ذكر المقريزي - رحمه الله - المتوفى سنة 845 هجرية , في كتابه " المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار " احدى الحدائق العربية في مصر , ووصفها وصفاً عجيباً , يدل على ان القوم وصلوا إلى مراحل متقدمة في تنسيق الحدائق والاهتمام بها .
لا نطيل عليكم دعونا نرى ماذا قال المقريزي في وصف حديقة خمارويه بن احمد بن طولون :
لا نطيل عليكم دعونا نرى ماذا قال المقريزي في وصف حديقة خمارويه بن احمد بن طولون :
( لما مات أحمد بن طولون ، وقام من بعده ابنه خمارويه أقبل على قصر أبيه ، وزاد فيه ، وأخذ الميدان الذي كان لأبيه ، فجعله كله بستانا ، وزرع فيه أنواع الرياحين ، وأصناف الشجر، ونقل إليه الودى اللطيف الذي ينال ثمره القائم ، ومنه ما يتناوله الجالس من أصناف خيار النخل ، وحمل إليه كل صنف من الشجر المطعم العجيب ، وأنواع الورد ، وزرع فيه الزعفران ، وكسا أجسام النخل نحاسا مذهبا حسن الصنعة ، وجعل بين النحاس ، وأجساد النخل مزاريب الرصاص ، وأجرى فيها الماء المدبر، فكان يخرج من تضاعيف ، قائم النخل عيون الماء ، فتنحدر إلى فساقي معمولة ، ويفيض منها الماء إلى مجار تسقي سائر البستان ، وغرس فيه من الريحان المزروع على نقوش معمولة ، وكتابات مكتوبة يتعاهدها البستانيّ بالمقراض حتى لا تزيد ورقة على ورقة ، وزرع فيه النيلوفر الأحمر، والأزرق والأصفر والجنوى العجيب ، وأهدى إليه من خراسان وغيرها ، كل أصل عجيب ، وطعموا له شجر المشمش باللوز، وأشباه ذلك من كل ما يستظرف ويستحسن ، وبنى فيه برجا من خشب الساج المنقوش بالنقر النافذ ، ليقوم مقام الأقفاص ، وزوّقه بأصناف الأصباغ وبلط أرضه ، وجعل في تضاعيفه أنهارا لطافا جدا ولها يجري فيها الماء مدبرا من السواقي التي تدور على الآبار العذبة ، ويسقي منها الأشجار وغيرها ، وسرّح في هذا البرج من أصناف القماري والدباسي والنونيات ، وكل طائر مستحسن حسن الصوت ، فكانت الطير تشرب ، وتغتسل من تلك الأنهار الجارية في البرج ، وجعل فيه أوكارا في قواديس لطيفة ممكنة في جوف الحيطان ، لتفرخ الطيور فيها ، وعارض لها فيه عيدانا ممكنة في جوانبه لتقف عليها إذا تطايرت حتى يجاوب بعضها بعضا بالصياح ، وسرّح في البستان من الطير العجيب كالطواويس ، ودجاج الحبش، ونحوها شيئا كثيرا).
وللجميع اطيب التحايا ؛؛؛
تعليق