في هذه البقعة الجميلة والنائية من عالمنا الواسع الفسيح ، توجد أجود أنواع عسل النحل الطبيعي الخالص الذي لم تتدخل فيه لحد الآن يد الإنسان ولم تمتد إليه إلا من أجل جنيه واستغلاله
فالمرعى طبيعي بري ، والزهور تتواجد بسخاء في كل أرجاء المنطقة
على ارتفاع شاهق يمتد لـما بين 1500 و 5800 متر في سلسلة جبال الهيمالايا وتحديدا بجمهورية النيبال ، تتواجد بكثرة شجيرات الرودندرون المزهرة بأنواعها وألوانها المختلفة والتي تجتذب النحل
فصيلة Apis Laboriosa هي أشهر أنواع النحل الاجتماعية المنتجة لعسل الجبال الطبيعي وعسل زهور الرودندرون ؛ وزهرة الرودندورون هي الشعار الرسمي الحالي لدولة النيبال
قبل سنوات كما يقول سكان المنطقة كانت توجد بهذه الجبال ما يزيد عن المائتي خلية في موقع واحد ، لكنها مع مرور الوقت وبفعل عوامل مختلفة بدأت تتضاءل الى أن أصبحت الآن لا تتعدى ثمانية !
لمرتين بالسنة يتجمع سكان القرية رجالا ونساء وأطفالا لجني عسل الجبال الذي يوفر لهم مصدر دخل ورزق
وقبل البدء في ذلك تمارس عادة مجموعة من الطقوس الدينية والروحية لتتكلل المهمة بالنجاح
وطبعا لا يقوم بهذه المهمة أي شخص كان ، انما هناك دائما شخص واحد ينتخبه سكان القرية للقيام بهذه المهمة وهو بمثابة المرشد الروحي للقرية كلها وله قدرات خاصة ومعرفة بعالم الأرواح
يطلق عليه بلغة اهل النيبال المحلية" guru" والكلمة تعني : العـــارف
يهيأ له لباس خاص مصنوع من ألياف نبتة القريص ينسج على أيد نساء القرية وتأخذ منهم المهمة خمسة أشهر
كل ما يتعلق بهذه العملية من حيث معداتها وأدواتها هو طبيعي مائة بالمائة سواء السلم المخصص للتسلق والمصنوع من نبات الخيزران أو السلال التي توضع فيها الخلايا بعد خروج النحل من الخلية ...
و عملية جني العسل هي نفسها كما كانت عليه منذ آلاف السنوات لم تتغير أبدا ، ولا تزال تمارس بنفس الأدوات والطرائق
يتسلح الجميع بالصبر والحزم من أجل جني العسل ويستعدون لمسيرة طويلة سيرا على الأقدام قبل أن يصلوا الى الأماكن المقصودة حيث تتواجد أعشاش النحل داخل ثقوب الصخور
يجب أن يقوم أحدهم بتثبيت السلم الذي يبلغ طوله مائة متر على قمة الصخرة ، ثم يقوم البقية باشعال النار واصدار الدخان لإثارة النحل حتى يخرج من مساكنه
بينما فريق آخر يظل عند قاع الصخرة ممسكا ببعض الأواني الصغيرة التقاط قطرات العسل الثمينة التي تبدأ بالتساقط فور اخراج الخلية
تثور ثائرة النحل الذي يبدأ بالخروج من ثقوب الصخرة للدفاع عن أعشاشه ويهاجم بشراسة الى ان تخور قواه بعد نحو عشرين دقيقة
حينها يتسلق صياد عسل الصخور السلم الى حيث توجد أعشاش النحل بينما يقوم الباقون بشد الحبل الممتد من السلم من الجهة المقابلة حتى يسهل على الصياد التنقل من خلية الى أخرى محاولا ان يمسك بقوة السلة التي ستلتقط العسل ويضعها في المكان المناسب حتى لا يتساقط العسل أرضا
لكن هذه السنة لم يكن أهل القرية محظوظين حقا ، فكمية كبيرة من العسل فقدت بسبب اختلال توازن السلة
كل ما تم جنيه هو 110 كيلو من العسل والذي سيتقاسمه سكان القرية فيما بينهم ولن يبيعوه كما جرت العادة كل سنة لأنه قليل ولن يدر عليهم الكثير من المال
بعد ساعات متواصلة من العمل الشاق هاهو بطلنا يرتاح من مهمته الصعبة بعد أن ارتدى زيا آخر خاصا للاحتفال بمناسبة موسم جني عسل الجبال الطبيعي الخالص والذي قد يباع في الأسواق العالمية بضعف أضعاف المبلغ الذي باعه به سكان هذه القرية !
والغريب في الأمر انه ماشاء الله خرج من هذه المهمة بأقل خسائر تذكر
تعليق