منصة زاجل الإجتماعية

تقليص

مختارات من خطب الجمعة

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سُلاف
    مشرفة المواضيع الإسلامية
    من مؤسسين الموقع
    • Mar 2009
    • 10535



    آداب المـــزاح في الإســـلام



    إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هاديَ له .

    وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدّين .

    أما بعد , فيا أيّها النّاس اتّقوا الله تعالى حقّ التقوى .

    فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ - وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ – ﴿ إِنَّ لِلمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِم جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾.

    أَيُّهَا المُسلِمُونَ:


    فإن الإنسان مدني بطبعة، ومع اتساع المدن وكثرة الفراغ لدى بعض الناس، وانتشار أماكن التجمعات العامة كالمنتزهات والاستراحات، وكثرة الرحلات البرية، والاتصالات الهاتفية، واللقاءات المدرسية، والتجمعات الشبابية، توسع كثير من الناس في المزاح مع بعضهم البعض، دون ضابط لهذا الأمر الذي قد يؤدي إلى المهالك، ويورث العداوة والبغضاء.


    والمراد بالمزاح: الملاطفة والمؤانسة، وتطييب الخواطر، وإدخال السرور. وقد كان هذا من هدي النبي كما ذكر ذلك البخاري في باب الانبساط إلى الناس مستدلاً بحديث: { يا أبا عمير ما فعل النغير }.


    وكذلك ما رواه أبو داود عن أنس أن رجلا أتى النبي فقال: يا رسول الله احملني. فقال النبي : { إنا حاملوك على ولد الناقة } قال وما أصنع بولد الناقة؟ فقال النبي : { وهل تلد الإبل إلا النوق }.


    وعن أنس أن النبي قال له: { يا ذا الأذنين } يمازحه


    ولا شك أن التبسط لطرد السأم والملل، وتطيب المجالس بالمزاح الخفيف فيه خير كثير، قال ابن تيمية رحمه الله: " فأما من استعان بالمباح الجميل على الحق فهذا من الأعمال الصالحة"، وقد اعتبر بعض الفقهاء المزاح من المروءة وحسن الصحبة، ولاشك أن لذلك ضوابط منها:


    1- ألا يكون فيه شيء من الإستهزاء بالدين:


    فإن ذلك من نواقض الإسلام قال تعالى: وولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ، قال ابن تيمية رحمه الله: "الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه".


    وكذلك الاستهزاء ببعض السنن، ومما انتشر كالإستهزاء باللحية أو الحجاب، أو بتقصير الثوب أو غيرها.


    قال فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين - رحمة الله "فجانب الربوبية والرسالة والوحي والدين جانب محترم لا يجوز لأحد أن يبعث فيه لا باستهزاء، ولا بإضحاك، ولا بسخرية، فإن فعل فإنه كافر، لأنه يدل على استهانته بالله عز وجل ورسله و كتبه وشرعه، وعلى من فعل هذا أن يتوب إلى الله عز وجل مما صنع، لأن هذا من النفاق، فعليه أن يتوب إلى الله ويستغفر ويصلح عمله ويجعل في قلبه خشية الله عز وجل وتعظيمه وخوفه ومحبته، والله ولي التوفيق".


    2- ألا يكون المزاح إلا صدقا:


    قال : { ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له }

    وقال محذرا من هذا المسلك الخطير الذي اعتاده بعض المهرجين: { إن الرجل ليتكلم بالكلمة ليضحك بها جلساءه يهوي بها في النار أبعد من الثريا }


    3- عدم ا لترويع:


    خاصة ممن لديهم نشاط وقوة أو بأيديهم سلاح أو قطعة حديد، أو يستغلون الظلام وضعف بعض الناس ليكون ذلك مدعاة إلى الترويع والتخويف، عن ابن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد أنهم كانوا يسيرون مع النبي ، فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع، فقال رسول : { لا يحل لمسلم أن يروع مسلما }

    4- الإستهزاء والغمز و اللمز:


    الناس مراتب في مداركهم وعقولهم وتتفاوت شخصياتهم، وبعض ضعاف النفوس - أهل الاستهزاء والغمز واللمز - قد يجدون شخصا يكون لهم سلما للإضحاك والتندر - والعياذ بالله - وقد نهى الله عز وجل عن ذلك فقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان [الحجرات:11]، قال ابن كثير في تفسيره: "المراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم والإستهزاء بهم، وهذا حرام، ويعد من صفات المنافقين".


    والبعض يستهزي بالخلقة أو بالمشية أو المركب ويخشى على المستهزىء أن يجازيه الله عز وجل بسبب استهزائه قال : { لا تظهر الشماتة بأخيك، فيرحمه الله ويبتليك }


    وحذر من السخرية والإيذاء؛ لأن ذلك طريق العداوة والبغضاء قال : { المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ها هنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات - بحسب إمرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام؟ دمه، وماله، وعرضه }

    5- أن لا يكون المزاح كثيرا:


    فإن البعض يغلب عليهم هذا الأمر ويصبح ديدنا لهم، وهذا عكس الجد الذي هو من سمات المؤمنين، والمزاح فسحة ورخصة لاستمرار الجد والنشاط والترويح عن النفس.


    قال عمر بن عبد العزيز - رحمه الله -: "اتقوا المزاح، فإنه حمقة تورث الضغينة".


    قال الإمام النووي - رحمه الله -: "المزاح المنهي عنه هو الذي فيه إفراط ويداوم عليه، فإنه يورث الضحك وقسوة القلب، ويشغل عن ذكر الله تعالى: ويؤول في كثير من الأوقات إلى الإيذاء، ويورث الأحقاد، ويسقط المهابة والوقار، فأما من سلم من هذه الأمور فهو المباح الذي كان رسول الله يفعله".


    6- معرفة مقدار الناس:


    فإن البعض يمزح مع الكل بدون اعتبار، فللعالم حق، وللكبير تقديره، وللشيخ توقيره، ولهذا يجب معرفة شخصية المقابل فلا يمازح السفيه ولا الأحمق ولا من لا يعرف.


    وفي هذا الموضوع قال عمر بن عبد العزيز: "اتقو المزاح، فإنه يذهب المروءة".


    وقال سعد بن أبي وقاص: "اقتصر في مزاحك، فإن الإفراط فيه يذهب البهاء، ويجرىء عليك السفهاء".


    7- أن لا يكون المزاح بمقدار الملح للطعام:


    قال عمر بن الخطاب - -: "من كثر ضحكه قلت هيبته، ومن مزح استخف به، ومن أكثر من شيء عرف به".



    فإياك إياك، المزاح فإنه *** يجرىء عليك الطفل والدنس النذلا
    ويذهب ماء الوجه بعد بهاءه *** ويورثه من بعد عزته ذلا


    8- ألا يكون فيه غيبة:


    وهذا مرض خبيث، ويزين لدى البعض إنه يحكى ويقال بطريقة المزاح، وإلا فهو داخل في حديث النبي : { ذكرك أخاك بما يكره }

    9- اختيار الأوقات المناسبة للمزاح:


    كأن تكون في رحلة برية، أو في حفل سمر، أو عند ملاقاة صديق، تتبسط معه بنكتة لطيفة، أو طرفة عجيبة، أو مزحة خفيفة، لتدخل المودة على قلبه والسرور على نفسه، أو عندما تتأزم المشاكل الأسرية ويغضب أحد الزوجين، فإن الممازحة الخفيفة تزيل الوحشة وتعيد المياه إلى مجاريها.

    أيها المسلم:

    قال رجل لسفيان بن عيينة - رحمه الله -: المزاح هجنة - أي مستنكر - فأجابه قائلا: "بل هو سنة، لكن لمن يحسنه ويضعه في مواضعه".


    والأمة اليوم وإن كانت بحاجة إلى زيادة المحبة بين أفرادها وطرد السأم من حياتها، إلا أنها أغرقت في جانب الترويح والضحك والمزاح فأصبح ديدنها وشغل مجالسها وسمرها. فتضيع الأوقات، وتفنى الأعمار، وتمتلىء الصحف بالهزل واللعب.


    قال : { لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا } قال في فتح الباري: "المراد بالعلم هنا ما يتعلق بعظمة الله وانتقامه ممن يعصيه، والأهوال التي تقع عند النزع والموت وفي القبر ويوم القيامة". وعلى المسلم والمسلمة أن ينزع إلى اختيار الرفقة الصالحة الجادة في حياتها ممن يعينون على قطع ساعات الدنيا والسير فيها إلى الله عز وجل بجد وثبات، ممن يتأسون بالأخيار والصالحين، قال بلال بن سعد: "أدركتهم يشتدون بين الأغراض، ويضحك بعضهم إلى بعض، فإذا كان الليل كانوا رهبانا".


    وسئل ابن عمر رضي الله عنهما: "هل كان أصحاب رسول الله يضحكون؟ قال: نعم، والإيمان في قلوبهم مثل الجبال".


    فعليك بأمثال هؤلاء، فرسان النهار، رهبان الليل.


    جعلنا الله وإياكم ووالدينا من الآمنين يوم الفزع الأكبر، ممن ينادون في ذلك اليوم العظيم: ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



    ***********************************************

    خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : عبد الملك القاسم



    تعليق

    • سُلاف
      مشرفة المواضيع الإسلامية
      من مؤسسين الموقع
      • Mar 2009
      • 10535




      اللغــة العربيــة




      أما بعد: فيا أيها المسلمون، أطيعُوا ربَّكم واتقوه، وراقِبوه ولا تعصُوه؛ فإن التقوى خيرُ الزاد في المعاش والمعاد، وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ
      ألا إن تقـــــــوى الله خيـــــــرُ مغَبَّةٍ وأفضلُ زاد الظاعِنِ المُتحمِّلِ
      ولا خيرَ في طولِ الحياةِ وعيشِها إذا أنت منها بالتُّقَى لم ترحَلِ

      أيها المؤمنون، المُتأمِّل في تأريخ الأمم والمُجتمعات وتعاقُب الأمجاد والحضارات يُلفِي فيها رُكنًا ركينًا، وقُطبًا من أقطابها متينًا، يُعدُّ من أهم ثوابتها وأُصولها، وسببَ نشأتها وقيامها، ذلكم هو لسانُها ولُغتُها.
      فاللغةُ تُعلِي الرفيعَ عن الوضيع، وأنَّى يُدرِكُ الضالِعُ شأوَ الضَّليع؟! وإننا -أبناءَ هذه الأمة الإسلامية- قد منَّ الله علينا بأفصَحِ لسانٍ، وأبلغ بيانٍ، وأفضلِ لُغةٍ لغةِ القرآن الكريم: اللغة العربية.
      وإذا طلبتَ من العلومِ أجلَّها فأجلُّها منها مُقيمُ الألسُنِ
      اللغةُ العربيةُ زهرةُ التأريخ العابِقة، ومُزنةُ النور الوادِقة، وإشراقةُ الدنيا الصادقة، وشهادةُ الأجيال الناطقة، إنها المنهلُ الدَّفوقُ للعلاء والتَّمكين، والبيانُ والتبيينُ للنورِ والحقِّ المُبين، والينبوعُ الثَّرُّ الذي ترتوِي منه العقولُ الصادِية، والسِّراجُ الوهَّاجُ الذي يُضِيءُ المُجتمعات العاشِية.
      لغةٌ إذا وقعَت على أسماعنا كانت لنا بردًا على الأكبادِ
      ستظـــــــلُّ رابطةً تُؤلِّفُ بيننا فهي الرجاءُ لناطقٍ بالضـــادِ
      لقد كان العربُ قبل الإسلام أمَّةً مُمزَّقةَ الإهاب، مُفترسَة الجَناب، تعيشُ في يَبابٍ وتَبابٍ، ولكن جمعَتهم أواصِرُ الفصاحةِ الهُمامة، وألبَسَتهم أثوابَ المُروءةِ والشهامة، فعلى بِساط اللغةِ يجتمعون، وفي وَريفِ ظلِّها يُبدِعون، ويُبدِي كلٌّ ما في وِطابِه، ويكشِفُ عما حوَى في جِرابه؛ من نثرشها وشِعرها، ونحوِها وصَرفِها، وبلاغتها واشتِقاقِها؛ فبَين فخرٍ وهِجاءٍ، ومدحٍ ووصفٍ ورِثاءٍ، يُمتِعون أسماعَ الزمان، ويُبهِجون مُقَل الأكوان، بسَلسَالٍ من بديع الألحان، وعَذبِ الكلماتِ الحِسان. فاللغةُ كانت نبعًا ثَرًّا يُؤلِّفُ بين قبائل العربِ في مجالسِهم ومُنتدياتهم.
      سرَت كالمُزنِ يُحيِي كلَّ أرضٍ ويُبهِجُها سُهولاً أو وِهادًا
      وما للهجةِ الفُصحَى فَخارٌ إذا لـم تملأِ الدُّنيا رشــــادًا

      إخوة الإيمان، إن اللغةَ العربيةَ الشريفةَ لها حقٌّ علينا حقيقٌ؛ فمن بعضِ حقِّها أن نبُلَّها ببِلالِها، وأن نرعَى قدرَها في كلِّ منسوبٍ إليها، وأن نسعَى لنجدَتها كلَّما مسَّها ضُرٌّ، أو حَزَبَها أمرٌ؛ فلُغتُنا العربيةُ اليوم وفي عصر أنماط العَولَمة، وغلبَة عامِّيِّ اللهَجات، وثورة التِّقَنات، وانفجار المعلومات، وفضائيِّ القنوات والشبكات رِباعُها مجفُوَّة، وقِصاعُها مكفُوَّة، ورِقاعُها غيرُ مُلتامةٍ ولا مرفُوَّة، بعدما كانت عذبَة التغاريد، حسنةَ الألفاظِ والمفاريد، رضِيَ بها الأسلافُ في المفاخِر والمنافِحِ، وصَقَلُوا بها الأذهانَ والقرائحَ، وكانت تُرجمانًا صادقًا لكثيرٍ من الحضارات المُتعاقِبة، وكانت سببًا لتقارُب الأمم التي دخلَت في دين الله أفواجًا، فتمازَجَت أذواقُهم، وتوحَّدت مشارِبُهم، وأعلَى الدينُ شأوَها ورفعَ شأنَها.
      فما أهوَى سِوَى لغةٍ سَقَتْها قريشٌ من براعتِها شِهَادًا
      وطوَّقَها كتــــابُ الله مجــــــــــدًا وزادَ سَنَا بلاغتها اتِّقــــادًا

      أمةَ الإسلام، لقد أضحَت اللغةُ العربيةُ لدى كثيرٍ من المُسلمين اليوم في خُفُوت، ورياحُها الشذِيَّةُ العبِقةُ في هُفُوت، بما يُلِحُّ أن نُدندِنَ حول ذَيَّاك المَعينِ السَّلسَال، ونلِجَ هذا النَّميرَ المِنهالَ، لنُحيِيَ شقاشِقَ اللغةِ الهادِرة، ونعبُر دياجيرَ العُجمةِ الغامِرة، فلقد حرَبْنا العربيةَ معانِيَها اللِّطافَ، وألبسناها ثوبَ السنينَ العِجاف.
      ولقد كان سلفُنا الصالحُ -رحمهم الله- يُعنَون بالعربية، ويُعاقِبون صِبيانَهم على اللَّحنِ، ويُثِيبونَهم على الفصاحَة والبيان. يقول الفاروقُ عمرُ بن الخطاب : (تعلَّموا العربيةَ؛ فإنها تُنبِتُ العقلَ وتزيدُ المُروءةَ)، وكبَ كاتبٌ لأبي موسى الأشعريِّ خطابًا لعُمر فبدأَه بقوله: (من أبو موسى)، فكتبَ إليه عُمرُ أن اضرِبه سَوطًا، واستبدِله بغيره. الله أكبر! ويا لله! ما أعظمَ غيرتهم على لُغة القرآن! فلله درُّهُم!
      سمِعَ الأعمشُ رجلاً يلحَنُ في كلامِه فقال: من الذي يتكلَّم وقلبي منه يتألَّم؟ وكان الحسنُ البصريُّ رحمه الله يقول: "ربما دعوتُ فلَحَنتُ فأخافُ أن لا يُستجابَ لي". وكان أيوبُ السِّختيانيُّ رحمه الله إذا لحَنَ استغفرَ اللهَ. وسِعَ الخليفةُ المأمونُ بعضَ ولده يلحَنُ، فقال: "ما على أحدِكم أن يتعلَّم العربيةَ؟ يُصلِحُ بها لسانَه، ويفُوقُ أقرانَه، ويُقيمُ أوَدَه، ويُزيِّنُ مشهَدَه، ويُقِلُّ حُجَجَ خصمِه بمُسكِتات حِكَمه".

      الله أكبر! إن اللغةَ العربيةَ -يا رعاكم الله- هي كما قالَ الإمام الشافعيُّ رحمه الله : "أوسعُ الألسِنة مذهبًا، وأكثرُها ألفاظًا، ولها مكانتُها العُظمى في هذا الدين".
      يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "اللغةُ العربيةُ من الدين، ومعرفتُها فرضٌ واجبٌ؛ فإنّ فهمَ الكتاب والسنة فرضٌ، ولا يُفهمُ إلا بفهم اللغةِ العربية، وما لا يتمُّ الواجبُ إلا به فهو واجبٌ". ويقول أيضًا رحمه الله: "ومعلومٌ أن تعلُّمَ العربية وتعليمَها فرضٌ على الكفاية".

      فنحنُ مأمورون أمرَ إيجابٍ أو أمرَ استِحبابٍ أن نحفظَ القانونَ العربيَّ، ونُصلِح الألسِنةَ المائلَةَ عنه.
      وقد عبَّر الشاطبيُّ -رحمه الله- عن هذا المعنى بقوله: "إن الشريعةَ عربيةٌّ، وإذا كانت عربيَّةً فلا يفهمُها حقَّ الفهمِ إلا من فهِمَ اللغةَ العربيَّةَ حقَّ الفهمِ، فإذا فرضنا مُبتدِئًا في فهم العربية فهو مُبتدِئٌ في فهم الشريعة، أو متوسِّطًا فهو متوسِّطٌ في فهم الشريعة، فإن انتهى إلى درجة الغايةِ في العربية كان كذلك في الشريعة".

      أمة الإسلام، لقد زادَت الشريعةُ اللغةَ العربيةَ مكانةً وأهميَّةً؛ حيث أصبَحت ثانِيَ اثنين لأقوى هُوِيَّة: الهوِيَّة الإسلامية؛ لأنها كما قال الإمامُ ابنُ كثيرٍ رحمه الله: "أفصحُ اللُّغات، وأجلاها، وأحلاها، وأعلاها، وأبينُها، وأوسعُها، وأكثرُها تأدِيةً للمعاني التي تقومُ بالنفوس، فلهذا أُنزِل أشرفُ الكتبِ بأشرفِ اللُّغات".
      وهي من أهمِّ الوشائِجِ لرَفوِ الرَّتقِ وإحكامِ الآصِرة في وجه الفتنِ العواصِف، والمِحَن المُتراكبةِ القواصِف، لذا تنمَّرَ لها الأعداءُ، وكشَفُوا عن مِرَّتهم السوداء، وقال قائلُهم: "إننا لن ننتصِرَ على المُسلمين ما دامُوا يقرؤون القرآنَ ويتكلَّمون العربيةَ، فيجبُ أن نُزيلَ القرآنَ من وجوهِهم، ونقتلِعَ العربيةَ من ألسِنَتهم". وأعلَنوا عليها حربًا ضَروسًا، وأظهَروا لها وجهًا عَبوسًا، وأنفَقوا الغالِيَ والنَّفيس لتغريبِ اللسانِ العربيِّ وقطعِه عن منابِعِ البلاغة، واللَّجاجة به في العُجمة والمَغاغة. وأثارَ هؤلاء الجَعاظِرةُ العَكُوبُ، وصَعفَقُوا في الآفاقِ والضُّروب، ولكن انعكَسَ عليهم الأملُ، واستنوَقَ فيهم الجملُ، وصارَت فِعالُهم ضِغثًا على إبالَة، وسقطَت أحلامُهم في سِفالة، وارتدَّت أعمالُهم على وجوهِهم خاسِئة، واشتدَّت لُغتُنا فكأنما هي ناشِئة.
      وما على العنبَر الفوَّاحِ من حرجٍ أن ماتَ من شمِّه المأفونُ والنَّتِنُ

      معاشر المسلمين، ومع كلِّ التحديات والمُتغيِّرات فإن اللغةَ العربيةَ محفوظةٌ بحفظِ الله تعالى لكتابه العزيز: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ، وإن تراكَمَت عليها العُكابات، وتكاثَرَت عليها السِّهامُ الحاسِرات، وظنُّوها عِظامًا نخِرات، وأيقَنوا فيها البِلَى والممات، وظلَّت طويلاً غريبةَ النفس واليدِ واللسانِ في مرابِعها؛ فإنها قامَت وستقومُ فتِيَّةً قويَّة، شامِخةً عفِيَّة، مُشمَخِرَّةً حفِيَّة، وشمَّرت عن ساقِها، وجلَّلَت نورًا على أرواقِها، وألجَمَت أفواهَ عِداتها. ولله درُّ القائل على لِسانها:
      وسِعـــتُ كتــــــــــــابَ الله لفظًا وغايــــــةً وما ضِقتُ عن آيٍ به وعِظاتِ
      فكيـــفَ أضيقُ اليوم عن وصفِ آلةٍ وتنسيـــــــــقِ أسمـــــــــــــــاءٍ لمُخترعاتِ

      وبعدُ: أمة اللغة والضاد، إنها ذِكرى للذاكرين، وهَتفةٌ لتنبيه الغافلين؛ فتمسَّكوا بلُغتكم، وربُّوا عليها أبناءَكم؛ لتظفَروا بالغُنم والكرامة في الدنيا ودار الخُلد والمُقامة.
      أئمةَ اللغة الفُصحى وقادتَها ألا بِدارًا فإن الوقـــــــــتَ كالذَّهَبِ
      ردُّوا إلى لُغةِ القرآن رونَقها هيَّا إلى نصرِها في جحفَلِ اللَّجِبِ
      حفِظَ الله لغتَنا من كل مكروه، وحيَّا اللهُ أهلَها وذوِيها، وأبقاهم لها ذُخرًا يصُونون عِرضَها، ويحفَظون أرضَها، ويسترِدُّون قرضَها، ويجمَعون شتاتَها، ويُحيُون مواتَها، إنه جوادٌ كريمٌ.
      أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
      بارك الله ولي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولكافة المسلمين من كل خطيئةٍ وإثمٍ؛ فاستغفِروه وتوبوا إليه، إنه كان حليمًا غفورًا.



      الخطبة الثانية
      الحمد لله، جعلَ القرآنَ عربيًّا غيرَ ذِي عِوَج، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تحدَّى بفصاحةِ القرآن العربَ ذوِي الحُجَج، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه، بالفصاحةِ منعوتٌ، وبالبلاغة مبخُوت، صَلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه، وعلى آله وصحبِهِ العُدولِ الثُّبُوت، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

      أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، والزَموا لغةَ دينكم؛ تسعَدوا في الدَّارَين، وتفوزوا بخير الجزاء في الدنيا ودار الخُلد والبقاء.
      معاشر المؤمنين، وفي هذه الاضطراباتِ التي تجتاحُ أمَّتَنا، والنَّعَرات التي تُهدِّدُ وحدتَا، والسَّعَراتِ التي تُناوِشُ لمَّتَنا، في خِضَمِّ هاتِيكَ الأمواج، وزخَّارها الثَّجَّاج، لا بُدَّ من الاستِمساك بهُويَّتنا الإسلامية ولُغتنا العربية، وربطِ الأجيالِ بها، وفَطمِ أنفُسنا عن مراضِع العُجمةِ المَقيتة، وهَجر الألفاظ الأجنبيَّة اللَّقيطة، وأن نُقبِلَ على لغتِنا، وننأَى بها عن اللَّحن فيها.
      ولعلَّ أبناءَنا الذين يبدؤون هذه الأيام عامَهم الدراسيَّ الجديدَ يجِدون في هذه الذِّكرى شحذًا لهِمَمهم في الاعتزاز بلُغتهم، وكونِهم قُدوةً لغيرهم.
      كما أن اعتِزازَنا بلُغتنا الأمِّ لا يُنافِي حاجةَ الأمة إلى تعلُّم اللغاتِ الأخرى؛ لتحقيقِ رسالتِنا العالميَّة بلا نِدِّيَّة، ولا مُزاحمةٍ ولا انهزاميَّة، كما أن رسالةَ الإعلام ووسائل الدِّعاية والإعلان عظيمةٌ في هذا الشأنِ المُهمِّ.
      يا فِتيةَ الضادِ! حان الوقتُ فاطَّرِحوا هذا الوَنَى وانهَضوا فالناسُ قد طارُوا
      سِيــــروا علــــــــى نهجِ آباءٍ لكم سلَفوا فإنَّـهم فـي طريق المـجدِ قد سَـــــــارُوا
      وإن العــــزمَ لا تثنِــــــــــيــــــــــهِ عـــــــادِيـــــــــــةٌ عـــن المُضِيِّ ولا يُطفِيـــــــه إعصــــــــــارُ

      هذا، وصلُّوا وسلِّموا -رحمكم الله- على خير الورَى، كما أمرَكم بذلك ربُّكم جل وعلا، فقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
      صلَّى عليك اللهُ يا علَمَ الهُدى ما ناحَ طيرٌ أو رفَّت الأشجارُ
      اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على سيد الأولين والآخرين، ورحمةِ الله للعالمين، نبيِّنا وقُدوتنا وحبيبِنا محمد بن عبد الله، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين والأئمةِ المهديين، ذوي الشرفِ العلِيِّ، والقدرِ الجلِيِّ: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمانَ، وعليٍّ، وارضَ اللهم عن سائر أصحاب نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعن الطاهرات أمَّهات المُؤمنين، وعنَّا معهم برحمتك يا أرحمَ الراحمين.

      اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، واخذُل الطغاةَ والظالمين وسائرَ أعداء الدين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونك.
      اللهم وفِّق المُسلمين لنُصرة دينك، ونُصرة نبيِّك يا رب العالمين.
      اللهم إنا نبرأُ إليك ممن استَهزؤوا بدينك، وأساؤُوا لنبيِّك ، اللهم عليك بالشانئين المُغرِضين المُتنقِّصين لجنابِ حبيبِك وخليلِك محمدٍ .
      اللهم إنك قلتَ وقولُك الحق: إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ، إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ، اللهم فانتقِم لحبيبِنا وقُدوتنا ممن أساء إليه، واستهزأَ بجنابه، وسخِرَ بأتباعه وأحبابِه.
      إنا لنعلـــــــمُ أن قـــــــدرَ نبيِّنـــــــا أسمَى وأن الشانِئينَ صِغارُ
      ما نالَ منك مُعانِدٌ أو شانِئٌ بل منه نالَت ذِلَّةٌ وصَغارُ
      لكنَّه ألمُ المُحِبِّ يزيدُه شرفًا وفيه لمـــــــن يُحبُّ فَخـــــــارُ
      اللهم خُذ بأيدي المُسلمين للأفعال الحكيمة، وجنِّبهم رُدودَ الأفعال العَنيفة، واكفِهم شرَّ استِفزازاتِ أعدائِهم يا حيُّ يا قيُّوم، يا حيُّ يا قيُّوم، يا حيُّ يا قيُّوم برحمتك نستغيثُ، فأصلِح لنا شأنَنا كلَّه، ولا تكِلنا إلى أنفُسِنا طرفةَ عينٍ...


      ******************************************

      خطبة اليوم لإمام الحرم الشريف فضيلة الشيخ : عبد الرحمان السديس





      التعديل الأخير تم بواسطة سُلاف; الساعة 03-08-2013, 12:40 PM.


      تعليق

      • سُلاف
        مشرفة المواضيع الإسلامية
        من مؤسسين الموقع
        • Mar 2009
        • 10535

        الأعمــال المضاعفــة




        الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد:


        فكل مسلم منا حريص أشد الحرص على أن يطول عمره ليزداد فيه من الخير، كما قال لما سئل : { من خير الناس؟ قال: "من طال عمره وحسن عمله" } ، فهذه الدار هي دار التزود من الأعمال الصالحة والاستكثار منها؛ لكي يرتاح الإنسان بعد موته، ويرضى عن سعيه.

        وقد أخبر أن أعمار أمته ما بين الستين والسبعين، وليسوا كأعمار الأمم السابقة، ولكنه دلهم على أعمال وأقوال تجمع بين قلتها وسهولتها، وبين أجرها العظيم، الذي يعوض الإنسان عما يفوته من سنين طويلة مقارنة بأمم أخرى، وهذه الأعمال هي ما يسمى (بالأعمال المضاعفة) وليس كل إنسان يعرفها.
        ولذا أحببت ذكر أغلبها في هذه الرسالة الصغيرة حرصا على أن يزيد منا في عمره الإنتاجي في هذه الدنيا، ليكون ممن يعرفون من أين تؤكل الكتف، فيتخيرون من الأعمال أخفها على النفس، وأعظمها في الأجر، فهو كمن يجمع الجواهر الثمينة من بطن البحر بين أناس يجمعون الأصداف وهو كما قال الشاعر:
        من لي بمثل سيرك المدلل *** تمشي رويدا وتجيء في الأول

        وقد ذكرت هذه الأعمال والأقوال متتالية باختصار، مع ذكر دليل كل قول أو عمل، وهي أدلة من القرآن الكريم،أو من الأحاديث الصحيحة والحسنة، والله الموفق لكل خير.


        1- صلة الرحم: قال : { من سره أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه }

        2- حُسن الخلق: قال : { صلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار يعمرن الديار ويزدن في الأعمار }

        3- الإكثار من الصلاة في الحرمين الشريفين: لقوله : { صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه }

        4- صلاة الجماعة مع الإمام: لقوله : { صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة }
        وأما النساء فصلاتهن في بيوتهن أفضل من صلاتهن في المسجد، ولو كان المسجد النبوي؛ لقوله لأم حميد – إحدى الصحابيات –: { قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير لك من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجدي } فكانت رضي الله عنها بعد هذا تصلي في أقصى شيء من بيتها وأظلمه، حتى لقيت الله عز وجل.

        5- أداء النافلة في البيت: لقوله : { فضل صلاة الرجل في بيته على صلاته حيث يراه الناس كفضل الفريضة على التطوع } ويشهد له قوله في الصحيح: { أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة }

        6- التحلي ببعض الآداب يوم الجمعة: وهي ما ورد في قوله : { من غسَّل يوم الجمعة، ثم بكَّر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام، فاستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة، أجر صيامها وقيامها } ومعنى " غسَّل " أي:غسل رأسه، وقيل: أي جامع امرأته ليكون أغض لبصره عن الحرام في هذا اليوم. ومعنى " بكَّر " أي: راح في أول الوقت، و " ابتكر " أي: أدرك أول الخطبة.

        7- صلاة الضحى: لقوله : { يُصبح على كل سُلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى } ومعنى " سُلامى " أي: مِفصل من مفاصل الإنسان، وهي ثلاثمائة وستون مفصلا.
        وأفضل وقت لصلاة الضحى عندما يشتد الحر؛ لقوله : { صلاة الأوابين حين ترمض الفصال }أي: تقوم صغار الإبل من مكانها من شدة الحرارة.

        8- تحجيج عدد من الناس على نفقتك كل سنة: لقوله : { تابعوا بين الحج والعمر، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة } والإنسان قد لا يستطيع الحج كل سنة، فلا أقل من أن يحجج على حسابه من يستطيع من فقراء المسلمين.

        9- صلاة الإشراق: لقوله : { من صلى الغداة – أي الفجر – في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة، تامة، تامة }

        10- حضور دروس العلم في المساجد: لقوله : { من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرا أو يعلمه كان له كأجر حاج تاما حجته }

        11- الاعتمار في شهر رمضان: لقوله : { عمرة في رمضان تقضي حجة معي } . أي: تعدلها.

        12- أداء الصلوات المكتوبة في المسجد: لقوله : { من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم }
        فالأولى أن يخرج متطهرا من بيته، لا من دورات مياه المسجد، إلا لحاجة أو ضرورة.

        13- أن يكون من أهل الصف الأول: لقول العرباض ابن سارية رضي الله عنه: { إن رسول الله كان يستغفر للصف المقَّدم ثلاثا، وللثاني مرة } [رواه النسائي وابن ماجة] ولقوله : { إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول }

        14- الصلاة في مسجد قباء: لقوله : { من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه كان له كأجر عمرة }

        15- أن تكون مؤذنا: لقوله : { المؤذن يُغفر له مدى صوته، ويُصَدِّقه من سمعه من رطب ويابس، وله أجر من صلى معه } . فإذا لم تستطع أن تكون مؤذنا فلا أقل من أن تكسب مثل أجره وهو:

        16- أن تقول كما يقول المؤذن: لقوله : { قل كما يقولون – أي المؤذنون – فإذا انتهيت فسَل تُعطه } [رواه أبو داود والنسائي] أي: ادع بعد فراغك من إجابة المؤذن.

        17- صيام رمضان وستٍ من شوال بعده: لقوله : { من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر }

        18- صيام ثلاثة أيام من كل شهر: لقوله : { من صام من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صيام الدهر، فأنزل الله عز وجل تصديق ذلك في كتابه من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها اليوم بعشرة أيام }

        19- تفطير الصائمين: لقوله : { من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا }

        20- قيام ليلة القدر: لقوله تعالى: ليلة القدر خير من ألف شهر أي: أفضل من عبادة ثلاث وثمانين سنة تقريبا.

        21- الجهاد: لقوله : { مقام الرجل في الصف في سبيل الله أفضل من عبادة ستين سنة }
        وهذا في فضل المقام في الصف، فكيف بمن جاهد في سبيل الله أياما وشهورا أو سنوات؟

        22- الرباط: لقوله : { من رابط يوما وليلة في سبيل الله كان له كأجر صيام شهر وقيامه، ومن مات مرابطا له مثل ذلك من الأجر، وأجري عليه الرزق وأُمِّن الفتان } [رواه مسلم]. والفتَّان هو عذاب القبر.

        23- العمل الصالح في عشر ذي الحجة: لقوله : { ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر، فقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله،؟ فقال : ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء }

        24- تكرار بعض سور القرآن: لقوله : { قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن، و قل هو يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن }

        25- الذكر المضاعف: وهو كثير، ومنه أن رسول الله خرج من عند جويرية أم المؤمنين رضي الله عنها بُكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة، فقال : { مازلت على الحال التي فارقتك عليها؟ قالت: نعم. فقال : لقد قلتُ بعدك أربع كلمات وثلاث مرات لو وُزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته }
        وعن أبي أمامة قال: { رآني النبي وأنا أُحرك شفتي، فقال: " ما تقول يا أبا أمامة؟ " قلت: أذكر الله. قال: " أفلا أدلك على ما هو أكثر من ذكرك الله الليل والنهار؟ تقول: الحمد لله عدد ما خلق، والحمد لله ملء ما أحصى كتابه، والحمد لله عدد كل شيء، والحمد لله ملء كل شيء، وتسبح الله مثلهن " ثم قال: " تعلَّمهن وعلِّمهن عَقِبَك من بعدك" }

        26- الاستغفار المضاعف: لقوله : { من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة }

        27- قضاء حوائج الناس: لقوله : { لأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهرا }

        28- الأعمال الجاري ثوابها إلى ما بعد الموت: وهي ما وردت في قوله : { أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت: رجل مات مرابطا في سبيل الله، ورجل علَّم علما فأجره يجري عليه ما عُمِل به، ورجل أجرى صدقة فأجرها يجري عليه ما جرتْ عليه، ورجل ترك ولداً صالحاً يدعو له }

        29- استغلال الوقت: بأن يعمر المسلم وقته بالطاعات: كقراءة القرآن، والذكر، والعبادة، واستماع الأشرطة النافعة، لكي لا يضيع زمانه هدرا، فيُغبن يوم لا ينفعه الغَبْن، كما قال : { نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس:الصحة، والفراغ }


        وفقنا الله جميعاً لإطالة أعمارنا في الخير، واستغلال الفرص المضاعفة التي يغفل عنها المفرطون، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.



        **************************************************

        خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : سليمان بن صالح الخراشي






        تعليق

        • سُلاف
          مشرفة المواضيع الإسلامية
          من مؤسسين الموقع
          • Mar 2009
          • 10535




          خطبة اليوم لفضيلة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي رضي الله عنه و الذي استشهد مساء أمس ، ألقاها في شهر ربيع الأول من هذه السنة
          عظم الله أجر الأمة الإسلامية جمعاء في هذا العالم الجليل و إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى

          اللهم أغفر له وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح له في قبره ونور له فيه



          **********************************************



          **بلاؤنا من الحب ودواءنا في الحب**




          الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.
          أما بعد فيا عباد الله:

          إن المشكلات التي تعصف بالمجتمعات الإسلامية اليوم، كثيرة متنوعة وليست الأزمة التي تمر بنا إلا واحدة من هذه المشكلات، وإنما العاصم منها شيء واحد، هو شيوع الألفة وامتداد جسور وشبكات المودة بين أفراد المجتمعات الإسلامية، تلك هي الضمانة الوحيدة التي تعصم مجتمعاتنا الإسلامية من المشكلات المتنوعة المختلفة أياً كانت وأياً كان مصدرها، ولكن الألفة بين أفراد المجتمع الإسلامي، وامتداد شبكة الود والحب بين أفراد هذا المجتمع لا يتحقق شيء من ذلك إلا عن طريق البذور التي ينبغي أن تستقر في طوايا نفس كل إنسان مؤمن بالله عز وجل، أرأيتم إلى الثمرة هل تينع إلا في أغصانها، أرأيتم إلى الغصن من الشجرة هل ينبت إلا من جذعه، لا بد من الجذع، وجذع المحبة التي تتفرع عنه محبة الناس بعضهم لبعض، وتتفرع منه المودة السارية شبكة بين الأفراد إنما هو جذع محبة العبد لمولاه وخالقه الأوحد جل جلاله، ومن ثم محبة العبد لمحمد صلى الله عليه وسلم الذي اصطفاه الله عز وجل من خلقه والذي جعله خاتم الرسل وأفضل الأنبياء جميعاً، هذا هو الشرط الذي لا بد منه لتنامي الألفة بين أفراد المجتمعات الإسلامية ولامتداد شبكة الود والحب فيما بين أفرادهم، فإن غاب هذا الشوق إن غاب جذع محبة العبد لله عز وجل ومن ثم لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم غابت محبة الناس بعضهم لبعض، وهي حقيقة لا ريب فيها، وحلت في محل ذلك محبة الإنسان لنفسه تلك التي يعبر عنها بالأنانية، يفيض القلب عندئذ بمحبة الإنسان لذاته، ومن ثم فحدّث عن اهتمامه بذاته ولا حرج، وحدث عن التضحيات التي يقدمها قرابيناً لمحبته لذاته ولأنانيته ولا حرج، إن مثل هذا الإنسان مستعد لأن يضحي بالدنيا كلها بالناس جميعهم إن أتيح له ذلك في سبيل حبه لذاته .. ما العاصم من ذلك؟ العاصم من ذلك أن يينع في القلب جذع محبة العبد للرب جل جلاله، ومن ثم جذع محبة العبد للمصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن هنا فرض الله سبحانه وتعالى على عباده إلى جانب الإيمان العقلاني بالله واحداً فرداً صمداً وبجانب الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً ونبياً، ألزم الله عز وجل عباده إلى جانب ذلك بالحب. انظروا إلى قوله عز وجل:
          (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ)
          وتأملوا في قول المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين). قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم تبليغاً للأمانة التي أمره الله أن يبلغها الناس؛ لا تغذية لذاته وحباً لأنانيته. معاذ الله.

          عباد الله: عندما ينظر أحدكم إلى المجتمعات الإسلامية المترامية في جنبات الأرض فيجد كيف أنها شردت عن العهد وابتعدت عن الميثاق، عندما ننظر فنجد أن الهرج والمرج راح يسود فيما بين أفرادها بدلاً من الوداد والحب، وعندما نجد أنهم أعرضوا عن وصايا الله عز وجل، واتجهوا مسرعين إلى تنفيذ أهوائهم ورغائبهم النفسية فلتعلموا أنه لن يتسرب إلى مكمن اليقين بالله في عقولهم شك بعد إيمان أبداً، لن يتسرب إلى مكمن الإيمان بالله في عقولهم ريب أبداً، إذاً ما الذي حصل؟ الذي حصل أن حباً غاب واستبدل به حبٌ آخر غابت عن أفئدتهم محبة الله عز وجل ومن ثم محبة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم وإذا فرغ القلب من محبة الله غزته محبة الأغيار، غزته محبة الشهوات والأهواء والمال وما إلى ذلك، ومن ثم فإن هؤلاء الناس يصبحون ضحايا للحب الهابط بعد أن أسعدهم الله عز وجل بالحب العالي السامي المرتفع ولذلك فإن مولانا عز وجل يخاطبنا مبيناً أن المسلمين إذا آل بهم الأمر إلى هذا الذي أصف، فإن الله عز وجل يستبدل بهم أناساً آخرين لا يعانون من هذا المرض الذي يعانون منه. ما المرض؟
          الحب الهابط بدلاً من الحب المتسامي. تأملوا في قوله جل جلاله:
          (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)
          لم يقل: فسوف يأتي الله بقومٍ أكثر يقيناً منكم، لم يقل: فسوف يأتي الله بقوم يملكون أدلةً ناصعةً قويةً على الإيمان بعد شكٍ داهم أفئدتهم وعقولهم لا، لأن المرض ليس عبارة عن شك بعد يقين، وإنما المرض الحب والحب كما يكون دواءً يكون داء، المرض أن محبة الله غابت محبة المصطفى صلى الله عليه وسلم غابت عن القلوب ومن ثم هيمنت على الأفئدة محبة الأهواء محبة الشهوات محبة العصبيات محبة المال والدولار. هذا هو الذي هيمن، ومن ثم فإنك تستطيع أن تقول إن هؤلاء الناس اتخذوا من لأنفسهم آلهةً أخرى من دون الله عز وجل، وإن لم تتوج هذه الآلهة بالإعلان وبالإقرار. ألا وهي آلهة الشهوات الأهواء المال المناصب العصبية. هذه حقيقة ينبغي أن نعلمها.

          أيها الأخوة: ربما كان فيكم من يقول: لكن المحبة انفعال قسري وليس فعلاً اختيارياً فأنى للإنسان أن يقود إلى نفسه الانفعال القسري الذي لا قبل له بجذبه إليه ولا رده عنه. كيف السبيل إلى الحب وهو أمر انفعالي؟
          نقول في الجواب: نعم الحب انفعال قسري وليس فعل اختياري لكن الله عز وجل عندما أمرنا أن نوجه أفئدتنا إلى محبته أمرنا أن نسلك السبيل إلى ذلك، ألا ولتعلموا أن من سلك السبيل إليه لا بد أن يعشق مولاه وخالقه. من عرف الله أحبه، من عرف الله حقاً عشقه. صحيح أن المحبة انفعال قسري لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليست فعلاً اختيارياً لكن الله عز وجل عندما أمرنا بالسبيل الموصل إلى حبه ولم يأمرنا مباشرة بالانفعال القسري، أمرنا أن نعلم من هو محمد عليه الصلاة والسلام، أمرنا أن نتعرف على سيرته على حياته، أمرنا أن نتبين أخلاقه السامية التي صاغها الله عز وجل في مظهرها وحقائقها وأنا لا أرتاب في أن من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفه من خلال درايته الإنسانية الموضوعية، ولم يتعرف عليه من خلال عينين عصبّهما بعصائب سوداء، لم يتعرف على رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال استكبار وبغضاء سلفاً، كل من عرف سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريقة موضوعية سلط نبراس عقله على سيرته صلى الله عليه وسلم لا بد أن يعشق رسوله، وآية ذلك أن أصحاب رسول الله رضوان الله عليهم كانوا قبل أن يدخل الإيمان في طوايا قلوبهم، بل في طوايا عقولهم يقيناً كانوا مثالاً المنابذة والتشرذم، كانوا مثال العداوة تسري فيما بينهم قبائل وأفراد فإلى ما آل أمرهم بعد الإسلام؟ غاب التشرذم .. غابت العداوة والبغضاء وتحولوا إلى مضرب المثل في الألفة والحب. أليس كذلك . ما الذي دعاهم إلى هذا؟ أهو اليقين العقلي وحده؟ لا .. الشيء الذي جمعهم من نثار، وألف بين قلوبهم إنما هو الحب. حبهم العجيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم عرفوه فأحبوه.
          ورد في الصحيح أن رجلاً أقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أضناه النحول فقال له المصطفى صلى الله عليه وسلم: (ما الذي آل بك إلى ما أرى). فقال: يا رسول الله علمت أنه إذا قام الناس غداً لرب العالمين ستكون لك مرتبتك في العليين، ولن يتاح لإنسان مثلي أن يراك، فأنا أعاني اليوم من همّ ذلك اليوم. قال له المصطفى صلى الله عليه وسلم: (أنت مع من أحببت)
          ولعلكم تعلمون وقد ذكرت ذلك منذ حين أن أعرابياً جاء إلى رسول الله قال له: متى الساعة يا رسول الله قال: (ما أعددت لها). قال: ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام ولكني أحب الله ورسول. قال له المصطفى صلى الله عليه وسلم: (أنت مع من أحببت).

          أأزيدكم برهاناً على الشيء الذي رفع قيمة أصحاب رسول الله إلى ما تعلمون. أأزيدكم برهاناً على قلب واحد الذي آلت إليه القلوب التي كانت متخاصمة متعادية بعد بعثة رسول الله: خطف زيد بن الدثنة مع ثلة من أصحابه من قبل مشركي مكة وأخذوا به ليقتلوه ثأراً لبعض قتلى المشركين يوم بدر، ولما جيء به ليقتل. قال له أبو سفيان وكان مشركاً آنذاك: أنشدك الله يا زيد أتحب أنك الآن في أهلك آمناً وأن محمداً هنا بيننا في مكانك. قال: والله لا أحب أن محمداً يشاك بشوكة وأنا بين أهلي.


          هذا ما يفعله الحب هذا ما يحققه الحب من المعجزات والخوارق، إذا وجد الحب غابت كل المشكلات، وإذا غاب الحب حل الحب الهابط في مكان ذلك فتنبعت وظهرت سائر المشكلات على تنوعها واختلافها.

          عباد الله: تلمسوا مكان محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين جوانحنا، لا سيما في هذا اليوم الأغر، لا سيما في هذا الشهر المبارك هل تشعرون بهذه المحبة، هل تجدون في أفئدتكم لوعة اشتياق إلى رسول الله. إذاً فاهنؤوا أن يفرج الله ما نحن فيه. نعم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تخفى بقطع النظر عن الامتثال. من أجلّ الدلائل على محبة العبد للرب أن تهتاج بين مشاعره مشاعر الشوق إلى رسول الله في الذكريات الزمانية والمكانية، وما أكثر هذه الذكريات. المحب إذا فاحت رائحة ذكرى مولد رسول الله في نفسه بمثل هذه المناسبة، انتشت منه النفس وطرب منه العقل؛ ذلك لأن هذه الذكرى أيقظت لديه كوامن الحب الكامن بين جوانحه لرسول الله. ويا عجباً لمن لا يؤمن لأثر الذكريات في إثارة لواعج الحب، أثر الذكريات واحد وإن تلوع المحبوب.
          أرأيتم إلى ذاك الذي تحدث الركبان وتحدث التاريخ عن حبه لليلى، ماذا صنع عندما مرّ بالدار التي كانت محبوبته تسكن فيها، ماذا صنع ألم يتطوح بين جدران تلك الدار ألا تعلمون ذلك أليس هو القائل:
          أمر على الديار ديار ليلى
          أقبل ذا الجدار وذا الجدار
          وما حب الديار شغفن قلبي
          ولكن حب من سكن الديار
          أياً كان المحبوب لا بد أن يترك هذا المحبوب معنىً للذكرى في قلبه، من رأى ذكريات المصطفى في مكان أقام فيه اهتاجت بين جوانحه مشاعر الشوق إليه. من مر بساعة من الساعات التي تعيده إلى يوم ميلاد رسول الله وبعثته اهتاجت مشاعر الشوق إليه، إذا مر بحديث رسول الله الذي رواه مالك وآخرون وهو من أصح الأحاديث، إذا وقف أمام قول رسول الله وهو يتشوق إلينا - أجل يتشوق إلى إخوانه قائلاً: (وددت لو أني رأيت أخواني). ظن أصابه أنه يتشوق إليهم. قالوا له: ألسنا إخوانك؟ قال: (بل أنتم أصحابي إخواني الذين لم يلحقوا بعد).

          أيها الإخوة: انظروا كيف اهتاجت مشاعر الذكرى بين جوانح رسول الله. لمرأى صخور .. جبل ألوان من الصخور والأتربة. عاد من إحدى الغزوات ولما دنا من المدينة المنورة رأى جبل أحد. فنظر إليه قائلاً: هذا أحد جبلٌ يحبنا ونحبه. ما معنى هذا الكلام؟ ما معنى هذا التغزل من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ الذكرى؛ لأن هذا الجبل الأصم - نعم هو أصم - لكنه على الرغم من ذلك يحتضن من أصحاب رسول الله الكثير والكثير يحتضن حمزة يحتضن مصعب بن عمير يحتضن الكثير والكثير. إذاً فلا بد أن تهفو نفس رسول الله بالحب إلى ذلك الجبل.

          أتريدون أدلة أكثر من هذا؟ بقي أن أقول لكم شيئاً واحداً: الذي فرغ قلبه من الحب من حب رسول الله لن يفهم هذا المنطق الذي أقوله لكم، لا لأن المنطق ينأى عنه، ولكن لأنه لم يذق طعم هذا الحب، وأسأل الله لهؤلاء الإخوة أن يذيقهم لوعة الحب التي أذاقنا الله عز وجل إياه، أسأل الله أن يذيقهم عذوبة هذا العذاب.

          أيها الأخوة ليس في الكون عذاب يتمتع بالعذوبة إلا شيء واحد عذاب الحب، عذاب الحب هو الذي يجمع لك بين العذوبة والعذاب وما أهنأ هذا الحب عندما يكون لرسول محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم.

          أقول قولي هذا وأستغفر الله.





          التعديل الأخير تم بواسطة سُلاف; الساعة 03-22-2013, 12:48 PM.


          تعليق

          • سُلاف
            مشرفة المواضيع الإسلامية
            من مؤسسين الموقع
            • Mar 2009
            • 10535




            التحذيــر من دعــوة الجــاهليـة





            أما بعد:

            أحبابنا في الله: لقد حرص الإسلام على إقامة العلاقات الودية بين الأفراد والجماعات المسلمة، ودعم هذه الصلات الأخوية بين القبائل والشعوب، وجعل الأساس لذلك أخوة الإيمان، لا نعرة الجاهلية ولا العصبيات القبلية، ورسولنا أقام الدليل القاطع على حقيقة الأخوة الإيمانية وتقديمها على كل أمر من الأمور الأخرى، فها هو رسول الله يؤاخي بين المهاجرين والأنصار، وبين الأوس والخزرج، وأخذ ينمي هذه الأخوة، ويدعمها بأقوال وأفعال منه تؤكد هذه الحقيقة الغالية ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) . وقوله : ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)). إلى غير ذلك من الأحاديث التي تقوي هذه الرابطة.

            ولقد أينعت هذه الأخوة وآتت أكلها أضعافاً مضاعفة، وكان المسلمون بها أمة واحدة تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، فكانوا قوة يوم اعتصموا بحبل الله المتين، ولم تلن لهم قناة لمغامز الأهواء المضللة والأنانيات الفردية.

            لكن أعداء الإسلام لم يرق لهم هذا التماسك بين المسلمين، فحاولوا إثارة النعرات القبلية، والعصبيات الجاهلية، وجاهدوا لتمزيق وحدة المسلمين أمما وجماعات، فنجحوا في ذلك، واستجاب ضعاف الإيمان من أبناء الإسلام لهذه المكيدة، فأثيرت النعرات وعادت العصبيات الجاهلية وأصبح الافتخار بالقبيلة التي ينتمي إليها وباللون الذي يحمله أو الأحزاب التي يأوي إليها، وضعفت الأخوة الإيمانية، وقويت العصبية الجاهلية التي حذرنا نبينا منها، وأمرنا بالبعد عنها وعدم الركون إليها.

            أخرج مسلم بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي في غزاه، فكسع رجل من المهاجرين – أي ضرب – رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فقال رسول الله : ((ما بال دعوى الجاهلية؟ قالوا: يا رسول الله، كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال: دعوها فإنها منتنة)).

            نعم إنها منتنة كريهة قبيحة مؤذية؛ لأنها تخرج الإنسان من أصله الكبير، أخوة الإيمان إلى أمر حقير ذليل، إنها الأنانية القبيحة التي تظهر في هذه العصبية؛ لأنها تحيل إلى أمر قبيح نهاهم عنه نبيهم ، وأعلمهم أنه منتن، وهو الصادق المصدوق .

            إن الافتخار بالآباء والاعتزاز بالانتماء القبلي قد يدفع المرء إلى النار التي حذرنا الله منها، ذلك أنه قد يفتخر بالكفرة من آبائه وأجداده، وما دفعه لذلك إلا العصبية الجاهلية، وتعالوا بنا نسمع هذا الحديث الذي أخرجه أحمد بإسناد صحيح عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: انتسب رجلان على عهد رسول الله فقال أحدهما: أنا فلان بن فلان، فمن أنت لا أم لك. فقال رسول الله : ((انتسب رجلان على عهد موسى عليه السلام، فقال أحدهما: أنا فلان ابن فلان حتى تسعة، فمن أنت لا أم لك؟ قال: أنا فلان ابن فلان ابن الإسلام، قال: فأوحى الله إلى موسى عليه السلام: أن هذين المنتسبين، أما أنت أيها المنتمي إلى تسعة من النار، فأنت عاشرهم، وأما أنت يا هذا المنتسب إلى اثنين في الجنة فأنت ثالثهما في الجنة)).

            لقد لقن رسول الله هذا المفاخر بآبائه درساً يردعه، ويردع أمثاله عن هذا الباطل، فقد حدثهم أن رجلين من بني إسرائيل في زمن موسى عليه السلام اختلفا وتنازعا فافتخر أحدهما بالآباء العظام، وعدد تسعاً من آبائه، ثم واجه صاحبه محقراً موبخاً له قائلاً: فمن أنت لا أم لك؟ إن افتخاره بآبائه واحتقاره لمخاطبه يدل على مرض خبيث كان يسري في كيان هذا الرجل وأمثاله، فهو يرى أن أصوله تعطيه قيمة ترفعه على غيره، وتجعله يمتاز بأولئك الآباء، وأن غيره ممن لا يشاركه في تلك الأصول لا يستحق أن يساوى به، ولذا فهو في مرتبة دونه، وقد كان الرجل الآخر صالحاً، فقال منتسباً: أنا فلان ابن فلان ابن الإسلام، رفض أن يمدح نفسه بغير هذا الدين القويم الذي يفتخر به كل عاقل حصيف، وهذا يذكرنا سلمان الخير، سلمان الفارسي – رضي الله عنه – لما سئل عن نسبه قال: أنا ابن الإسلام. ولما بلغ عمر مقولته هذه بكى، وقال: أنا ابن الإسلام.

            إن الفخر بالآباء أو القبيلة أو بالعصبية الجاهلية مع غمز الآخرين والطعن فيها، وأنهم لا يساوونه في النسب مرض فتاك قاتل، يخبث النفس، ويشعل العداوة، ويفرق الجماعة، ويوجد البغضاء والعداوة بين أفراد المجتمع الواحد، وقد يؤدي إلى تمزيق المجتمع وجعله أحزاباً وطوائف.

            لقد اشتد النبي في محاربة هذا الداء العضال، ونهى أمته عن الوقوع فيه، وبين لهم حقيقة أمرهم ليكونوا على بصيرة من ذلك. أخرج الترمذي بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: ((لينتهن أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا، إنما هم فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعل الذي يدهده الخرء بأنفه، إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية – أي كبرها ونخوتها – إنما هو مؤمن تقي، وفاجر شقي، الناس كلهم بنو آدم، وآدم خلق من تراب)) إنه تحذير نبوي كريم من آثار الجاهلية التي جاء الإسلام ليحطمها، ويقيم عليها البناء الشامخ القوي. إنها أخوة الإسلام التي لا ترقى إليها العصبية، ولا تؤثر فيها الجاهلية.

            إخوة الإسلام: ولقد ترعرعت العصبيات في هذا القرن، وتعددت وفرقت جماعة المسلمين، وأصبحت معولاً لهدم الأمة الإسلامية، لقد فشت في المجتمعات الإسلامية العصبيات القومية والقبلية والإقليمية، بل والعصبية المبنية على اللون والجنس، واشتعلت هذه العصبيات واكتوى الناس بنارها، وذاقوا منها المر والعلقم، وأوقعهم في ذلك تركهم للنهج النبوي الكريم الذي حذرهم فيه من الجاهلية، وأعرضوا عن أمر ربهم حينما أمرهم بالأخوة الإيمانية إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ

            فعودوا – إخوة الإسلام – إلى الدين الحق والمنهج القويم، فإن الإنسان إنما يسعد بحبه لأخيه، وإيثاره له، ويشقى بالفرقة الاختلاف والتنازع والعصبية. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَـٰكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَـٰكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَـٰرَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَـٰكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

            بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، اللهم اسلك بنا طريقك المستقيم، وارزقنا الاتباع لسنة خير المرسلين، واجعلنا متآلفين متحابين، وحقق بيننا أخوة الإيمان على النهج المستقيم. أقول ما تسمعون واستغفروا الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.





            الخطبة الثانية
            الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه. . أما بعد:

            إخوة الإسلام:

            حقيقة عظمى يجب على الناس أن يعوها، هذه الحقيقية كون البشر جميعاً من أصل واحد، إن هذه الحقيقة يجب أن تكون القاعدة التي يتعامل الناس على أساسها، لكن هذه الحقيقة قد تغيب عن العقول والقلوب، فترى البشر على مستوى الأفراد والأسر والمجتمعات يبغي بعضهم على بعض، ويزعم كل فريق أنه الأفضل والأكمل والأحسن، ويرد هذا الفضل إلى جنسه أو لونه أو مدينته أو قبيلته، وتراه – بناء على ذلك – يمدح من ينتسب إليهم، ويعتز بهم، ويذم غيرهم، ويصفهم بالأوصاف القبيحة التي لا تليق بالإنسان فضلاً عن المؤمن.

            إن اعتزازه هذا إنما يقوم على العصبيات الجاهلية القائمة على أصول عفنة قذرة، قال عنها الرحمة المهداة: ((دعوها فإنها منتنة)) لكن بعض الجهلاء تأبى نفوسهم المريضة إلا العيش في العفانة. إنها تأبى أن تعيش في الطهر والصفاء والنقاء.

            ألا فاتقوا الله عباد الله، واربؤوا بأنفسكم عن النعرات الجاهلية والافتخار بالأنساب والألقاب، فإن الفخر الحقيقي والنسب الناصح هو الإسلام، فبه نحيا، وعليه نموت، وإليه ننتسب.

            اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شر أنفسنا، ثم صلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير، فقد أمركم بذلك مولانا الكريم: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً


            ************************************************** *




            خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : رضا بن محمد السنوسي




            تعليق

            • سُلاف
              مشرفة المواضيع الإسلامية
              من مؤسسين الموقع
              • Mar 2009
              • 10535






              خـيـــرة اللــه




              الحمدُ لله حمدا طيبا كثيرا كما يجبُ ربُنا ويرضاه.
              وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريك له، لا ربَ غيرُه ولا معبودَ بحقٍ سواه.
              وأشهدُ أن محمدا عبدُه ورسولُه أفضلَ نبيٍ وأشرفَه وأزكاه. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنتَه واهتدى بهداه.
              أما بعدُ أيها الناس، اتقوا اللهَ حق التقوى.
              أمةَ الإسلام: أحبابَ محمدٍ (صلى اللهُ عليه وسلم)، أتباعَ ملتِه وحملةَ رسالتِه وحراسَ عقيدتِه والسائرينَ على هديه وطريقتِه.
              أيها الأخوةُ المتحابونَ بجلالِ الله، إن قلوبَنا أشدَ ما تكونُ حاجةً لأن توردَ على المأثورِ عن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) من ذكرٍ ودعاء، يربي إيمانَها، ويكونُ يقينَها، ويزيدُ تعظيمَها لربِها ووثوقَها به.
              يقولُ جابرُ أبن عبد الله رضي الله عنه: كان رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) يعلمُونا الاستخارةَ في الأمورِ كلِها كما يعلمُونا السورةَ من القرآن.
              فعش بقلبِك وأحضر إلى وجدانِك تلكَ الفِقرَ النيرةَ من ذاكَ الدعاء: اللهم إني أستخيرُك بعلمِك، وأستقدِرك بقدرتِك وأسأُلك من فضلِك العظيم، فإنكَ تقدرُ ولا أقدِر، وتعلمُ ولا أعلم وأنت علامُ الغيوب.
              هذهِ العباراتُ المشرقةُ بإجلالِ اللهِ عز وجل، كم تربي في النفس من تعظيمِ الخالقِ جل جلالُه، كم تبينُ من عظمةِ الخالقِ، وتبينُ من ضعفِ المخلوق.
              إن المخلوقَ مقيدُ بالعجز، محجوبُ بالجهلِ، إنكَ تقدرُ ولا أقدر، وتعلمُ ولا أعلم، أما اللهُ جل جلالُه فهو القادرُ على كلِ شيء، وهو الذي أحاطَ بكلِ شيءٍ علما، ولذا فإن العبدَ يلوذُ من عجزِه بقدرةِ الله، ومن جهلِه بعلمِ الله عز وجل، إن اللهَ عليمُ قدير.
              كم هي الأمورُ التي ينظرُ إليها البشرُ بنظرِهم المحدود، ويقيسونَها بمقياسِهم القاصر، فيرونَ فيها ما يكرهون، ويستدفعونها فلا يقدرون، ويكونُ للهِ فيها من اللطفِ والخيَرَةِ ما تقصرُ عنُ عيونُهم وتتطامن عنهُ علومُهم.
              كم خارَ اللهُ لعبدِه وهو كاره! كم طوى اللهُ لعبدِه المنحَةَ في طي المحنَةَ!
              أنظر في صورِ خالدِة لا تبلى جدَتُها وقد ذُكرت في القرآن.
              أنظر إلى خبرِ نبيِ اللهِ يوسفَ عليه السلام:
              ذلكَ الصبيُ المدللُ في كنَفِ أبن رحيم مشفقٍ يخافُ على أبنِه أن يخرجَ في نزهةٍ، ثم يُنتزَعُ من وسطِ هذا الدلالِ والرعايةِ ليلقى في غيابةِ الجُبِ ثم في ظُلمِ السجنِ.
              ما هو مقياسُ هذا المصابِ في مقياسِ البشرِ القاصر، كيفَ ينظرُ البشرُ إلى هذا المشهد؟
              أنهم ينظرونَ إليه بإشفاقٍ، صبيُ حرمَ حنانَ الأبوة، حرمَ عطفَ الوالد، حرمَ لذةَ التلذذِ بنعمةِ الحنان، ثم يتعرضُ بعد ذلك لخطفِ الرقِ وقيدِ السجن. هل ينظرُ البشرُ إلى هذا المشهدِ إلا بهذه النظرة! ولكن كان علمُ الله، وحكمةُ الله، تدخرُ ليوسفَ شيئاً آخر، تدخرُ ليوسفَ النبوةَ والرسالةَ، وتدخرُ له حُكمَ مصِر، تدخرُ لهُ أن تكونَ خزائنُ مصرَ بيدِه، فإذا يوسفُ يخرجُ من السجنِ إلى الحكم، وإذا الأبُ الذي عميَ عليه حزناً يقرُ به عينا، وإذا الأخوةُ الذينَ ألقوه في غيابةِ الجبِ يقولون له: تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ.
              ما الذي كان سيبقى ليوسفَ لو بقيَ حالُه كما كان! سيبقى ابنا مدللا لأبٍ شيخٍ تضعفُ قوتُه يوما إثر يوم، ولكنَه يُنتزعُ من هذا الجو في مشهدٍ ظاهرُه المحنةَ وفي طيِه المِنحةَ، إن خيرَةَ اللهِ كانت تدخرُ ليوسفَ ما كانت أفهامُ البشرِ تعجزُ عن إدراكِه أو استشفافِه، أعد النظرَ إلى البداياتِ ثم إلى النتائجِ واعتبر خيرَةَ الله الذي يعلمُ ونحنُ لا نعلم.
              ثم أنظر إلى خَبرِ موسى عليه السلام:
              موسى الذي يعيشُ ربيبا لفرعونَ، يعيشُ في بلاطِ الملك، يعيشُ في نعيمِ الترف، يعيشُ لذةَ التمتعِ بكل متعِِ الملوكِ والفراعنة، ثم يقدرُ اللهُ عليه قدرَه فإذا الملأُ يأتمرونَ به ليقتلوه، وإذا به يخرجُ من المدينةِ خائفا يترقب، ويصلُ على مدينَ لاغبا جائعا يرفعُ بصرَه إلى السماءِ بذلةٍ ومسكَنةٍ: رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ.
              ماذا يقولُ المقياسُ البشريُ عن هذا المشهد!
              ماذا يقولُ النظرُ القاصرُ عن هذه الفصولُ من خبرِ موسى؟ إنه إنسانُ فوتَ على نفسِه فرصا كثيرة، وتعرضَ لمتاعبا لم تكن أصلا في طريقِه، هكذا يقولُ النظرُ القاصرُ المحدود.
              أما حكمةُ اللهِ وخيرَةُ الله فكانت تدخرُ لموسى شيئا آخر، تدخرُ لموسى ما هو أعظمُ من قصورِ الفرعون، وما هو أعظمُ من نعيمِ الترف، كانت تدخرُ له منصبَ الرسالة، وشرفَ النبوةَ، وأن يكلمَه ربُه بلا تُرجمان، وأن يكونَ من الخمسةِ الأوائلِ في تاريخِ البشريةِ كلِها، من أوليِ العزمِ من الرسل.
              ماذا تساوي كلُ تلك المتعِ التي خسِراها في قصرِ الفرعون أمامَ خيرَةِ اللهِ المذكورةِ له.
              ثم أنظر بعدُ إلى قصةِ الخَضِرِ وموسى عليهما السلام:
              يومَ ركبا السفينةِ فخرقها، لقد قال موسى بالعلمِ البشريِ: أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً، ولكنَ الخَضِرَ الذي كان يستشرفُ حكمةَ الله يرى إلى خيرَةَ اللهِ في هذا المصابِ لأهلِ السفينة، لقد كان وراؤهم ملكاً يأخذُ كلَ سفينةٍ صالحةٍ غصبا.
              ثم الغلامُ يقتلُ تحتَ سمعِ موسى وبصرِه، على يدِ من؟
              على يدِ الخَضِرِ، فماذا يقولُ العلمُ والنظرُ البشريُ في هذا المشهد: أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً، ولكنَ خيرَةَ اللهِ لأهلِ هذا الغلامُ يستشرفُها الخَضِرُ عليه السلام، إن هذا الغلامُ لو عاشَ لأرهقَ والديهِ طغيانا وكفرا، فإذا قُتلَ أبدلهما اللهُ خيرا منه زكاةً وأقربُ رحما.
              إن النظرةَ البشرةَ القاصرة، تنظرُ إلى مشهدِ الوالدينِ يومَ ولِدَ الولدُ ففرحا به، ويومَ قتلَ فحزنا عليه، لكنها لا تستشرفُ من في طيِ علمِ اللهِ من حكمةٍ وخيرَة.
              ثم أنظر إلى هذا المعنى العظيمِ على مستوى الجماعة.
              أنظر إلى مشهدِ المسلمينَ:
              وهم يتسللون مستخفينَ يخرجونَ من مكةَ إلى المدينة، إن المشهدَ يريكهم وهم يخرجونَ مستخفينَ مشردينَ قد تركوا وطنَهم وهم له محبون، وتركوا أهلَهم ومالَهم وذوي أرحمَهم.
              أي معنىً يوحي به ذلكَ المشهد، إنه الرثاءُ لهؤلاء المستضعفين الذينَ يتركونَ خلفَهم كلَ شيء، ويقدِمونَ إلى بلدٍ لم يحسبوا في حسابُهم البشريُ أن هناكَ ما ينتظرُهم به من متعِ الدنيا. إنهم يخرجونَ من بلدِهم يتسللونَ مشردينَ خائفين في مشهدٍ يثيرُ الرثاءُ إلى أرضٍ أخرى وقومٍ آخرين، ما الذي يمكن أن يوحيَ به هذا المشهد إذا أُخذ على حدتِه؟
              جرد نفسَك عن بقيةِ المشهدِ وأنظر إليهم، أنظر إليهم وقد خرجَ كلُ منهم تاركاً دارَه، تاركا مالَه، تاركا أهلَه، ويممَ تلقاءَ المدينةِ، وليس هناكَ ما يُعدُ به من مال أو مأوى، أي نظرةٍ بشريةٍ تنظرُ إلى هذا المشهد هل يمكنُ أن يُفيضَ عليها ذلكَ المشهدُ إلا الرثاء لذلك المهاجرِ والرحمة له.
              ولكن كانت خيرَةُ اللهِ المطويةُ في علمِه المحيط، تدخرُ لهم مشهدا آخرَ عظيما رائعا، إنه مشهد صُنعِ تاريخِ البشرية، وانطلاقِ الرسالةِ في طورٍ جديد، ووضعِ حجرِ الأساسِ لقيامِ الدولةِ الإسلامية، وإذا ذلكَ المشهد يولدُ نموا متتابعا يتمددُ في شكلٍ سريع تكلأهُ رعايةُ الله، ويتنزلُ عليه نصرُه وعونُه حتى يمدَ ذراعيه تضربُ أمواجُ المحيطُ الأطلسيُ على غربِه وترتاحُ جبالُ الصينِ على شرقِه.
              إن خيرَة الله كانت مذخورةً لهؤلاء الذين خرجوا مستضعفينَ لم يوعدوا بشيءٍ من متاعِ الدنيا، وإنما وعدوا بالجنةِ.
              ثم أنظر إلى مشهدٍ آخر.
              أنظر إلى مشهدِ المسلمينَ وقد أناخوا بالحديبية:
              قلوبُهم تتقطعُ شوقا إلى البيتِ العتيق أن تلتصقَ أحشاؤهم به، وأن تكتحلَ أعينُهم برؤيتِه، جاءوا على أملِ الطوافِ به، جاءوا على أملِ الصلاةِ في رحابِه، جاءوا ومعهم رسولُ اللهِ (صلى اللهُ عليه وسلم)، لم يكونوا قلةً قلية بل كانوا ألفا وأربعمائة، كلُ منهم قد باعَ للهِ نفسَه.
              وإذا بالمفاوضاتِ تدورُ بين محمدٍ (صلى الله عليه وسلم) وكفارَ قريش، لتنتهي باتفاقيةٍ كانت بنودُها في ما يظهرُ للمسلمينَ جائرةً، فحزنت القلوبُ وتألمت النفوس، وعز عليها أن تصدَ عن البيتِ وقد اقتربت منه، وتردُ عنه وقد اقتربت منه، وترجعُ عنه وقد قدمت إليه، رجعت وفي القلبِ حسرة، وفي القلب غصة، وفي العين عبرة، حتى يجيَ عمرُ رضي الله عنه إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بحُرقةِ المؤمنِ ولهفتِه يقول:
              يا رسولَ الله ألسنا على الحق، أليسوا على الباطل، قال بلا، قال فلما نُعطي الدنيةَ في ديننا، قال إني عبدُ الله. يفعلُ ما يوحى إليه (صلى اللهُ عليه وسلم) ويصدرُ عن أمرِ ربِه.
              إن النظرةَ البشريةَ لهذا المشهد تفيضُ على النفسِ الحزنَ أن يردَ هؤلاءِ ويرجعوا وفي يديهم اتفاقيةُ جائرة، أن يرجعوا هذه السنة، ويعودوا السنةَ القادمةِ وليس معهم من السلاحِ إلا سلاحُ المسافر، وليس لهم فرصةُ إلا ثلاثةَ أيامٍ يقيمونَها في مكة، ثم من لحق من المسلمينَ بالنبيِ (صلى اللهُ عليه وسلام) وهو من أهلِ مكةَ فإنَه يردُ إلى المشركين، أما من لحق بالمشركين مرتدا من المسلمين فلا يردَ إليهم، لقد كانت اتفاقيةً فيما يبدو للناسِ جائرة، ولكنها كانت فتحا مبينا، فلم يمضي بعد هذه الاتفاقيةَ إلا زمنا يسيرا وإذا بالمسلمينَ يسيرونَ إلى مكةَ في قطعانٍ كالليلِ البهيم، عشرةُ ألافِ سيفٍ كلُها تحيطُ برسولِ الله (صلى اللهُ عليه وسلم)، تم تدخلُ مكةَ فاتحةً منتصرةً تتهاوى أصنامُها تحت أقدامِ النبي (صلى الله عليه وسلم): وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً.
              لقد كانت خيرَةُ اللهِ مدخرةُ لهؤلاءِ الذينَ رجعوا وفي قلوبِهم حسرة، وفي أنفسِهم لوعة، ولكن كانت خيرَةُ اللهِ مدخرةُ لهم في علم اللهِ المحيط.
              ثم أنظر بعد إلى آلاف الأسرى من الروم ومن الفرس:
              ومن أبناء الممالكِ التي فتحَها المسلمون، هؤلاءِ الذينَ دخل الإسلامُ بلادَهم وهم كارهون، هؤلاءِ الذين عاشوا آلامَ الهزيمة، ومرارةَ الأسر، ثم كان عاقبةَ ذلك دخولُهم الإسلام، فإذا هم يتبوءون نعيمَ الهداية، ويحرزونَ فوز الآخرة، ثم لا أسفَ بعد ذلكَ على ما فات من الدنيا. لقد كان مشهدُهم في نظرِهم وهم يهزمونَ على أيدي المسلمينَ مشهدا يثيرُ الرثاء، ولكنَه كان في حقيقتِه أنهم كانوا يقادونَ إلى الجنةِ في السلاسل يومَ دخلوا هذا الدين فعرفوا لذة الانتماءِ إليه، ونعيمَ الهدايةِ في ظلالِه.
              وهكذا لا تزالُ تجدُ في حياةِ الأفرادِ والجماعاتِ من الوقائعِ المماثلةِ ما يملئُ القلبَ ببردِ اليقينِ إلى خيرَةِ اللهِ جل وعلا التي قد تكونُ في ما يكرههُ عبده أو عبادُه.
              كم رأينا ببصرِ أعيننِا داعيةً يضيقُ عليه في بلدِه فيخرجُ منها أو يُخرَجُ منها فيجدُ في أرضِ اللهِ مراغما كثيرةً وسعة، يجدُ بلادا تؤويه وتُعزُه وتنصُرُه وتمكنُ له.
              كم رأينا داعيةً يُقتَلُ لإخمادِ ذكرِه، فيزيدُه اللهُ بهذا القتلِ شرفا إلى شرفِه، ويزيدُ ذلك في ذكرِه ذكرا، ويزيدُ ذلك في عزِه عزا، وإذا آثارُه تلقى بعد موتِه قَبولا، كما قال سيد قطب رحمَه الله: إن كلماتِنا ستظلُ عرائسَ من الدمعِ هامدةً، فإذا أسقيناها بدمائِنا انتفضت وسارت فيها الحياة، وهكذا كان، لقد كان دمُ السيدِ القطب حياةً دافقةً في كلماتِه هزتها ودفقت فيها الحياة.
              أيها الأخُ المبارك: إن علينا أن نعيَ جيدا أنه قد يكونُ من خيرَةِ اللهِ للعبد ملاقاتُه لما يكرهُه، ولكن العبرةَ بالعاقبة، وقد قال اللهُ جل وعلا: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ، واللهُ يعلمُ وأنتم لا تعلمون.
              إن الإنسانَ عاجزُ عن معرفةِ المستقبل، بل الإنسانُ عاجزُ عن انتظارِ المستقبل: وكان الإنسانُ عجولا.
              ولذلك قد يقابلُ الإنسانُ ما يكرهُه، ولكن خيرَةَ اللهِ مطويةً في ذلك، وخذ مثالا على ذلك، الإمامُ النوويُ رحمَه الله:
              فقد بدأ حياتَه العلميةَ دارسا للطب، فبدأ يقرأُ كتابَ القانونَ لأبنِ سيناء، فوقعَ في قلبِه كرهُ لهذا العلم، وبلادةُ عن فهمِه حتى ضاقَ به ذرعا، فألقى كتابَ أبنِ سيناء جانبا، وأتجَه إلى الذي هو خير، إلى العلمِ الشرعي، ففتحَ عليهِ فيه فتحا مبينا، فإذا أثارُه لا تزالُ إلى اليومِ تنطقُ بالدعاءِ له، كم تذكرنا ذلكَ الإمامَ النووي ونحن نتسأل كم من مساجدِ المسلمينَ يُذكرُ فيها الإمامُ النوويُ عصرَ كلِ يوم فيقولُ إمامُ الحي: قال الإمامُ المؤلفُ رحمَه اللهُ تعالى، ثم يقرأُ فصولا من رياضِ الصالحين! كم يرفعُ لهُ من دعاءٍ في كلِ يوم! أي فضلاٍ أحرزَه، وأي شيءٍ قد فاتَه يومَ فاتَه كتابَ القانونِ لأبنِ سيناء.
              وهكذا في حياةِ الإنسانِ قد يخسرُ في تجارة، قد يفقدُ نصيبا من أعراضِ الدنيا يكونُ في ذلك توفيرُ لدينِه، وعصمةُ لعرضه، وحفظُ لإسلامِه: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً.
              ولذا فإن القلوبَ لابدَ أن تربى على التسليمِ لله، والتفويضِ إليه كما علمَ النبيُ (صلى اللهُ عليه وسلم) البراءَ في دعاءِ النوم الذي هو آخرِ ما يقولُ العبد:اللهم إني أسلمتُ نفسي إليك، ووجهتُ وجهي إليك، وفوضتُ أمري إليك، وكما قال مؤمنُ آل فرعون: وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّه.
              علينا أن نربيَ أنفسَنا على إحسانِ الظنِ باللهِ جل جلالُه، قال الإمامُ أبنُ القيم رحمه الله: حسنُ الظنِ باللهِ يدعو إلى التوكلِ عليه، فإنكَ لا تتوكلُ إلا على من ترجوه، لابد أن يأويَ المؤمنُ من التفويضِ لله، وحسنُ الظنِ بالله، والثقةِ بالله، أن يأويَ من ذلك إلى رُكنٍ شديد.
              علينا بعدَ ذلك أن نعيَ قضايا:
              أولُها وأهمُها أننا عندما نرى الظلمَ يحدث:
              فعلينا أن نتذكرَ أنه لا يحدثُ في غفلةٍ من الله، ولا في جهلٍ من الله، ولا في عجزٍ من الله، أنظر إلى نبيِ اللهِ يوسفَ عليه السلام يرسلُ إلى العزيزِ قائلا: فاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ، إن كيدَهُن لم يكن يحدثُ في غفلةٍ من الله، لقد كدنَ لي وربي عليمُ بكيدِهن، ولذا فإن المؤمنَ إذا رأى ظُلمَ الظالمين، ينبغي أن يتذكرَ أن هذا الظلمَ لا يحدثُ في غفلةٍ من الله: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ.
              ثانيا علينا أن ننظرَ إلى الهزائم:
              لا على أنها الماحقةُ والقاصمة فتُورثُنا الإحباطَ، ولكن رب هزيمةٍ كانت بدايةَ الانتصار، ربا هزيمةٍ جاءت لتربي الأمةَ وتعدُها لتستقبلَ انتصارا يليقُ بها.
              ولذلك نتذكرُ هذه الأيامُ وفي هذه المحنُ عشيات استقلالِ البلادِ الإسلامية، يومَ دفعَ المسلمونَ دماؤَهم في حربِ المستعمرين، فلما حٌررت تلكَ البلادِ بدماءِ المسلمينَ قفزَ إلى الحكمِ طغمةٌ من الشيوعيينَ والعلمانيينَ والخونَةِ والعملاء، وجثموا على كراسيَ الحكمِ إلى اليوم، لقد كان المشهدُ في ظاهرِه وأولِه يورثُ الحسرة ويورثُ الألمَ أن يقطفَ الثمرةَ غيرَ من جاهدوا.
              ولكننا الآن نستشرفُ حكمةً للهِ في ذلك، نعم لقد كانت الشعوبُ عندما تحررت من الاستعمارِ شعوبا مهزومةَ الوجدان، تعيشُ غَشيةَ الانبهارِ بالحضارةِ الغربيةِ، لم تكن معدةً ولا لائقةً لتتحمل تبعاتِ الحكمِ بشريعةِ الله عز وجل، ربما قبلت الحكمَ بالشرعي قبولَ المجربِ لا قبولَ المتعبدِ للهِ بذلك، ولذا امتُحنت بهذه الحكوماتِ المتعاقبةِ التي حكمتَها بكلِ أنواعِ الحكمِ إلا الحكمِ بالشريعة.
              حُكمت الشعوبَ الإسلاميةِ بكل أنواعِ الحكمِ إلا الحكمِ بالإسلام، فذاقت من ذلكَ مرارةٍ انعقدتَ في حلوقِها، وآلاما استقرت في قلوبِها لتعلمَ أن كلَ خيارٍ غير خيرَةِ اللهِ مفلسُ وخاسر، ولتطالبَ اليومَ بتحكيمِ شريعةِ الله، برغبةٍ أشد وإلحاحٍ أقوى.
              ثم ننظرُ اليومَ إلى ما يحدثُن وإلى تفويتَ الفرصةَ على المطالبينَ بتحكيمِ الشريعة ليظل ممسكا بالحكمِ طُغمُ العسكرِ التي تتسلقُ إلى منصاتِ الحكمِ بالأحذيةِ الغليظة، تستهينُ بالإنسانِ، وبقيمتِه كإنسانٍ فظلا عن قيمتِه كمسلم لتقامَ معسكراتِ الاعتقالِ لتظمَ عشراتِ الآلاف، يؤخذُ أحدُهم هذه الأيامُ دون أن يستبدلَ ملابسَه، بل دون أن يأخذَ معَه الدواء الذي يستعملُه ولا يستسغنيَ عنه.
              نرى ذلك فنتذكرُ حكمةَ الله، ونقولُ لعل في ذلك حكمة، لعلَ الشعوبَ تُصنعُ بهذه المحن ليزدادَ عطشُها وتعطُشُها إلى اختيارِ حُكمِ الله، والإلحاحِ في طلبِه والصبرِ على التضحياتِ في سبيلِه، لعل الأمةَ تربى بهذا لانتصارٍ يليقُ بها يذخرُه اللهُ جل جلالُه لها.
              لابد من عطشٍ إلى تحكيمِ الشريعة، عطشُ يجعلُ الشعوبَ تختارُها خيارَ المتعبدِ للهِ بها، الذي يستهينُ كلَ ثمنٍ يقدمُ في سبيلِها، إن الأمةَ تُصنَعُ بهذه المحن، وتُربى بها لتتهيأ لطلبِ الحكمِ بشرعِ اللهِ عز وجل مهما كلفَ من تضحياتٍ، ومهما استلزمَ من تبعات، ومهما وِضعَ أمامَه من عقبات، لابد أن تعلمَ الأمةُ أن النصرَ ينبثقُ من الظلمةِ، ويأتي عند اشتدادِ الأزمة، وقد يتأخرُ لحكمةٍ يعلمُها الله.
              إن الشعوبَ المعرضةَ عن الله لا يُنعمُ عليها بشرعِه إلا بعد ابتلاءٍ وتمحيص، قد يكونُ منهُ هذا الذي نعيشُه الآن، ولذا لم يؤيد النبيُ (صلى الله عليه وسلم) يؤمنُ برسالتِه ثم ينصرُها، ولك أؤيدَ (صلى الله عليه وسلم) بأتباعِه الذين تربوا معَه، وصنعوا معهُ الأحداثَ ابتغاء رضوانِ اللهِ عز وجل، وانبثقَ النصرُ للنبيِ (صلى الله عليه وسلم)، وانبثقَ النورُ من وسطِ الظلمة، إن اللهَ نظرَ إلى أهلِ الأرضِ فمقتَهم عربَهم وعجمَهم إلا بقايا من أهلِ الكتابِ فأرسل حينئذٍ رسولَه.
              إن علينا أيها الأحبابُ أن نستشعرَ ذلك، وأن نتذكرَ أن المحن التي نعايشُها في سنين ليست إلا ومضةً أو لمعةً في عمرِ الزمنِ الطويل، وأن نظرَنا وعلمَنا المحدودِ قاصرُ وكليلُ وكسيح، وأن هناك علما للهِ محيطاً شاملا هو فوقَ علمِنا وفوق إدراكِنا، وأن نتذكرَ ونحنُ نرى ونعايشُ ما نعايشُه اليومَ أن ربَنا جل جلالُه مطلعُ وعالمُ بما يحدث، وأن ما يجري لا يجري في غفلةٍ من الله ولا في عجزٍ من الله تبارك ربي وتقدس، وأن نتذكرَ ونحنُ نعايش ما نعايشُ اليومَ أن الله أغيرَ على دينِه منا، كما قال (صلى الله عليه وسلم): أتعجبونَ من غيرةِ سعد، لنا أغيرُ من سعد واللهُ أغيرُ مني.
              علينا أن نتلقى ما نتلقاهُ اليومَ بحسنِ الظنِ باللهِ عز وجل، بالتفويضِ إليه، بالركونِ إليه، باستشعارِ عظمتِه، بالتسليمِ لحكمتِه جل جلالُه وتقدست أسمائُه. هذه المعاني الإيمانيةُ يجبُ أن تربى في النفوسِ، وتزرعَ في القلوبِ، وتتُعاهدَ في الخواطرِ والوجدان.
              أيها الأحباب: أختم هذه الكلمةُ بكلماتِ نورانيةٍ انبثقت من المعاناةِ ومن الألم، قالها رجلُ يكتبُها بدمِه ويعصرُ معها دموعَه، ويسكبُ فيها آلامَه وآمالَه، أدعُكَ مع كلماتٍ للأستاذِ السيدِ القطبِ رحمَه اللهُ رحمةً واسعة يقول:
              النصرُ قد يبطئُ على الذينَ ظُلموا وأخرجوا من ديارِهم بغيرِ حقٍ إلا أن يقولوا ربُنا الله، ولكن هذا لأبطئُ لحكمةٍ يريدُها الله:
              قد يبطئُ النصرُ لأن الأمةَ لم تنضج بعدُ نُضجَها، ولم يتمُ بعدُ تمامَها، فلو نالت النصرُ حينئذٍ لفقدتهُ وشيكا لعدم قدرتِها على حمايتِه طويلا.
              قد يبطئُ النصرُ حتى تبذلَ الأمةُ آخرَ ما في طوقِها من قوة، وأخرَ ما تملُكهُ من رصيد، فلا تستبقي عزيزا ولا غاليا إلا بذلتهُ هيناً رخيصا في سبيلِ الله.
              قد يبطئُ النصر حتى تتجردَ الأمةُ وتجربَ آخر قواها، فتدرك أن هذه القوى واحدَها بدونِ سندٍ من اللهِ لا تكفلُ النصر.
              قد يبطئُ النصرُ لتزيدَ الأمةُ المؤمنةُ صلتَها بالله وهي تعاني وهي تتألم وهي تبذل فلا تجدُ لها سندا إلا الله، وهذه الصلةُ حينئذٍ هي الضمانةُ الأولى لاستقامتِها على النهج فلا تطغى ولا تنحرفُ عن الحقِ والعدلِ إذا انتصرت.
              قد يبطئُ النصرُ لأن الأمةَ المؤمنةُ لم تتجرد بعدُ في كفاحِها وبذلِها وتضحياتِها للهِ ولدعوتِه، فهي قد تقاتلُ لمغنمِ، وقد تقاتلُ لحميةٍ، واللهُ جل وعلا يريدُ أن يكونَ الجهادُ له وحدَه وفي سبيلِه وحدَه.
              قد يبطئُ النصر لأن في الشرِ الذي تكافحُه الأمةُ بقيةُ في نفوسِ الناس، فيريدُ اللهُ جل جلالُه أن يجردَ الشرَ منها ليتمحض خالصا، ويذهبَ بعد ذلكَ وحدَه هالكا.
              قد يبطئُ النصرُ لأن الباطلَ الذي تحاربُه الأمةُ المؤمنةُ لم ينكشفَ زيفُه للناسِ تماما، فلو غلبَه المؤمنون حينئذٍ قد يجدُ له أنصارا، وقد يجدُ من يأسفُ عليه من المخدوعين.
              قد يبطئُ النصرُ لأن الأمةَ لا تصلحُ لاستقبال الحقِ والخيرِ والعدلِ الذي تمثلُه فيظلُ الصراعُ قائما حتى تتهيأُ النفوسُ من حولِه لاستقبالِ الحقِ الظافرِ ولاستبقائِه.
              من أجل هذا كلِه ومن أجلِ غيرِه مما يعلمُه اللهُ ولا نعلمُه.
              قد يبطئُ النصرُ فتتضاعفُ التضحيات، وتتضاعفُ الآلام مع دفاعِ الله عن الذين آمنوا وتحقيقِ النصرِ لهم في النهاية
              . انتهى كلامُه رحمه الله.
              أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
              ................
              الحمد لله على إحسان والشكر له على توفيقه وامتنانه.
              وأشهد أن لا إله لا الله تعظيما لشأنه وأشهد أن محمدا عبده ورسول الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم تسليما كثيرا.
              أما بعدُ أيها الناسُ إني داعِ فأمنوا:
              اللهم إنا نسألكَ بأسمائكَ الحسنى، وصفاتِك العلى، نسألكَ بكلِ أسمٍ هو لك، أنزلتَه في كتابِك، أو علمتَه أحدا من خلقِك، أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك، نسأل:َ لاخواننا وأهلِنا المفتونينفي كل العالم الاسلامي أن تكونَ لهم نصيراً فأنت نعمَ النصير، وأن تكونَ لهم عونا فتكشفَ عنهم كلَ غُمةٍ، وتدفعَ عنهم كلَ فتنةٍ، وأن تربطَ على قلوبِهم، وأن تؤلفَ بينَهم، وأن تنزلَ السكينةَ عليهم.
              اللهم إنا نسألكَ أن تجعل عاقبةَ أمرِهم عزَ الإسلامِ وظهورَ المسلمين والحكمَ بما أنزلتَه في كتابِك وأرسلتَ به رسولَك حتى لا يحكمَ إلا بشرعِك، ولا يتحاكمَ إلا بدينِك.
              اللهم إنا نسألُكَ لكلِ من ظلمَ في الجزائرِ أن تجعل عاقبةَ أمرهِ نصرا مبينا، وعزا قريبا يا رب العالمين.
              اللهم إنا نسأُلكَ لهم نصرَك وعونَك وتأييدَك.
              اللهم اربط على قلوبِهم، اللهم أنزلِ السكينةَ عليهم، اللهم أحقن دماؤَهم.
              اللهم لا تجعلهم فتنةً للقومِ الظالمين يا رب العالمين.
              اللهم كن لهم ولا تكن عليهم.
              اللهم أجعل عاقبةَ الأمر في كل بلاد الاسلام نصرا يحكمُ به دينُك، ويحّكمُ به شرعُك، ويتحاكمُ به إلى كتابِك.

              يا خيرَ من سئُل، يا خيرَ من دُعي، يا من به المستعان، وعليه التكلان.
              ربنا آمنا بك وتوكلَنا عليك ودعوناك فأستجب لنا كما وعدتَنا.
              وصلى اللم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.



              ************************************************** ***


              خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : عبد الوهاب الطريري





              تعليق

              • سُلاف
                مشرفة المواضيع الإسلامية
                من مؤسسين الموقع
                • Mar 2009
                • 10535


                الوفـاء بالعهـــد




                الحمد لله الفرد الصمد، الواحد الأحد، أوفى من وعد، وأحق من عبد، أحمده سبحانه حمد من تضرع له وسجد، حمدا كثيرا طيبا مباركا كما أمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، النبي الأمجد، والوفي الأجود ، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

                أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى، قال الله عز وجل:( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون).

                أيها المؤمنون: سخر الله تعالى الناس بعضهم لبعض في قضاء حوائجهم، وفطرهم على التعاون في شؤون معاشهم، وهذا يستلزم أن يتخلقوا بالأخلاق الكريمة، والصفات الحميدة، التي حثت عليها التعاليم الربانية، قال صلى الله عليه وسلم :« إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». ومن هذه الأخلاق السلوكية خلق الوفاء الذي يدفع صاحبه إلى المحافظة على العقود، وإنجاز الموعود، والقيام بمقتضى العهود، وهذا من شأنه اكتساب ثقة الناس واحترامهم، وتوثيق المحبة وزيادة الألفة فيما بينهم، والوصول إلى النجاح في علاقاتهم وتعاونهم، وقد أوصانا ربنا سبحانه وتعالى بالوفاء بعهده فقال: (وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون)

                والوفاء بعهد الله تعالى يكون بالإخلاص في عبادته، وصدق طاعته، وتجنب معصيته، قال عز وحل: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين* وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم)

                ومن طاعته سبحانه الوفاء بالعقود إلى آجالها، وأداء الحقوق إلى أصحابها، قال تعالى:( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)

                والعقود التزامات بين الناس في البيوع والمعاملات، وقد جاء على لسان نبي الله شعيب عليه السلام:( أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين* وزنوا بالقسطاس المستقيم* ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين )

                عباد الله: الوفاء من أخلاق الإسلام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« لا دين لمن لا عهد له ». وقد ذكر الله تعالى نماذج للأوفياء ومنهم خليله إبراهيم عليه السلام، قال تعالى:( وإبراهيم الذي وفى) قال المفسرون: قام إبراهيم عليه السلام بجميع الأوامر، وترك جميع النواهي، وبلغ الرسالة على التمام والكمال، فاستحق بهذا أن يكون للناس إماما يقتدى به في جميع أحواله وأقواله وأفعاله، قال الله عز وجل:( ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا)

                ومنهم نبي الله إسماعيل عليه السلام قال تعالى:( واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا* وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا) وذكر المفسرون أن إسماعيل لم يعد ربه أو أحدا من الخلق بوعد إلا أنجزه، فصدق الوعد في طاعته لربه، وصدق وعده في طاعته لأبيه، كما صدق وعده في وصيته لأهله بطاعة الله تعالى.

                أيها المسلمون: وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صادقا للوعد، حافظا للعهد، ومن صور وفائه صلى الله عليه وسلم مع زوجته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها التي واسته بمالها، وصدقته وآمنت به، فكانت خير زوجة لزوجها في حياتها. وكانت حريصة على رضاه بكل ما يمكنها، ولم يصدر منها ما يغضبه قط. فقابل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاءها بوفاء أعظم منه، فكان يشكرها على إحسانها، وظل بعد موتها يكثر ذكرها ويكرم أهلها، قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: جاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها:« كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا ؟» قالت: بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله. قالت: فلما خرجت قلت: يا رسول الله تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟ فقال:« يا عائشة إنها كانت تأتينا زمان خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان».

                أيها المؤمنون: ويتأكد الوفاء مع المعلم، وذلك بتوقيره وإجلاله، ومحبته واحترامه، والثناء عليه والدعاء له. قال الإمام أحمد رحمه الله: ما بت منذ ثلاثين سنة إلا وأنا أدعو للشافعي وأستغفر له.

                واعلموا أن للصديق وفاء يتحقق بشكر معروفه، وكتمان سره، وحفظ وده، والثناء الحسن عليه، ورد الجميل إليه، فقد مر أعرابى على ابن عمر رضي الله عنهما، فقال له ابن عمر : ألست ابن فلان بن فلان؟ قال: بلى. فأعطاه دابة كان يركبها وقال: اركبها، وأعطاه عمامته وقال: اشدد بها رأسك. فقال له بعض أصحابه: غفر الله لك، أعطيت هذا الأعرابى دابة كنت تروح عليها وعمامة كنت تشد بها رأسك . فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :« إن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولى ». وإن أباه كان صديقا لعمر.

                نسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعا للوفاء مع أهلينا وأصدقائنا ومجتمعنا وأوطاننا وولاة أمورنا، وأن يوفقنا لطاعته وطاعة من أمرنا بطاعته، عملا بقوله:( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)

                بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



                الخطبة الثانية

                الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

                أيها المسلمون: وإذا كان الوفاء في العهود والوعود من صفات المسلم فإن الوفاء بالشكر لمن أحسن إلينا حق يذكره الأوفياء للفضلاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« من أعطى عطاء فوجد فليجز به، ومن لم يجد فليثن، فإن من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر ». ومعنى قوله « ومن كتم فقد كفر ». أي قد كفر تلك النعمة. ومن الوفاء لولي الأمر محبته وشكره على إحسانه والدعاء له بالخير، قال صلى الله عليه وسلم :« خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم ». أي يدعون لكم، وتدعون لهم. ويقول الحسن البصري: لو أعلم أن لي دعوة مستجابة لدعوت بها للحاكم. فنسأل الله تعالى أن يجزي ولاة أمرنا خيرا على إحسانهم في بناء الأوطان، وتحقيق الأمن والأمان، ورفعة كرامة الإنسان، والارتقاء بمستوى المعيشة وزيادة الرواتب.

                عباد الله: إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى فيه بملائكته فقال تعالى:(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا»

                اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة الأكرمين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم تقبل منا صالح أعمالنا، اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، اللهم إنا نسألك الفوز بالجنة والنجاة من النار، اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا حاجة إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

                اللهم وفق ولاة امورنا لما تحبه وترضاه . اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم اشمل بعفوك وغفرانك ورحمتك آباءنا وأمهاتنا وجميع أرحامنا ومن كان له فضل علينا.

                واذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون).



                ***********************************************

                خطبة اليوم من موقع وزارة الشؤون الإسلامية لدولة الإمارات العربية المتحدة


                تعليق

                • سُلاف
                  مشرفة المواضيع الإسلامية
                  من مؤسسين الموقع
                  • Mar 2009
                  • 10535



                  المسؤوليـــة في الإســــلام




                  الحمد لله الذي أخرجنا من ظلمات الجهل إلى أنوار المعرفة والعلم ،الحمد لله الذي أخرجنا من سلطة القهر والظّلم إلى رحاب الحرّية والمسؤوليّة ... أحمده تعالى وأستعينه، وأستغفره وأستهديه، وأومن به ولا أكفره، وأُعادي من يكفره، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى والنور والموعظة على فترة من الرسل، وقلّة من العلم، وضلالة من الناس، وانقطاع من الزمان، ودنوّ من الساعة، وقرب من الأجل، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى وفرط وضلّ ضلالاً بعيداً.

                  عباد الله أُوصيكم بتقوى الله، فإنّه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضّه على الآخرة، وأنّ يأمره بتقوى الله، فاحذروا ما حذّركم الله من نفسه، وإنّ تقوى الله لمن عمل بها على وجل ومخافة من ربّه عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة،

                  أمّا بعد إخوة الإيمان بعد حديثنا عن الحرّية في الخطبة الماضية ، الحرّية ,,, هذه القيمة الإنسانيّة ،،،، هذه العطيّة الربّانيّة ، لابدّ أن نوقن نحن معاشر المؤمنين أنّ الحرّية الحقيقيّة هي الالتزام بشرع المولى تبارك وتعالى والاستنان بسنّة النبيّ المصطفى صلّى الله عليه وسلّم ومن ابتغى الهدى في غيرهما ضلّ ضلالا بعيدا ألم يقل المولى تبارك وتعالى :" ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " ؟ ألم يقل النبيّ الأكرم صلى الله عليه وسلم :" تركت فيكم ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا : كتاب الله وسنّتي " ، وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه أنّه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله قال :"أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وإن عبد حبشي فإنه من يعش منكم ير اختلافا كثيرا ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجد

                  أيّها المؤمنون ، يا أتباع سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم
                  أليس هذا وصف لواقعنا الحالي الذي اختلطت فيه الأمور واختلفت فيه الآراء ، وتعدّدت ، وتعارضت ، فتحزّب النّاس وادّعى كلّ أنّه على الحقّ وأنّ ما سواه على باطل وها أنّ القرآن الكريم الذي دعانا قائدنا الأوّل والأخير إلى الاعتصام به يصف لنا هذا الواقع ويقدّم لنا الحلّ في ذات الوقت قال تعالي:" يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ*وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ*فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ*فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ*أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ*نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ "
                  انتبهوا إلى دقّة الوصف " فذرهم في غمرتهم " وكأنّهم مغمورون بجهالتهم وبضلالهم فلا يرون إلاّ حالهم ،شأن الغارق في الأوحال، المغمور بها إلى الأذقان . وفي المقابل جعل الله لعباده الصّالحين نورا وفرقانا يدركون به حقائق الأمور قال تعالى :" أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون
                  أيّها المؤمنون ، حرّيتنا التي حبانا الله بها لا بدّ أن تكون قرينة الهدي الربّانيّ وقرينة المسؤوليّة ، فما المسؤولية؟ ولماذا؟ وما أنواعها؟ وخيانة المسؤولية كيف تكون؟
                  المسئولية في إسلامنا تكليف لا تشريف، ولا يتنافس عليها إلا الغافلون أو المغفّلون الذين لا يدركون حال المسئول في الآخرة من حبس في الموقف، وسؤال عسير، فلا يجد من ينصره من بطانة السوء حيث لا يملك إلا الانقياد والذلة والخضوع لرب الأرض والسماء سبحانه. والمسؤوليّة في الإسلام هي التكليف الذي يعقبه الحساب.وينبغي أن تعلم: أن المسئول مسئول أمام من هو فوقه إلا رب العزة سبحانه فليس فوق الله أحد قال تعالى: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون . كما أنه لا مسئولية إلا بتكليف قال تعالى: أيحسب الإنسان أن يترك سدى . أي بلا أمر أو نهي. وأنّه لا تكليف إلا بإرادة واعية، مدركة، عاقلة فلا تكليف على نائم لفقدان الوعي ولا على صبي لفقدان الإدراك ولا تكليف على مجنون لفقدان العقل للحديث: ((رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل"................................
                  وأما لماذا المسؤولية؟ فلا بد من المسؤولية حتى: لا يلقي أحد على أحد مسؤولية العمل المناط به،مهما كان موقعه في الأسرة أو في المجتمع ومهما كانت وظيفته فكلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته قال تعالى: ولا تزر وازرة وزر أخرى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره . ولذلك كان من الواضح في إسلامنا ألاّ طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فجعل رب العزة لطاعة الوالدين حدا، قال تعالى: وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعمهما وجعل لطاعة ولي الأمر حدا للحديث: ((على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة "
                  وأما أنواع المسؤولية : أولا: مسؤولية القدوة والمنصب: ومن كان في هذا الموضع لابد له من الالتزام: فلا مخالفة ولا انفصام في الشخصية قال تعالى وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه . وعقوبة المخالفة في إسلامنا عظيمة للحديث: ((يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق بها أقتابه (أمعاؤه) فيدور بها في النار كما يدور الحمار برحاه فيطوف به أهل النار فيقولون: يا فلان ما أصابك؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه " وهذا أكبر مقت عند الله قال تعالى :" يا أيّها الذين لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون "

                  ثانيا: مسؤولية الكلمة: والكلمة أنواع:

                  أ- الكلمة المكتوبة: وعلى المرء أن يستشعر لقاءه بالله يوم الحساب عند ما يكتب أو يخط بيده فلا تكتب بكفك غير شيء يسرك في القيامة أن تراه
                  ورحم الله شهيد الإسلام، صاحب الظلال، وقد طلب منه أن يكتب استرحاما للطاغية فقال: (إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة يأبى أن ينحني فيخط كلمة يسترضي بها طاغية). وهذا شأن كلّ أولئك الذين كتبوا يناشدون الرّئيس البائد من أجل التّرشّح للرّئاسة ثمّ وقّعوا على ما كتبوا وناشدوا )
                  ب- الكلمة المقولة: وهي التي تنطق بها الألسن : وللحديث: ((إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوى بها سبعين خريفا في جهنم. "
                  ج- الكلمة المسموعة: فإذا أسرك أخوك بحديث وخصّك به فلا يجوز نشره أبداً فذلك يقدح في المروءة ويطعن في الصحبة بما لا ينفع معه دواء. إذ المجالس بالأمان وما أكثر ما يروج الكلام بيننا هذه الأيّام وما أكثر ما تروج الإشاعات والأباطيل والأكاذيب والغيبة والنّميمة وتبادل الاتّهامات إلى حدّ التّكفير
                  ثالثا : مسؤولية العهد: بينك وبين الله: كالبيعة فهي عهد على الطاعة لولي الأمر، ولكنها لا بدّ أن تكون مع الله وبالله ولله، قال تعالى: إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ولحديث عبادة بن الصامت قال: ((دعانا النبي فبايعنا، فقال أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا ويسرنا وأثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحاً عندكم من الله فيه برهان "اللهمّ ثبّتنا على طاعتك وطاعة نبيّك ص وأرنا الحقّ حقّا وارزقنا اتّباعه وأرنا الباطل باطلا وجنّبنا اتّباعه والحمد لله ربّ العالمين .



                  الخطبة الثّانية

                  بسم الله والحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله وأشهد ألاّ إله إلاّ الله وأشهد أنّ سيّدنا محمّدا عبده ورسوله .

                  إخوة الإيمان لا زلنا مع المسؤوليّة وأردت أن أخصّص الخطبة الثّانية للحديث عن خيانة المسؤوليّة لتكون رسالة واضحة أبعث بها من هذا الموقع إلى الرّئيس السّابق كما أوجّهها إلى من سيتولّى رئاسة الحكومة الجديدة راجيا من الله تعالى أن يضع الأحاديث التي سأذكر نصب عينيه
                  فكيف تكون خيانة المسؤولية ؟
                  1 ـ أن يشق الرّاعي على الرّعيّة بما فيه تضييق وشدة وظلم للحديث: ((اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولى من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به ".
                  2 ـ أن يحتجب عنهم: بامتناعه عن النظر في مصالحهم: للحديث: ((من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة . "
                  3 ـ أن يستعمل على الناس غير الكفء الصالح للحديث: ((من ولي من أمر المسلمين شيئا، فأمّر عليهم أحدا محاباة، فعليه لعنة الله، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا حتى يدخله جهنم.
                  4 ـ أن يستثيرهم بما يكرهونه رغبة في الانتقام منهم وإيقاع الأذى بهم فذلك دليل خسة وطبع لئيم، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال: ((ألم ترى أن قومك حين بنوا البيت اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟ فقلت: يا رسول الله ألا تردها على قواعد إبراهيم؟ قال لو لا حدثان قومك بالكفر))، وفي رواية: ((لولا أن قومك حديثوا عهد بجاهلية لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله ولجعلت بابها بالأرض، ولأدخلت فيها الحجر".
                  تأمل معي كيف أن رسول الله ترك بناء الكعبة على قواعد إبراهيم وإدخال الحجر مراعاة لإيمان الناس وقرب عهدهم بالكفر، فيا ليت من يتولى مسؤولية أي عمل وخاصة العمل الإسلامي أن يكون رحيما بأمة محمد وأن يكون فيهم كما وصف رسول الله نفسه إذا يقول: ((إنما أنا لكم مثل الوالد لولده.
                  أما استخدام الأساليب الملتوية، واستثارة الآخرين بما يكرهون، بالمعاملة، الاستفزازية حتى إذا غضبوا وقالوا كلمة دون قصد قامت الدنيا ولم تقعد، نقول ينبغي أن نتنزه عن هذه الأساليب الرخيصة التي لا نجدها إلا في الأراذل من البشر. وهذا الكلام موجّه للجميع للرّاعي وللرّعيّة ، ينبغي أن نتخلّق بالخلق الكريم بالرّحمة واللّين والموعظة الحسنة ونبتعد عن الشّقاق والفرقة والانتقادات اللاّذعة ، إنّ الحلّ الأمثل في قوله تعالى:"واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا "
                  وهذا الاعتصام بالله ولا شيء غير الله هو الذي يمثّل القوّة والسّؤدد والاستمراريّة والثّبات أقولها مرارا وتكرارا :" ما كان لله دام واتّصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل " تحت خلفيّة استيعاب منهج الإسلام لكلّ القيم والتّوجيهات ، على قاعدة قوله تعالى :" ما فرّطنا في الكتاب من شيء " إلى جانب الطّاقة الإنسانيّة الخلاّقة والإبداع البشري في كلّ المجالات لما تميّز به من عقل ومن روح الله فيه ومن حرّية ومسؤوليّة

                  نسأل الله العون والسّداد ، نسأل الله تعالى ونحن في بيته نرجو رحمته ونخشى عذابه ، نسأله في هذا اليوم العظيم منيبين إليه شاكرين فضله ، نحمدك يا ألله ، يا رحمن الدّنيا والآخرة ، نحمدك على ما تكرّمت به علينا من العطايا والنّعم والخيرات وأجلّها نعمة الإيمان ونعمة الإسلام نحمدك يا ربّنا أن أخرجتنا من الظّلمات إلى النّور ، نحمدك يا ربّنا أن جعلتنا من أتباع هذا النبيّ الكريم ، اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على النبيّ المصطفى وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا
                  اللهمّ أنت الواحد لا شريك لك فألّف بين قلوبنا . اللهمّ أنت القويّ لا ندّ لك فقوّنا فيك حتّى لا نرى قويّا غيرك ، اللهمّ أنت الغنيّ ونحن الفقراء فأغننا بحلالك عن حرامك،وبفضلك عمّن سواك اللهم أنت ربنا و إلهنا ، و خالقنا ، قصدناك ، ورجوناك ، فلا تخيب رجاءنا ، ودعوناك،فاستجب،دعاءنا . اللهم انصرنا نصراً عزيزاً من عندك ، على من يحاربونك ، و يحاربون سنة نبييك ، ودينك ، اجعل أمرهم شتاً شتاً ، واجعل بيننا وبينهم سداً سداً ، و صب عليهم العذاب صباً صباً ، و أطفئ نارهم و شلّ إرادتهم واجعل بأسهم بينهم .
                  اللهم من كادنا فكده ، و من عادانا فعاده ، ومن حاربنا فاهزمه ، ومن قاتلنا فاقتله ، و من شردنا فشرده ، ومن مكر بنا فامكر به ، ومن خدعنا فاخدعه ، و من أشغلنا فأشغله ، و من بغى علينا فأهلكه ، و من آذانا فدمره ، و من حقد علينا فزلزله ، و من خطط للنيل منا فأفشله ومن أذلنا فاجعل الذلة والمسكنة عليه يا الله.
                  اللهم ،لا إله إلا أنت إليك المشتكى ، و أنت المستعان ، و لاحول ولا قوة إلا بك ، يا من لا فَرَج إلا من عنده ولا نجاة إلا بيده ، و لا نصرة إلا من عنده اللهم صغّر كل متكبر ، واكسر كل متجبر ، واقهر كل ظالم ،. اللهم رد كيد كل كائد ، و احم كل عائذ بك ، و أجر كل لائذ بك ، و انصر كل مستنصر بك ، و أعن كل مجاهد ، وآوِ كل شارد،وأطعم كل جائع . اللهم انصر المجاهدين في كلّ مكان ،حفاة فاحملهم ، عراة فاكسهم ، جياع فأطعمهم اللهمّ لا تدع لنا في هذا اليوم ذنبا إلاّ غفرته ولا همّا إلاّ فرّجته ولا دينا إلاّ قضيته ولا مريضا إلاّ عافيته وشفيته اللهمّ ارحم موتانا واجعل الجنّة مأواهم ومأوانا اللهمّ واجعل بلدنا آمنا مستقرّا وسائر بلاد المسلمين وقيّض لنا الرّاعي الذي يخافك ويرحمنا واجعل له البطانة الصّالحة التي تردّ للنّاس حقوقها حتّى يعمّ المن والسّلام في بلدنا وفي سائر بلاد المسلمين اللهم رب السموات و الأرض ، لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ، نستغفرك ، ونتوب إليك ، ونبرأ من حولنا وقوتنا إلى حولك وقوتك، ونضرع ونلجأ إليك
                  لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك اللهمّ نسألك أن ترسل السّماء علينا مدرارا نسألك يا ربّنا ويا خالقنا ويا راحمنا أن تغيثنا غيثا مغيثا نافعا غير ضارّ ينبت الزّرع ويدرّ الضّرع اللهمّ لا تآخذنا بذنوبنا فإنّه لا يغفر الذّنوب إلاّ أنت ، اللهمّ إنّك وعدتنا ووعدك الحقّ فقلت : ادعوني استجب لكم " فها أنّنا ندعوك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا وصلّ اللهمّ وسلّم وبارك على نبيّك المصطفى وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين



                  *********************************************

                  خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : خالد التلــمــودي




                  تعليق

                  • سُلاف
                    مشرفة المواضيع الإسلامية
                    من مؤسسين الموقع
                    • Mar 2009
                    • 10535







                    الإســراف في المـال الخـاص والعـام




                    الخطبة الأولى :
                    إن الحمد لله ؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ، ونستهديه ونسترشده ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

                    ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا ) .
                    ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا .
                    ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )
                    ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ )
                    ألا وإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة، أما بعد :

                    أيها المؤمنون الكرام ، أيتها المؤمنات الكريمات :
                    يقول الله عز وجل في كتابه العزيز :

                    (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا )

                    أيها المسلمون الكرام ، أيتها المسلمات الكريمات :

                    إن هذه الآية التي تلونا ترشد وتتحدث عن التوسط والاعتدال في التعامل مع الأموال ، وذلك أن الله عز وجل نهانا عن التبذير والإسراف فيها ، وبين لنا كيف تكون سياسية الإنفاق، أي : أن لا ننفق المال إلا بالاعتدال وفي غير معصية، وأن يكون الإنفاق للمستحقين ، وبالتوسط الذي لا إسراف فيه ولا تبذير .
                    والتبذير هو : إنفاق المال في غير الوجه المشروع ، وكل دينار تنفقه في المعصية فهو تبذير ، والوسطية والاعتدال هي منهج الإسلام المالي والاجتماعي، ولهذا وصف الله عز وجل عباده الذين لا يبذرون بأنهم عباد الرحمن ونسبهم إليه ، فقال :
                    ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا )
                    حتى قال : ( وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا )

                    أيها المسلمون الكرام ، أيتها المسلمات الكريمات :

                    إن المبذر أخ للشيطان وقرين لإبليس ، وهو مصداق قوله تعالى :
                    ( إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا )
                    فجعل الله عز وجل التبذير فعلا قبيحا بإضافته إلى أفعال الشياطين.
                    ولقد قال سيدنا عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه : التبذير هو الإنفاق في غير حق ، ولو أنفق الإنسان كل ماله في الحق لم يكن مبذرا، ولو أنفق مدا في غير حق كان مبذرا.
                    وقال الإمام علي رضي الله عنه : ما أنفقت على نفسك وأهل بيتك في غير سرف ولا تبذير ، وما تصدقت ؛ فلك ، وأما ما
                    أنفقت رياء وسمعة فذلك حظ الشيطان .

                    أيها المؤمنون الكرام ، أيتها المؤمنات الكريمات :

                    إن قول الله تبارك وتعالى : (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ ) ؛ إشارة إلى ذم وكراهية البخل والشح.
                    إن من أصول الاقتصاد : التوسط في الإنفاق دون بخل ولا سرف، فالبخل إفراط في الإمساك، والتبذير إفراط في الإنفاق وهما مذمومان وخير الأمور أوسطها.
                    ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما عال من اقتصد ) ؛ أي : ما وقع في المشاكل الاجتماعية من اقتصد في معيشته، ولذلك جاء في الحديث الشريف الآخر : قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة ) .


                    أيها المسلمون الكرام، أيتها المسلمات الكريمات:

                    إن الاعتدال والتوسط في الإنفاق يكون في كل شيء حتى في الأكل واللباس ، وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام : (كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا فى غير مخيلة ولا سرف فإن الله يحب أن ترى أثر نعمته على عبده) ، ويقول ابن عباس رضي الله عنه : ( كل ما شئت ، والبس ما شئت ؛ ما أخطأتك خصلتان : سرف ، ومخيلة) .
                    أي : اتخذ لنفسك من الأكل الحلال واللباس الحلال ما تشاء ؛ بشرط اجتناب أمرين اثنين : السرف أو الإسراف ، والمخيلة أو التكبر.

                    أقول قولي هذا ، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه تجدوه غفورا رحيما ..
                    وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.


                    الخطبة الثانية :
                    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا وحبيبنا رسول الله الأمين ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وأصحابه الصادقين الأكرمين ، ومن اهتدى بهديهم أجمعين ؛ أما بعد :
                    ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ )

                    أيها المؤمنون الكرام ، أيتها المؤمنات الكريمات :
                    إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الذي أخرجه الديلمي عن أنس : ( التدبير نصف العيش، والتودد نصف العقل، والهم نصف العمر، وقلة العيال أحد اليسارين ) .
                    فتأملوا رحمكم الله فيما جاء في الحديث : ( التدبير نصف العيش ) ، والتدبير هو : التخطيط ووضع السياسات الرشيدة والمحكمة، وهذا الحديث يصدق على الأفراد كما يصدق على الأمم، والمعنى : أن الأمة التي لا تخطط لاقتصادها وأمورها المالية أمة ستهلك في معيشتها.
                    وإن الله عز وجل أهلك أمة من الأمم الغابرة ، لأنها لم تحسن التدبير والتخطيط لشؤونها الاقتصادية ، وعلق القرآن على هلاكها فقال : (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ ) ، أي : إنهم اهتموا بتشييد القصور وعطلوا حفر آبار المياه ، ولم يخططوا للأمن الغذائي والمائي.
                    وقال عز وجل عن أمة أُهلكت ودُمرت :
                    ( أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ )
                    فأهلكهم الله تبارك وتعالى لأنهم كانوا يعبثون بالأموال ولا يحسنون التصرف بها ، وجعلوها مطية للتجبر والطغيان، وبنوا اقتصادهم على الريع وهو الربح المجاني دون تعب ولا عمل ولا إنتاج ولا جهد ، وجعلوا الأموال لبناء الجدران ؛ لا لبناء وخدمة وتكوين الإنسان.

                    أيها المؤمنون الكرام، أيتها المؤمنات الكريمات :
                    إن الإسراف في أموال الأمة من أعظم الكبائر عند الله عز وجل ، وإن إفقار الأمة من خيراتها وثرواتها جريمة ينتقم الله عزوجل من فاعلها.
                    ولقد علمتم ما صنع الله تعالى بفرعون حيث وصفه بأنه كان من المسرفين ليحذر أولي الامر في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من هذه الجرائم حتى لا يرتكبونها في حق أمتهم فقال الله تعالى :
                    ( كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ )
                    إن تضييع مال الأمة يمينا وشمالا من أعظم الجرائم عند الله عز وجل ، والواجب على الأمة أن لا ترضى بالمسؤولين الذين يغتصبون خزائنها جهرا وسرا ، ويسيئون التصرف في ثرواتها ومكاسبها.

                    إنه يجب أن نعلم أن من أسباب الأزمة التي تسفك فيها الدماء وتضيع فيها الأرواح ، إن من أسبابها : سوء توزيع الثروة والمال وسوء التخطيط لحماية المال العام من اللصوص ، إنه من الظلم عند الله والذي يعاقب عليه في الدنيا والآخرة ؛ أن لا يحاسب المسئول عند ظهور الغنى والثراء عليه فجأة ، فتراه يملك ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ؛ داخل الوطن وخارجه .
                    إنه لا بد من تطبيق مبدأ الإسلام الذي يقول: من أين لك هذا؟ .
                    إنه لا بد من الضرب بقوة على أيد هؤلاء المتلاعبين المغتصبين ، المبذرين المسرفين ، المترفين المرتشين المفسدين .
                    فاللهم إنا نشكو إليك ونبرأ إليك مما يفعله السفهاء في المجتمع .
                    اللهم لا تعذبنا ولا تؤاخنا بما يصنعه الخائنون المرتشون .
                    اللهم إنا نتبرأ إليك من كل سارق خائن لهذه الأمة .

                    *** *** ***
                    اللهم ارحمنا ولا تعذبنا، اللهم اعف عنا واغفر لنا، اللهم أرضنا وارض عنا وتب علينا .
                    اللهم إنا نسألك قلوبا خاشعة وألسنة ذاكرة وأبدانا على البلاء صابرة .
                    اللهم إنا نسألك الفوز يوم القضاء وعيش السعداء ومنزلة الشهداء ومرافقة الأنبياء والنصر ؛ النصر على الأعداء ، ونسألك صحبة العلماء ، ومقامات الأولياء .
                    اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا .
                    اللهم إنا نسألك الجنة وما يقربنا إليها من قول وعمل ونية .
                    اللهم إنا نعوذ بك من النار وما يقرب إليها من قول و عمل ونية .
                    اللهم إنا نسألك حسن الخاتمة ، ونسألك حسن السابقة .
                    اللهم اختم لنا بالباقيات الصالحات أعمالنا ، واجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم نلقاك فيه وأنت راض عنا .
                    اللهم بيض وجوهنا عندما نلقاك، اللهم يمن كتابنا عندما نلقاك .
                    اللهم إنا نسألك ونتوجه إليك ونحن العباد الضعاف المستسلمين إليك ، ونحن نتضرع رافعين أيدينا إليك ؛ يا أكرم الأكرمين ، ويا أرحم الراحمين ، ويا رب العالمين ، وياذا الجلال والإكرام ، ويا حي يا قيوم : نسألك ربنا أن تنصر الإسلام والمسلمين، وأن ترفع كلمة الحق والدين .
                    اللهم إنا نتوسل إليك أن تحقن دماءنا ودماء المسلمين .
                    اللهم وحد صفوفنا واجمع كلمتنا ولم شملنا وارفع راياتنا وآمن روعاتنا وانصرنا على من ظلمنا .
                    اللهم انصرنا ولاتنصر علينا، ربنا أعنا ولاتعن علينا، ربنا ارحمنا ولا تعذبنا .
                    اللهم ارحم شهداءنا الأبرار .
                    اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها .
                    اللهم ربنا يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك .
                    اللهم ثبت على الإيمان قلوبنا ، اللهم اشف مرضانا، اغفر لموتانا، ارحم قبورنا، تول أمرنا، أحسن خلاصنا ، فك أسرنا، احشرنا في زمرة نبينا، اللهم أوردنا حوضه ولا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده، واسقنا بيده الشريفة شربة هنيئة لا نضمأ بعدها أبدا .

                    *** *** ***
                    عباد الله .
                    ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )
                    اذكروا الله ؛ يذكرهم ، واشكروه على نعمه يزدكم ..
                    (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ )



                    ******************************************


                    خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : ابراهيم بودوخة من دولة الجزائر الشقيقة




                    تعليق

                    • Ahmad A Najar
                      الإدارة العامة
                      • Aug 2008
                      • 7540


                      السلام عليكم,,

                      بارك الله فيكِ أختنا العزيزة إم سلمان, لكل ما نشر بهذة الصفحة من أفضل مختارات خطبة الجمعة,

                      جزاكِ الله كل الخير وبارك الله فيكِ وفي أولادك..


                      - يُخاطبني السفيه بكل قبح فأكره أكون له مُجيبا ، يزيد سَفاهة فأزيدحلماً كعود زاده الإحراقّ طيباً ، شّكوت إلى وكيع سوء حِفظي ، فأرشّدني إلى ترك المعاصّي وأخبرني بأن العلم نورٌ ونورُ الله لا يُهدى لعاصّي .
                      - آملي أن يرضّى الله و والديّ عني -- لو كان العّالم في كَفة ، و والديّ في كَفة ، لاخّترت والديّ.

                      - للبعّيدين جداً. للذين لاتصّلهم كَلماتنا ولا أصّواتنا. للذينَ غادرو دون تَرتّيب. ودونَ موعّد مسبقّ. للذينَ لن يَعّودو أبداً.طّبتم في فردوسّ الرحّمن نَعّيماً..

                      تعليق

                      • سُلاف
                        مشرفة المواضيع الإسلامية
                        من مؤسسين الموقع
                        • Mar 2009
                        • 10535

                        رد: مختارات من خطب الجمعة

                        المشاركة الأصلية بواسطة Ahmad Najar مشاهدة المشاركة

                        السلام عليكم,,

                        بارك الله فيكِ أختنا العزيزة إم سلمان, لكل ما نشر بهذة الصفحة من أفضل مختارات خطبة الجمعة,

                        جزاكِ الله كل الخير وبارك الله فيكِ وفي أولادك..



                        وعليكم السلام ورحمة الله

                        الله يبارك بعمرك أخي أحمد وشكرا لك على المتابعة والتشجيع

                        جمعة مباركة باذن الرحمان


                        تعليق

                        • سُلاف
                          مشرفة المواضيع الإسلامية
                          من مؤسسين الموقع
                          • Mar 2009
                          • 10535



                          الصلة بين اللسان والقلب والجوارح





                          الخطبة الأولى:

                          الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتمَّ علينا النعمة، وأكرَمَنا ببعثة سيد المُرسلين، أحمده -سبحانه- والحمدُ حقٌّ واجبٌ له في كل حينٍ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ الحق المُبين، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله المبعوثُ رحمةً للعالمين، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن آله وصحابتِه أجمعين، وعن التابعين وأتباعِهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

                          أما بعد:

                          فاتقوا الله -عباد الله-، واذكُروا أنكم مُلاقُوه موقوفون بين يدَيه: (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى).

                          أيها المسلمون: لئن كان في الناس من يشرِي نفسَه ابتِغاءَ مرضات الله فهو نقيُّ القلبِ، صادِقُ القول، مُخلِصُ العمل، لا يسعَى إلا إلى خيرٍ، ولا يقصِدُ إلا إلى سبيلِ نفعٍ؛ فإن من الناسِ من يُعجِب السامِعَ قولُه، ويروقُ له كلامُه، ويلَذُّ له حديثُه، لاسيَّما حين يقرِنُ ذلك بالحلِف بالله على صِدق ما يدَّعِيه، ومُوافقَة قلبِه لظاهر كلامِه. لكنَّ البراهِين لا تُسنِدُه، والأعمالَ لا تُصدِّقُه.

                          وهذا الفريقُ موجودٌ في كل أمة، ظاهرٌ في كل عصر، ويشتدُّ ضرره، ويعظُم خطرُه باختِلاف الخِلابَة اللِّسانية في الأُمم، وإذا سهُل له أن يغُرَّ بزُخرُف القول أفرادًا أو قِلَّةً من الناس في زمانٍ؛ فإنه يسهُل له أن يغُرَّ الأمةَ قاطِبةً في أزمِنةٍ أُخَر.

                          ولذا جاء في القرآن الحديثُ الضافِي الكاشِفُ عن حال هذا الفريق، المُبيّن صفاته؛ ليدلَّ بذلك على أن الأقوالَ لا اعتِبارَ بها، ولا تعويلَ عليها، ولا رُكونَ إليها، إلا إذا جاءت الأعمالُ مُصدِّقةً لها، فقال -سبحانه-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ).

                          عباد الله: إن شدَّة الخُصومة واللَّجاجة، وقوةَ العارِضة في الجِدال، والمُخاصَمة لمن تودَّدَ إليهم هذا الفريق هي أُولَى علامات افتِضاح أمرِه، وتبيُّنِ كذِبِه في معسُولِ قولِه وحُلوِ منطقِه؛ إذ هو كما قال بعضُ أهل العلم: "لا يُحسِنُ إلا الكلامَ في الدنيا ليُعجِبَ السامِعَ ويخدَعَه، فيزعُم أن قلبَه مع الله، وأنه حسَنُ السَّريرة.

                          وإنك لَترى هذا في سيرة المُجرِمين ظاهرًا جلِيًّا، كما وصفَ الله تعالى؛ فهم يترُكون الصلاة، ويمنَعون الزكاة، ويشرَبون الخُمورَ، ويتسابَقون إلى الفُجور، ويأكُلون أموالَ الباطل، ثم يُفضِّلون أنفسَهم في الدين على أهل الإيمان والتقوى، زاعِمين أن هؤلاء المُتَّقين قد عُمِرَت ظواهِرُهم بالعمل والإرشاد، ولكنَّ بواطِنَهم خرِبةٌ بسُوء الاعتِقاد".

                          وقد جرَت سُنَّةُ الله تعالى في خلقِه، ودلَّت هدايتُه في كتابِه على أن سلامةَ الاعتقاد، وإخلاصَ السَّريرة هما ينبُوع الأعمال الصالِحة، والأقوال الصادِقة النافِعة.

                          والعلامةُ الثانية: هي سعيُه في الأرض بالإقدامِ على الإفسادِ فيها بقطع الطريق، وإخافَة السبيل، أو بِحرب المُسلمين أو إرهابِهم، أو الوَقيعة بينهم بإيقاظ الفِتن، وإذكاءِ نار التدابُر والعداوة والبَغضاء، وقطعِ ما أمرَ الله به أن يُوصَل، والجُرأة على سَفك الدمِ الحرامِ، وانتِهابِ الأموال، وانتِهاك الأعراض.

                          وهو إفسادٌ في الأرض يُؤذِنُ بمَحق البركات، وذهاب الخيرات في الزُّروع والأنعام، وكل ما بِه قِوام الحياة، ولذا فإن اللهَ لا يُحبُّه، ويُبغِضُ كل مُفسِدٍ ولو كان قولُه حسَنًا؛ فإن فسادَ عملِه دليلُ فساد قلبِه وكذِبِ دعواه.

                          ومن فساد هذا الفريق أيضًا -يا عباد الله-: ردُّه الحقّ، ورفضُه النُّصح؛ فإنه إذا ذُكِّر بالله، وخُوِّف من عقابِه عظُمَ عليه الأمر، وأسرعَ إليه الغضب، واستخَفَّه الشيطانُ فأصرَّ على إفسادِه، وتشبَّثَ بِباطِلِه، وأبَى الرُّجوعَ عن غَيِّهِ.

                          وذلك هو الكِبر الذي بيَّن حقيقتَه، وتوعَّد صاحبَه رسولُ الهُدى -صلوات الله وسلامه عليه- في الحديث الذي أخرجه مسلمٌ في صحيحه -واللفظ له- وأبو داود والترمذي في سننهما عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يدخلُ الجنةَ من كان في قلبِه مِثقالُ حبَّةٍ من كِبرٍ". فقال رجلٌ: إن الرجلَ يحبُّ أن يكون ثوبُه حسنًا، ونعلُه حسنة، قال: "إن اللهَ جميلٌ يحبُّ الجمال؛ الكِبرُ بَطَرُ الحق". أي: دفعُه وعدم القَبول به "وغَمطُ الناس"، أي: احتِقارهم وانتِقاصهم.

                          فيكون جامِعًا بين سُلوك سبيل العِصيان، وبين التكبُّر على الناصِحين الذين يسعَون إلى إصلاح ما فسَدَ من أمرِه، وردِّه إلى الجادَّة، واستِنقاذِه من الهلَكة.

                          وقد يجُرُّه التكبُّرُ على الناصِحين إلى شُرورٍ أُخرى؛ فإن في طبع كل مُفسِدٍ -كما يقول بعضُ أهل العلم-: "إن في طبع كل مُفسِدٍ النُّفورَ ممن يأمرُه بالصلاح ويحثُّه على التقوى؛ لأنه يرَى أمرَه له بالتقوى والخير تشهيرًا به، وصرفًا لعيون الناس إلى مفاسِدِه التي يستُرُها بزُخرُف القول وخِلابَته.

                          وقد يبلغُ نفورُ المُفسِدين في الأرض من الحق والدَّاعِين إلى الخير حدَّ استِثقالِهم، والحِقدِ عليهم، والسعيِ في إيذائِهم وإن لم يأمُروهم بذلك؛ إذ يرَون أن الدعوةَ إلى الخير والنهيَ عن الشرِّ كافِيان في فضيحَتهم، وذاهِبان بخِلابَتهم، فلا يُطيقُون رؤيةَ دُعاة الخير، ولا يرتاحُون لذِكرهم؛ بل يتتبَّعون عوراتِهم وعثَرَاتهم ليُوقِعوا بهم، وليُنفِّرُوا الناسَ من دعوتِهم. فإن لم يظفَروا بزلَّةٍ ظاهرةٍ التمَسُوها بالتحريف والتأويل، أو الاختِراع والتقوُّل".

                          فلا عجَبَ إذًا أن توعَّدَ الله هذا الفريقَ من الناس بعذابٍ بئيسٍ في نار جهنَّم التي جعلَها الله مُستقرًّا لهم يوم القيامة وبِئسَت النارُ دارًا وقرارًا.

                          فاتقوا الله -عباد الله-، وحذَارِ من اغتِرارٍ بمعسُولِ قولٍ لم يُصدِّقْه عملٌ، وبدعوَى لم تقُم عليها بيِّنة، وبشِعاراتٍ وأُطرُوحاتٍ ورُؤى لم يُؤيِّدها دليلٌ هادٍ ولا بُرهانٌ.

                          نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسُنَّة نبيِّه -صلى الله عليه وسلم-، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنبٍ، إنه كان غفَّارًا.


                          الخطبة الثانية:

                          إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه.

                          أما بعد:

                          فيا عباد الله: إن فيما ذكرَه الله تعالى في هذه الآيات التي وصفَ بها هذا الفريقَ الذي يُعجِبُ الناسَ قولُه دليلاً على أن الصفات الظاهرة لا تكونُ محمودةً ولا مرضيَّةً عند الله تعالى إلا حين يصلُحُ عملُ صاحبِها، ويستقيمُ قلبُه؛ لأن الله تعالى لا ينظُرُ إلى صُور العباد ولا إلى أقوالِهم، وإنما ينظُرُ إلى قلوبِهم وأعمالِهم، كما جاء في الحديث الذي أخرجَه مُسلمٌ -رحمه الله- في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله لا ينظرُ إلى صُوركم وأموالِكم، ولكن ينظُرُ إلى قلوبِكم وأعمالِكم".

                          وفيها حثٌّ على التمييز بين الناس بحسَب أعمالِهم وسِيَرهم، وعلى الحَذَر من الاغتِرار بزُخرُف القول ومعسُول الكلام الذي لا رصيدَ له من الأعمال.

                          ألا وصلُّوا وسلِّموا على خاتم النبيين، وإمام المُتَّقين، ورحمة الله للعالمين؛ فقد أُمِرتم بذلك في الكتاب المُبين؛ حيث قال ربُّكم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

                          اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابةِ والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا خيرَ من تجاوزَ وعفا.

                          اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزةَ الدين، ودمِّر أعداء الدين، وسائرَ الطُّغاةِ والمُفسدين، وألِّف بين قلوب المسلمين، ووحِّد صفوفَهم، وأصلِح قادتَهم، واجمع كلمتَهم على الحق يا رب العالمين.



                          ************************************************** *****

                          خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : أسامة بن عبد الله خياط






                          تعليق

                          • كدي
                            مشرف ينابيع الشعر العربي
                            • Feb 2009
                            • 1291

                            أخت سلاف
                            لقد مررت مر الكرام على المواعط والخطب
                            وان لها أثر كبير في نفوسنا وتعطى انعكاساً ملحوظا على حياتنا ومجتمعنا الاسلامي
                            وأصدقك القول بأني لم أتئملها كلها وللامانة سأخصص وقتا أخر لقرأتها
                            جزاك الله كل خير وفضل واحسان وجعل صنيعك هذا في ميزان حسناتك
                            فليرض عني الناس أو فليسخطوا ...... أنا لم أعد أسعى لغير رضاك
                            ذقت الهوى مراً ولم أذق الهوى ...... يارب حلواً قبل أن أهواك

                            تعليق

                            • سُلاف
                              مشرفة المواضيع الإسلامية
                              من مؤسسين الموقع
                              • Mar 2009
                              • 10535

                              رد: مختارات من خطب الجمعة

                              المشاركة الأصلية بواسطة كدي مشاهدة المشاركة
                              أخت سلاف
                              لقد مررت مر الكرام على المواعط والخطب
                              وان لها أثر كبير في نفوسنا وتعطى انعكاساً ملحوظا على حياتنا ومجتمعنا الاسلامي
                              وأصدقك القول بأني لم أتئملها كلها وللامانة سأخصص وقتا أخر لقرأتها
                              جزاك الله كل خير وفضل واحسان وجعل صنيعك هذا في ميزان حسناتك

                              بارك الله فيك أخي كدي وان شاء الله سوف تتمكن من متابعة الخطب القادمة معنا

                              أعاننا الله وإياكم على الصالحات من الأعمال


                              تعليق

                              • سُلاف
                                مشرفة المواضيع الإسلامية
                                من مؤسسين الموقع
                                • Mar 2009
                                • 10535


                                مـن يـرد حــوض النبــي







                                الخطبة الأولى


                                أما بعد:

                                فإن الوصية المبذولة لي ولكم عباد الله، هي تقوى الله ـ سبحانه ـ، في السر والعلن، في الرغبة والرهبة، في الغضب والرضا، إنما يتقبل الله من المتقين، الذين تدفعهم تقواهم إلى تقديم مرضاة ربهم على رضاء خلقه وعبيده.

                                أيها الناس، لقد منّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ على عباده بفصول أربعة، يتقلب فيها الزمن، على حر صيف، ويبس خريف، وبرد شتاء، وحسن ربيع، وجعل لكل فصل من هذه الفصول حكمة، يرعوي إليها من به ادكّار فهل من مدكر؟!

                                في الصحيحين أن النبي قال: ((اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب، أكل بعضي بعضا، فأذن لها بنفسين؛ نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون من الحر من سموم جهنم، وأشد ما تجدون من البرد من زمهرير جهنم)).

                                ولقد جعل الله ـ سبحانه ـ أشياء كثيرة تذكر بالنار ولهيبها، كالأزمنة المفرطة في الحر أو البرد، فبردها يقرقف، ويذكر بزمهرير جهنم، وحرها يأخذ بالأنفاس ويذكر بحر جهنم وسمومها، قال الحسن البصري: "كل برد أهلك شيئا فهو من نفس جهنم، وكل حر أهلك شيئا فهو من نفس جهنم"، وقال قتادة في معرض هذا: هل لكم بذلك يدان أم لكم عليه صبر ؟ طاعة الله ورسوله أهون عليكم يا قوم، فأطيعوا الله ورسوله .

                                أنسيت لظى عند ارتكابك للهوى وأنت توقى حر شمس الهواجر

                                أيها المسلمون، إن الله ـ جل وعلا ـ سيحشر الأموات جميعا، من قبورهم بعد البعث إلى الموقف حفاة عراة غرلا، كما بدأ أول خلق يعيده وَحَشَرْنَـٰهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً. يجمع الناس في عرصات القيامة، أولهم وآخرهم على صعيد واحد، فيموج بعضهم في بعض، وتدنو الشمس منهم حتى تكون كمقدار ميل، فيبلغ الناس من الكرب والغم ما لا يطيقون ولا يحتملون، فمنهم من يبلغ به العرق إلى كعبيه، ومنهم من إلى ركبتيه، ومنهم من إلى حَقْوَيْه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما، فيكون الناس أحوج ما يكونون إلى ما يروون به غليلهم، ويشفون عليلهم، أحوج ما يكونون إلى ما يقطعون به ظمأ الهاجرة، وغصة الحشر المهول، إنهم ـ يا رعاكم الله ـ يطمعون في ورود حوض نبيهم، بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّا أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ [سورة الكوثر]. قال رسول الله : ((هل تدرون ما الكوثر؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((هو نهر أعطانيه ربي ـ عز وجل ـ في الجنة، عليه خير كثير، ترد عليه أمتي يوم القيامة..)) الحديث.. [رواه أحمد].

                                إننا بحاجة ماسة ـ عباد الله ـ إلى أن نلبث مليا حول هذه النعمة المسداة المنصوبة في عرصات القيامة، لنأخذ منها دروسا وعبرا، علها أن توقظ غافلنا، وأن تبصر جاهلنا، بأنه لا عيش إلا عيش أهل الآخرة، إنا لنعمى مرات والعيون ناظرة، فالله مولانا ونعم المولى، وقل لمن يعصيه أولى أولى، ما هو إلا عفوه وحلمه، سبحان من لا حكم إلا حكمه.

                                جاء عند مسلم في صحيحه :أن الحوض يشخب فيه ميزابان من الجنة. الحوض ـ عباد الله ـ قبل الصراط، عند وجود الناس في المحشر، يرده المؤمنون ويذاد عنه الكافرون، طوله شهر، وعرضه شهر، كما بين المدينة وصنعاء، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء في عددها ونورها ولمعانها، وهو أبرد من الثلج، وأحلى من العسل، من شرب منه لا يظمأ بعدها أبدا، يصب فيه نهر الكوثر الذي حافتاه قباب الدر المجوّف، وطينه مسك أذفر، وهو موجود الآن لقوله : ((وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن)) [رواه البخاري].

                                كل هذه الصفات ـ عباد الله ـ صح بها الخبر عن الصادق المصدوق في الصحيحين وغيرهما مما يوجب الإيمان به والطمع في وروده، بيد أن ثمة قضية تحتاج إلى إمعان النظر فيها، والصدق مع الله في طرحها، والأخذ بأسباب التوقي من أن يكون مسلم ما في عداد الملتاثين فيها، ألا وهي ما يقع يوم القيامة من المفاجآت في أناس يطمعون أن يكونوا ممن يرد حوض نبيهم، فإذا هم يذادون عنه ويحرمون النهل منه، بل إنهم بذلك يفقدون مفتاح الجنة، وهو الشرب من هذا الحوض، قال رسول الله : ((إني فَرَط لكم، وأنا شهيد عليكم، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، لكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها)) [رواه البخاري].

                                والنكتة اللطيفة ـ عباد الله ـ أنه ذكر الحوض قبل التحذير الذي بعده، ليشير إلى التخويف من فعل ما يقتضي الإبعاد عن الحوض.

                                وجاء عن البخاري في صحيحه أن رسول الله قال: ((إني على الحوض، حتى أنظر من يرد علي منكم، وسيؤخذ ناس دوني، فأقول: يا رب، مني ومن أمتي، فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم)) وكان ابن أبي مليكة راوي الحديث يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن في ديننا.

                                وجاء عند مسلم في صحيحه أنه قال: ((إني لأذود عن حوضي رجالا كما تذاد الغريبة عن الإبل))، والمعنى ـ عباد الله ـ أنه يطرد من لا يستحق الشرب من الحوض.

                                أيها المسلمون، إن الأمة الإسلامية لهي في أشد الحاجة إلى أن ترد حوض نبيها، وإن هذه الأجيال المتأخرة ليخشى عليها من ظلمات لا يجد فيها الحاذق بصيص نور يهتدي به إلى سواء الصراط، أو يخلص به من ضلاله، وإن الإحداث والتغيير الذي دب في صفوف المسلمين، لهو خير شاهد على هذه القضية، ونحن اليوم ـ معاشر المسلمين ـ نعيش معركة حامية مع الازدواجية في كثير من أجوائنا الحياتية ـ إلا من رحم الله ـ يجمع بين الحق والباطل، والصحيح والضعيف، والزين والشين.

                                ولعل الازدواجية الصحافية في مثل هذه الأيام هي مقبض الرحى في كثير من الأقطار الإسلامية والعربية، والتي اندلعت نارها وطار في كثير من أرض الإسلام شرارها، لقد أهمل كثير من الأقلام، فلم تسخّر للإسلام، بل ما فتئ بعضها يلهو ويلعب ويسخر، وكأنه مدافع الأعياد، تتفجر بالبارود الكاذب، وسط مجتمعات مقرومة مجعومة، يتيه فيها اللبيب، وإن تعجبوا ـ عباد الله ـ فعجب أن يكون الاسم مسلما، وما يخطه البنان غريبا كل الصحفي الغرابة عنه! أين تلك الأقلام؛ لتدل الناس على ما يحفظ لهم دينهم ويحصي كيانهم، وتحذرهم من شرور الكفرة الحاقدين، وتقيم لهم الميزان العادل، فيرجعون عقلاء مميزين، يعرفون ما يأخذون وما يذرون.

                                واخجلتاه!! من أقلام محسوبة على المسلمين يموت فيهم العالم، وتبلى الأمة ببلايا ورزايا ثم لا تكتب فيها حرفا، بل هذا زاهد في حق هذا، وهذا فيه أزهد منه فيه. لقد شغلها عنها شواغل الصبيان في الأوحال، ومباهج أحلام شبابهم، وملذات الغرام التي يسمونها حتى في حال الوفاة ((أسطورية)) أيا كان هذا المتوفى رجلا أو امرأة، كافرا أو ملحدا، بغيا أو خبيث الطبع.

                                إن مثل هذه المشاعر الصحفية في تضخيم وفاة شخص ما، نفسها أو أحر منها، موجودة عند رواد الصحافة، وعشاق الورق في بلاد الإسلام وللأسف، وهي مشاعر يأباها الدين جملة وتفصيلا، ما دامت توهن إيمان المرء بالله وترده إلى غيره من الأحياء أو الأموات، ويالله! كم يحزننا أن يكون قلب امرئ ما فارغا من الله، مملوءا بغيره ـ بقوا أو هلكوا ـ؟

                                عن جابر أن عمر بن الخطاب أتى النبي بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه عليه، فغضب وقال: ((لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده، لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني )) [رواه أحمد وابن أبي شيبة].

                                فالعجب ـ عباد الله ـ ممن يعلم خطورة الركون إلى غير الإسلام، أو ميل القلب أو العاطفة، مع أحياء غير المسلمين أو أمواتهم ـ مهما كانت الظروف التي تحيط بهم، ودوافع الرغبة أو الرهبة، التي تنبعث من قبلهم ـ؛ فإن ذلك كله لا يسوغ تحبير الأقلام فيهم، ولا خلع الجلباب الساتر، والانتماء الزائف، مهما نعق الناعقون، بأن لهذه الشخصية أعمالا خيرة، بل وإن بلغ التجرؤ ببعضهم من وصف مثل هذه الشخصية بأنها طبقت الإسلام وإن لم تكن مسلمة، في صحافة المسلمين المتنوعة.

                                وما علم مَنْ جَهْلُهُ مُرَكَّب أن عملا ما بلا إسلام مهما كان خيرا، فلن ينفع صاحبه في أخراه، يقول الله ـ جل وعلا ـ في حق الكافرين: وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً
                                مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَىٰ شَىْء ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ .
                                وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَعْمَـٰلُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْانُ مَاء حَتَّىٰ إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّـٰهُ حِسَابَهُ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ

                                قدم أبو سفيان المدينة قبل أن يسلم، فدخل على ابنته أم حبيبة زوج النبي ، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله طوته عنه، فقال: يا بنية، ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش، أم رغبت به عني؟ قالت: بل هو فراش رسول الله وأنت رجل مشرك نجس.

                                هكذا فعلت أم المؤمنين في أبيها بكلمة حق، خرقت بها مثلا عربيا: كل فتاة بأبيها معجبة . ما دام أن الإيمان لم يخامر قلبه، وكلمة التوحيد لم ينطق بها لسانه.

                                ألا فاعلموا ـ رحمكم الله ـ أن رسالة المصطفى كفراشه، فمن أجلس عليه من ليس من دينه فلن يرد حوض النبي لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُواْ ءابَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوٰنَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَـئِكَ كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلإيمَـٰنَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا رَضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَـئِكَ حِزْبُ ٱللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ

                                اللهم ارزقنا شفاعة نبيك ، وأوردنا حوضه، واسقنا منه شربة لا نظمأ بعدها أبدا يا رحمن.



                                **********************************************

                                خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : سعود بن ابراهيم الشريم





                                تعليق

                                مواضيع شائعة

                                تقليص

                                لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                                جاري المعالجة..
                                X