اذا كان النحل يقوم بجمع مخزونه من العسل في الخلية المعدة لذلك ، فإن النمل له طريقة أخرى غريبة وعجيبة في تخزين العسل.. نعم العسل ! ولكنه ليس عسلا كما العسل الذي ينتجه النحل
و إنما عبارة عن مادة صمغية لزجة حلوة المذاق ، قوامها الفضلات التي تنتجها بعض الحشرات مثل حشرة المن والتي تعرف بالندوة العسلية ، وكذا ما تم تجميعه من دهون وسوائل متبقية من أجسام فرائسها من الحشرات ، ورحيق الزهور و عصارة النباتات ...
كل هذا تقوم النملة بجمعه وتحويله الى هذه المادة الصمغية التي يطلق عليها باللغة العربية : "المُغَثَّر" أو "ندوة عسلية"
أما بالانجليزية فتسمى : "Honeydew"
الى هنا كل شئ عادي ومعروف لأن الندوة العسلية عند أهل الزراعة معروفة جدا يجدونها دائما على سيقان النباتات و جذوع الأشجار يفرزها المن وبعض أنواع الحشرات القشرية ، وعليها يقتات النمل ويخزنها في مساكنه كمؤونة
لكن ما هو غريب ومثير للدهشة سبحان الله هو كيفية تخزين النمل لهذا المغثر
تقوم النملات العاملات بسكب وتفريغ ما لديها من حمولة من هذا المغثر داخل أفواه نملات أخرى مهيأة خصيصا لهذه الوظيفة ، وتسمى هذه العملية علميا بــ : "Trophalla xis" و هي متداولة جدا في عالم النمل والنحل و حشرة الأرضة ... وغيرها من الحشرات الاجتماعية
هذه النملة التي تتلقى الحمولة من النملات الأخريات تنتمي أيضا الى مجموعة النملات العاملات ولكن الى الطبقة الاولى منها وهي طبقة العاملات الكبيرات والتي يطلق عليها "majors"
حينما تستقبل النملة هذا المخزون داخل جوفها تقوم بخزنه في الجزء السفلي من جسمها الذي يمكنه أن يسع حمولة يفوق حجمها حجم جسم النملة بعدة أضعاف حتى يصبح بحجم حبة عنب
تظل النملة بعدئذ ملتصقة دون حراك بسقف المسكن ، رأسها موجه نحو الأعلى والجزء السفلي موجه نحو الأسفل ، لأن حجم جسمها الآن لم يعد يساعدها على التنقل او الخروج من المسكن
تأتي النملة العاملة المكلفة بإطعام الصغار أو إطعام الملكة ثم تكسر قرون استشعار النملة الحاملة للمغثر ، فتقوم هذه الأخيرة باخراج كمية من الطعام عبر فمها للنملة العاملة التي تأخذه الى من هو بحاجة اليه من أفراد المستعمرة النملية
و تحسبا لأي هجوم محتمل فان مكان تواجد هذه النملات التي يمكن أن نطلق عليها "المخازن الحية" يكون دائما في المنطقة الأبعد والأعمق من مسكن النمل حتى لا تضيع المؤونة لمن تبقى من أفراد المستعمرة اذا حدث وأن تعرضت لأي هجوم من طرف الحشرات الأخرى او الحيوانات بل وحتى الانسان
فبعض قبائل الهنود الحمر وكذا سكان استراليا الأصليين الذين يطلق عليهم : "Aborigines" ، معروفون بالبحث دائما عن مساكن النمل للحصول على هذا السائل السكري الملئ بالدهنيات والبروتينات والذي يعتقدون فيه قدرة على منح الجسم قوة خارقة
الكل يسعى الى رزقه بما يسر له و الكل يسعى بكل ما أوتي للحفاظ عليه وحمايته من اللصوص كما أوحى اليه ربه وبما وهبه لأجل ذلك من قدرات وملكات فطرية ومكتسبة
سبحان الله ربي العظيم
تعليق