضاعةَ المال».
                              ويدخلُ فيه: التحديثُ بكل ما يسمعه المرءُ، كما جاء في الحديث الذي أخرجه مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة أن النبي قال: «كفَى بالمرءِ إثمًا أن يُحدِّث بكل ما سمِع».

                              وإنه إذا كان حرِيًّا بالمسلم اتباعُ هذا المنهَج الراشِد في كل حين؛ فإن اتباعَه في أوقات المِحَن ونزول البلاء أشدُّ تأكُّدًا وأعظمُ وجوبًا.
                              فاتقوا الله عباد الله، وسَلُوا الله العافية من كل بلاءٍ، واشكرُوه على السرَّاء والضرَّاء.

                              وصلُّوا وسلِّموا على خاتم الرسل والأنبياء




                              *************************************************


                              من خطب المسجد الحرام لفضيلة الشيخ أسامة بن عبد الله خياط










                              تعليق

                              • سُلاف
                                مشرفة المواضيع الإسلامية
                                من مؤسسين الموقع
                                • Mar 2009
                                • 10535






                                أيحسب الإنسان أن يترك سدىً








                                الحمد لله ربِّ الأرباب، مُسبِّبِ الأسباب ومُنْزِلِ الكتاب، حَفِظَ الأرض بالجبال من الاضطراب، و قهر الجبّارين وذلّلَ الصعاب، و سَمِعَ خفيَّ النطقِ و مهموسَ الخطاب، أنزلَ القرآن يحث فيه على ترك الذنوب و اكتساب الثواب وقال فيه: (كتابٌ أنزلناه إليك مباركٌ ليدَّبروا آياته و ليتذكّرَ أولوا الألباب)

                                أحمده تعالى إنه العزيز التواب وأصلّي وأسلم على رسوله محمدٍ النبيِّ الأواب، وعلى صاحبه أبي بكر خيرِ الأصحاب، وعلى عمر الذي إذا ذكر في مجلس طاب، وعلى عثمان المقتول ظلماً و ما تعدى الصواب، و على عليٍّ البدرِ يوم بدرٍ والصَّدر يوم الأحزاب، وعلى عمه العبّاس الذي نسبه أشرف الأنسابِ، اللهم يا من ذلّت له جميعُ الرقاب، و جرَت بأمره الريح والسحاب، احفظنا في الحال و المآب، وألهمنا التزود قبل أن ندخل تحت التراب، ارزقنا الاعتبار بسالفي الأتراب، وأرشدنا عند السؤال إلى صحيح الجواب، ونجّنا من العذاب يوم البعثِ والحساب واغفر لشيبنا والشباب، وارزقني و الحاضرين عمارة القلوب من الخراب، برحمتك نستغيث يا كريم يا وهّاب. اللهمَّ صلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ، اللهُمَّ زِدْهُ شَرَفًا وَتَعْظِيمًا، اللهُمَّ تَوَفَّنَا عَلَى صِرَاطِكَ المُستَقِيم. اللهمَّ وَثَبِّتْنا عَلَى الدِّينِ القَوِيمِ.

                                أما بعدُ أيها الأحبةُ المسلمونَ، اتَّقُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى فِي القُرءَانِ الكَريمِ: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أولئِكَ كَانَ عنهُ مَسئُولاً)

                                أَحِبَّتِي نحنُ مَا خُلِقْنَا في هذهِ الدنيا لِنَنْشَغِلَ عَنْ طَاعَةِ اللهِ بِخَرَابٍ زَائِلٍ وَلا بِحُطامٍ زَائِلٍ ولا بِثِيابٍ تذهَبُ إلَى المزَابِلِ وَلا بِفِرَاشٍ تَأكُلُه النارُ فَيَصِيرُ رَمَادًا وَلا بِطَعَامٍ يَتَحَوَّلُ إِلَى قَذَرٍ تَعَافُه النَّفْسُ، بَلِ اللهُ تَعالَى خَلَقَنَا لِيَأْمُرَنَا بِطَاعَتِهِ وَهُوَ الرَّبُّ المعبودُ، عَلِمَ بِعِلْمِهِ الأَزَلِيِّ أنَّ مِنَ العِبادِ مَنْ سَيَكونُ طَائِعًا وأنَّ منَ العبادِ من سيكونُ مُكَذِّبًا مُعَانِدًا، أَعَدَّ الجنةَ لِعِبَادِهِ المؤمنِينَ وأَعَدَّ النارَ وَما فِيها مِنَ عَذابٍ أليمٍ لِلَّذينَ كَذَّبوا اللهَ وَأنْبِياءَه، فنَحْنُ لَسْنَا كالبَهَائِمِ نَأْكُلُ ونشرَبُ وَنَسْرَحُ وَنَمْرَحُ كَالأَنْعَامِ، نحنُ لسنا كالبَهائِمِ للأَكْلِ وَالشربِ والنَّومِ بِلِ اللهُ تعالَى خلقَنا لِيَأْمُرَنا بِطَاعَتِه وَيَنْهَانَا عَنْ مَعْصِيَتِهِ فَإِنَّ مَنْ لمَ يَعْرِفْ هذا، لَمْ يَعْرِفْ لِما خُلِقَ، أليسَ اللهُ تعالَى يقولُ في القُرءانِ الكَرِيم: ﴿أيحسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾ سورةُ القِيامة .
                                كثيرونَ أولئكَ الذينَ ما عَرَفُوا لِمَا خُلِقُوا فَتَرَاهُمْ يَنْطَبِقُ عليهِمْ حديثُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “إنَّ اللهَ يُبْغِضُ كُلُّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظ سَخَّابٍ بِالأَسْوَاقِ جِيفَةٍ بِالليلِ، حِمَارٍ بِالنَّهَارِ، عَارِفٍ بأَمْرِ الدُّنْيَا جَاهِلٍ بِأَمْرِ الآخِرَةِ”، هَذا الصِّـنفُ مِنَ النَّاسِ كثيرٌ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿وقليلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُور﴾.
                                واللهُ تَعالَى عَلِمَ أَنَّ مِنْ عِبادِهِ المسلِمِينَ مَنْ سَيَكُونُ وَلِيًا تَقِيًا صَالِحًا، وَأَنَّ مِنْ عِبادِهِ المسلمينَ مَنْ سَيَكونُ فَاسِقًا عَاصِيًا مُذنِبًا، فَمِنَ الناسِ مَنْ يَعصِي الإِلَهَ بِأُذُنَيْهِ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْصِي اللهَ بِعَيْنَيْهِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْصِي الإِلَهَ بِيَدَيْهِ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْصِي الإِلَهَ بِرِجْلَيْهِ، وَرَبُّ العِبَادِ يَقُولُ: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أولئِكَ كَانَ عنهُ مَسئُولاً﴾ سورةُ الإسراءِ .
                                وَمِنَ الناسِ من يَعْصِي الإِلَهَ بِلِسَانِه: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ سورة ق/ . أمَّا المسلِمُ الكَامِلُ التَّقِيُّ الصالِحُ هُوَ الذِي عَنَاهُ رَسولُ اللهِ بِقَولِه عَلَيهِ الصلاةُ والسَّلامُ: “المسلمُ مَنْ سَلِمَ المسلِمُونَ مِنْ لِسَانِه وَيَدِه” أي المسلِمُ الكَامِلُ هو الذِي كَفَّ أَذاهُ عَنِ المسلمِينَ وغَيْرِ المسلِمينَ فَلَمْ يُؤْذِهِم بغيرِ حَقٍّ لا بِلِسانِه وَلا بِيَدَيْهِ وَلا بِغَيرِ ذلكَ فَمَنْ عَصَى اللهَ تَعالَى مِنَ المسلمينَ بِحَيْثُ لَمْ يَصِلْ إلَى مرتَبَةِ الكُفرِ كَمَنْ تَرَكَ صَلاةً مُتَكَاسِلاً أَوْ أَفْطَرَ في رمضانَ وجاهَرَ بذلكَ أو كانَ عاقًّا لأُمِّهِ أَوْ لأَبِيهِ أو كانَ ءاكِلَ مَالِ اليَتِيمِ ظُلْمًا أَوْ ءاكِلَ مَالِ الرِّبَا أَوْ شَارِبَ خَمْرٍ أَوْ زَانِيًا أَوِ انْتَحَرَ بِأَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ أَوْ تَحَسَّى سُمًّا أَوْ تَرَدَّى مِنْ عُلْوٍ عَمْدًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْتَرِضَ على اللهِ بِقَلْبِهِ إِنَّمَا كما لو كانَ وَقَعَ فِي فَضِيحَةِ زِنا أَوْ كَمَا لَوِ ارْتَكَبَتْهُ الدُّيونُ والنَّاسُ يُطالِبُونَهُ فَقَتَلَ نَفْسَهُ وَانْتَحَرَ لِمُجَرَّدِ هذِهِ الذُّنُوبِ لا يَكونُ المسلِمُ كافِرًا لا يَصِيرُ بِها المسلِمُ كافِرًا. أَمَّا أَنْ يَفْعَلَ الإِنْسَانُ مَا يُحَرِّكُه الشيطانُ إليهِ مِنْ مُحَرَّماتٍ وتَرْكِ الوَاجِباتِ فَلْيَتَذَكَّرْ كُلٌّ مِنَّا قولَ اللهِ تعالَى: ﴿أيحسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾، وقد قالَ عليهِ الصَّلاةُ والسلامُ: “مَنِ اسْتَمَعَ إلى حَديثِ قَوْمٍ وهم له كَارِهُونَ صُبَّ في أُذُنَيْهِ الآنُكُ يَوْمَ القِيامَةِ”. أَيِ الرَّصاصُ المُذَابُ. أليسُ قالَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم هذا الحديثَ؟! بَلى، هذا فيهِ بيانُ مَعْصِيَةِ الأُذُنِ. أليسَ قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “وَزِنَا العَيْنِ النَّظَرُ”؟! بَلَى. هَذَا مَعْنَاهُ فِيهِ بَيَانُ مَعْصِيَةِ العَيْنِ، أَلَيْسَ قَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “المسلِمُ مَنْ سَلِمَ المسلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ” ؟ هَذا فِيهِ بَيانُ مَعْصِيَةِ اليَدِ وَاللسَانِ، فَيَا أَيُّها الإِنسانُ اعْمَلْ لآخِرَتِكَ كَأَنَّكَ تَمُوتُ غَدًا وَاحْرِصْ عَلَى أَنْ تَتَزَوَّدَ مِنْ زَادِ الآخِرَةِ قَبْلَ أَنْ يُفَاجِئَكَ مَلَكُ الموتِ فَإِنَّ عزرائيلَ لا يَسْتَأْذِنُ عَلَى أَحَد، لا يترُكُ صَغِيرًا رَضِيعًا كَمَا لا يَتْرُكُ رَجُلاً صَحِيحًا قَوِيًّا فيأخُذُ الشِّيبَ وَالشيوخَ وَالعُجَّزَ وَالْمَرْضَى فِي المستَشْفَيَاتِ فَكَمْ مِنْ صَحِيحٍ مَاتَ مِنْ غَيرِ عِلَّةٍ وَكَمْ مِنْ أَحْفَاد مَاتُوا قَبْلَ أَجْدَادِهِمْ فَهَيِّؤُوا الزَّادَ لِيَوْمِ المَعَادِ، وَالزَّادُ لا بُدَّ لَهُ مِنْ طَلَبِ علمِ الدِّينِ فَالعِلْمُ يَحْرُسُكَ وَالمَالُ أَنْتَ تَحْرُسُهُ، كَثِيرُونَ من الناس بدَلاً مِنْ أَنْ يَكُونُوا حَرِيصِينَ علَى التَّزَوُّدِ بِمَا يَنْفَعُهم لآخَرِتِهِم تَرَاهُم يَتَكَالَبُونَ وَيَلْهَثُونَ وَيترُكونَ مَا يَنْفَعُهُم فِي قُبورِهِم وَإِذَا مَا دَفَنَهُمْ أَهلوهُم وَأَلْقَوْا علَيهِمُ الترابَ، وَانْهَالَ عليهِمُ التُّرابُ، وصارُوا تَحتَ التُّرابِ عَادَتْ إِلَيْهِمْ أَرْوَاحُهم وَإِنَّهُم لَيَسْمَعُونَ قَرْعَ نِعالِهم إذا انصَرفُوا أَتاهُمْ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ، يُقَالُ لأحَدِهِما مُنكرٌ وَلِلآخَرِ نَكيرٌ، مُنكرٌ معناهُ هذهِ الهيئَةُ غيرُ مَعروفَةٍ هَيْئَـتُهُما غَيْرُ مَعروفَةٍ هيئَتُهُما تَخْتَلِفُ عَنْ سَائِرِ الملائِكَةِ وَعنِ الإِنْسِ والجِنِّ. هذا مَعْنَى مُنكر ولَيسَ مَعناهُ باطِل، فَيُقْعِدانِه فَيُجْلِسَانِه فَيَسْأَلانِه: “مَنْ رَبُّكَ، مَا دِينُكَ، مَنْ نَبِيُّكَ”، المسلمُ لو ماتَ مَقْطُوعَ اللسانِ يقولُ: “رَبِّي اللهُ، وَدينِي الإسلامُ، ومُحَمَّدٌ نَبِيِّي صلى الله عليه وسلم جاءَنا بِالهُدَى والبَيِّنَاتِ، فأما الذينَ كَذَّبُوا اللهَ وَرُسُلَهُ وَعانَدُوا القُرءانَ العظيمَ يأتِيهِمْ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ أي لونُهُما ليسَ مِنَ الأَسْودِ الخالِصِ بل مِنَ الأَسودِ الممزُوجِ بالزُّرقَةِ وَهذا أخوفُ ما يكَونُ مِنَ الأَلْوانِ، فيكونُ الفَزَعُ في قلوبِهِم قَد تَمَلَّكَهُم، فَيَقُولانِ لِهذا المكذِّبِ “ما كُنْتَ تقولُ في هَذَا الرَّجُلِ مُحمدٍ؟ فَيقُولُ: “لا أدْرِي كنتُ أَقُولُ كمَا يَقُولُ الناسُ” فيقولانِ لَهُ: “لا دَرَيْتَ وَلا تلَيْتَ” فَيَضْرِبَانِهِ بِمِطْرَقَةٍ بينَ أُذُنَيْهِ فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ حَوْلَهُ غير الإِنْسِ والجِنِّ. اعمَلْ لِقَبْرِكَ، القبرُ صندوقُ العمَلِ، اعمَلْ عمَلاً يُنْجِيكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، اعمَلْ عَمَلا يُنجِيكَ وقتَ السؤالِ، اعمَلْ عَمَلاً يَقِيكَ مِنْ هَوامِّ القبرِ وَحَشَراتِه. هذا و استغفر الله لي و لكم.

                                الخطبة الثانية

                                أَيَحْسَبُ الإِنسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى‏

                                إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنـا ومن سيئـات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضد ولا ند له، وأشهد أنّ سيّدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرّة أعيننا محمّدًا عبد الله ورسوله وصفيّه وحبيبه، صلى الله وسلم عليه وعلى كل رسول أرسله.

                                أما بعد عباد الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم القائل في محكم كتابه: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾.

                                إخوة الإيمان ، أخرج أبو داود قصة الرجل الذي كانت برأسه شجّة (أي كان برأسه جرح) فأجنب في ليلة باردة (وجب عليه الاغتسال في ليلة باردة) فاستفتى من معه (وكانوا ليسوا أهلاً للسؤال) فقالوا له: اغتسل ، فاغتسل فمات فأُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “قتلوه قتلهم الله، ألاّ سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العيِّ السؤال” . أي شفاء الجهل السؤال .

                                وقال عليه الصلاة والسلام: “إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه خرقةً ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده“.

                                ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ لا تقل قولاً بغير علم لأن من معاصي اللسان التي هي من الكبائر أن يفتي الشخص بفتوى بغير علم، وقد صحّ وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سُئل عن بعض الأشياء فقال: “لا أدري” ثم سأل جبريل فقال: “لا أدري أسأل ربّ العزة” فسأل الله تعالى فعلّمه جواب ذلك السؤال، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له ماذا علّمه ربه، وهذا السؤال كان عن خير البقاع وشر البقاع، وفي لفظ عن خير البلاد وشرها. فقال جبريل عليه السلام: “خير البلاد المساجد” وفي لفظ: “خير البقاع المساجد وشرّ البقاع الأسواق“.

                                وقد قال عليه الصلاة والسلام: “من أفتى بغير علم لعنته ملائكة السماء والأرض” .

                                وقال صلى الله عليه وسلم: “من أفتى بغير علم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين”

                                فكم وكم من الناس يهلكون أنفسهم ويهلكون غيرهم بسبب فتوى بغير علم ، بسبب فتوى ما أنزل الله تعالى بها من سلطان .

                                لذلك أخي المسلم إن سئلت عن مسئلة ما ثبت لك فيها نقل ، ما سمعت بها قل : لا أدري . وتذكّر قول الله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾.

                                وقد قال بعض الصحابة: “أجرؤكم على الفتوى أجرؤكم على النار“.

                                فمن سئل عن مسئلة ولم يكن عنده علم بحكمها فلا يغفل كلمة لا أدري. فقد جاء عن مالك رضي الله عنه أنه سئل ثمانية وأربعين سؤالاً فأجاب عن ستة وقال عن البقية لا أدري .

                                وروي عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه سئل عن شىء فقال: “وابردها على الكبد أن أسأل عن شىء لا علم لي به فأقول لا أدري”.

                                فإذا كان هذا حال أعلم الصحابة علي رضي الله عنه الذي قال سيدنا عمر رضي الله عنه فيه: “نعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن” فكيف حال من سواه .

                                واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ سورة الأحزاب، اللّـهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدَنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ.

                                اللـهم اهـدِنا فيمَن هـديت .. وعافـِنا فيمـَن عافـيت .. وتولنا فيمن توليت .. وبارك لنا فيما أعطيت .. وقِـنا شـر ما قضيت .. انك تقضي ولا يـُقضى عليك.. اٍنه لا يذل مَن واليت .. ولا يعـِـزُ من عاديت .. تباركت ربنا وتعـاليت .. لك الحمد على ما قـضيت .. ولك الشكر على ما أعـطيت .. نستغـفـُرك اللـهم من جميع الذنوب والخطـايا ونتوب اٍليك. اللهم أقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معـصيتك .. ومن طاعـتك ما تبلّـغـُـنا به جنتَـك .. ومن اليقـين ما تُهـّون به عـلينا مصائبَ الدنيا .. ومتـّعـنا اللهم باسماعِـنا وأبصارِنا وقـواتـِنا ما أبقـيتنا .. واجعـلهُ الوارثَ منـّا .. واجعـل ثأرنا على من ظلمنا.. وانصُرنا على من عادانا .. ولا تجعـل مصيبـتَـنا في ديـننا .. ولا تجعـل الدنيا أكبرَ هـمِنا .. ولا مبلغَ علمِنا .. ولا اٍلى النار مصيرنا .. واجعـل الجنة هي دارنا .. ولا تُسلط عـلينا بذنوبـِنا من لايخافـُـك فينا ولا يرحمـنا..وأعـتـق رقابنـا من النـار …. اللـهم تـقبـل منـا اٍنك أنت السميـع العـليم .. وتُب علينا اٍنك أنت التواب الرحيم اللهـم أحـسِـن عاقبتنا في الأمـور كلـها .. وأجـرِنا من خِـزي الدنيا وعـذاب الآخـرة اللهـم اٍنا نسألك اٍيمانـًا كاملاً .. ويقـينـًا صادقـًا .. وقـلبًا خاشعًا ..ولسانًا ذاكرًا ..وتوبة نصوحة.. وتوبة قبل الموت .. وراحة عند الموت .. والعـفـو عـند الحساب .. ونسألك الجنةَ ونعـيمَها .. ونعـوذ بك من النار .. يارب العـالمين. يا ذا الجلال والاكـرام. اللهم اغـفـر لنا ذنوبنا … اللهُـم اٍنا نسألك عـيشةً نقـيةً .. وميتةً سويةً .. ومـَرَداً غـير مخـزٍ ولا فـاضِـح اللـهُم اٍنا نعـوذ ُ بك من زوال نعـمتِك .. وتحـوّل عافيتـِك .. وفَجأةِ نِقـمتـِك .. وجميعِ سَخطـِك اللـهم اٍنا نعـوذ ُ بك من يومِ السوء .. ومن ليلةِ السوء .. ومن ساعةِ السوء .. ومن صاحبِ السوء .. ومن جـار السوء. اللـهم اٍنـا عـبيدُك .. بنو عبيدك ..بنو اٍمائك .. نواصِـينا بيدك .. ماضٍ فـينا حُكمك .. عـدلٌ فينا قضاؤك .. نسألك بكلِ اسم هـو لك .. سمّيتَ به نفـسَـك .. أو أنزلتـَهُ في كتابك .. أو عـلّمته أحـداً من خلقـِك .. أو استأثرت به في عـِلم الغـيبِ عندك .. أن تجعـل القرآن الكريم ربيعَ قلوبنا .. ونورَ صدورنا ..وجَلاء حُـزننا .. وذهاب هـمِنا وغـمِنا . ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة و في اللآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عبادَ اللهِ ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاة.






                                *************************************************











                                تعليق

                                مواضيع شائعة

                                تقليص

                                لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                                جاري المعالجة..
                                X