اليوم الجمعة 19 ذو القعدة 1433 الموافق 5 اكتوبر 2012 لدينا نشاط محبب إلى النفس وواجب انساني وعمل خيري دائم باذن الله.
الغاليان آلاء وسلمان أبناء عزيزتنا الموقرة أم سلمان (سلاف فواخرجي) التي بصراحة تعجز الأوصاف أو الكلمات عن نعتها.. يبعثاني في مهمة نبيلة وخيرية ذات أجر باق باذن الله، ألا وهي زراعة شجرتين غير بعيد من عاصمة موريتانيا "نواكشوط" التي ربما هي المدينة الوحيدة في العالم التي تستحق أن يطلق عليها عاصمة الرمال.
هذه المدينة البسيطة الآمنة الواقعة في أقصى نقطة من الوطن العربي، تقع في بحور من الرمال الزاحفة التي لا تتوقف لدقيقة.
ولهذا، فإن آلاء وسلمان يقومان بواجب قومي وانساني لمساعدة مدينة نواكشوط في وقف زحف الرمال، وإعطاء الحياة البرية البدوية فرصة حياة جديدة.
لأجل هذا، اخترت لآلاء شجرة أصيلة في هذه المنطقة، لها مكانة مرموقة وفوائد لا تحصى وتعرف بـ "فاكهة الصحراء" ألا وهي أيزن، واخترت لسلمان شجرة أصيلة هي الأخرى ومن الأشجار الشهيرة في المنطقة وافريقيا والعالم ككل ألا وهي شجرة الصمغ العربي.
لكي تنجح عملية الزراعة، يجب أن تكون الشجرتين شتلتين صغيرتين، وهاهما بعد أن قضيا الليلة البارحة في ضيافة الأعشاب المنتشرة خلف مكتبي إلى جانب السماد الطبيعي الذي سأستخدمه وهو عبارة عن بعر الغنم:
اتجهت إلى الجزء الشمالي من ضواحي مدينة نواكشوط، حيث يظهر جلياً زحف الرمال على المدينة:
اتجهت إلى الجزء الشمالي من ضواحي مدينة نواكشوط، حيث يظهر جلياً زحف الرمال على المدينة:
بدأت الرحلة الساعة الحادية عشرة صباحاً، وها نحن نبتعد رويداً رويداً عن ضواحي المدينة وتتسع رقعة الرمال وتنتشر شجيرات العشار:
سنقطع حوالي 20 كيلومترا شمالاً لكي نبدأ مهمتنا، لأن هذه الرمال التي نحن عليها الآن هي قطع أرضية مملوكة، وتتراءى لنا بالكاد أشجار، وهي غالباً أشجار المسكيت التي زرعتها الدولة لوقف زحف الرمال:
انها أشجار تقوم بمهمتها على أكمل وجه، فاذا زحفت الرمال أوقفتها، واذا تمردت الكثبان بقيت ثابتة تصد العدوان:
انها شجرة خارقة للعادة تعيش بلا ماء تقريباً، وتنمو بقوة في الرمال، مما ساعد في عملية التثبيت الميكاني للرمال المتحركة الذي تقوم به السلطات كل سنة:
لكن للمسكيت مساويء رغم هذا، فالإبل التي يعتمد عليها سكان هذه البلاد لا ترعاها، ولهذا ونحن في الطريق نشاهد الإبل تبحث في كل جهة عن المرعى الأصيل من أشجار المنطقة التي بالكاد توجد بسبب انتشار المسكيت ومنافستها التي لا ترحم:
وها قد وصلنا، وقد كنت أسوق المركبة بعناية فائقة، فمهمة آلاء وسلمان يجب أن تتم دون الدوس على أي مساكن للحيوانات الصغيرة أو الحشرات وبأقل الخسائر الممكنة على النبات:
وجدت مكاناً مناسباً على الرمال، بعد أن لاحظت نشاط النباتات والأشجار الأصيلة فيه:
قبل كل شيء نزلت إلى السكان الأصليين، وبالخصوص إلى هذا البيت للنمل الأحمر الصغير، وقدمت لهم ما يكفي من الغذاء ربما لسنة كاملة هدية من سلمان وآلاء وهو عبارة عن فتات صغير من بقايا الخبز الذي جمعته بعد الفطور:
ثم قطعت مسافة 100 متر تقريباً أبحث عن فصيلة أخرى من النمل، فوجدت منزلاً للنمل الأسود الصغير، ووضعت له الهدية الثانية من آلاء وسلمان وهي عبارة عن قطع باقية من الأيام الماضية لكعك تم توزيعه في مؤتمر أقمناه في مكتبنا، ووزعته بالتساوي على عدد من المنازل النملية:
هذه المعونات الغذائية تكاد تكون لم تحصل عليها هذه المخلوقات الصغيرة من قبل وستساهم في الأمن الغذائي للحشرات الأخرى في المكان لأن الرياح ستتولى المهمة الباقية لتوزيعها على جميع سكان المنطقة الأصيلين بحق.
هنا سيتم زراعة شجرة سلمان، تبدو آثار الإبل وقد مرت صباحاً من هنا:
التربة جيدة السقاية، بسبب الأمطار التي تهاطلت الأسابيع الماضية، وهذا شيء رائع فسيساعد كثيراً في تسريع نمو الشجرة:
تم زراعة شجرة سلمان (الصمغ العربي) بنجاح بعد إضافة الكمية المناسبة من السماد وسقيها حوالي 4 لترات من الماء:
وضعت غصن قربها ليدعم الساق، لكن ماشاء الله لا تحتاجه:
الآن، سأبتعد قليلاً إلى مسافة 9 أمتار حيث سأزرع شجرة آلاء:
هاهو المكان الذي ستزرع فيه هذه الشجرة الجميلة أيزن التي اهدتها آلاء إلى الصحراء:
والتربة ماشاء الله جيدة جداً ومع التسميد سيكون كل شيء على مايرام:
تمت زراعة شجرة آلاء بنجاح:
وهاهما الشجرتان متقابلتان:
المهمة تمت بنجاح وفي أجواء رائعة لا يسمع فيها غير طنين الحشرات الطائرة ولا يشم فيها غير رائحة أوراق الشجر الندية والنباتات البدوية العطرة، وهاهو المكان الذي ستعيش فيه الشجرتان وتضيفان حياة جديدة للمنطقة والكوكب ككل:
لزيارة شجرة آلاء عبر الأقمار الصناعية وتحديد مكانها عبر جوجل ايرث أو GPS هاهي الاحداثيات:
N 18° 06’22” / W 15° 52’55”
وهذه احداثيات شجرة سلمان:
N 18° 06’22” / W 15° 52’54”
ستبقى هذه الأشجار ذكرى طيبة على الأرض، واذا قدر لها أن تعيش دون عبث الآلة والانسان، فستبلغ وتتكاثر وتساهم عند فترة بلوغها بامتصاص كمية لا تقل عن 2 طن من ثاني اكسيد الكربون سنوياً للشجرة الواحدة، ناهيك عن توفير الغذاء والمنافع للكائنات الحية والماشية والانسان.
(ملاحظة: الأكياس البلاستيكية التي استخدمت في هذه المهمة تم ايداعها صندوق الحاويات المخصص لإعادة التدوير)
تعليق