تعرف الصين منذ عدة سنوات ارتفاعا مهولا في نسبة التلوث يقول العلماء انه وصل الى مستويات كارثية بسبب عدم تنظيم وتقنين الأنشطة الصناعية والزراعية
فالزائر لمدينة بكين العاصمة سوف يكون اول ما يلاحظه عندما تطأ قدماه أرض المدينة هو ذاك الدخان الرمادي الذي يلفه من كل جانب حتى يخيل اليك انه دخان بركان مضطرم على وشك الانفجار في أية لحظة
بعض مناطق الصين بسبب تمركز العديد من الأنشطة الاقتصادية فيها كانت هي الأكثر تأثرا بمخلفات هذا التلوث من غيرها
ولمخلوقات الله عز وجل من نباتات وحيوانات نصيب في كل هذا أيضا وقد نالهم ما نالهم من تبعات هذا التلوث الذي غير من انماط سلوكاتهم الفطرية فهجرت العديد من انواع الطيور هذه المناطق الموبوءة واختفت الكثير من أنواع الحشرات وانقرضت الكثير من النباتات ...
ولا أدل على هذا من ظاهرة اختفاء النحل كليا من منطقة سيشوان في الوسط الغربي من الصين ، وهي منطقة معروفة منذ القدم بمزارع التفاح المعتمد في مردوديته الانتاجية على التلقيح الحشري الذي كان يتكفل به النحل الذي يستوطن المنطقة
أما حاليا فقد اختفت كليا هذه الحشرة المباركة بسبب تلوث الهواء وتناقص كثافة الغطاء النباتي وتنوعه والافراط في استخدام المبيدات الزراعية
وتسبب هذا في تراجع مستوى المردودية لمزارع التفاح
فكان أن وجد السكان أنفسهم مضطرين الى تعويض النحل في مهمة تلقيح أشجار التفاح قدر ما يستطيعون
هي مهمة فد تبدو مستحيلة بعض الشئ عند البعض ... لكن لا يوجد بديل آخر !
كل يوم اذن يقوم سكان المنطقة بشكل جماعي ممن هم في سن العمل وفي هذه الفترة من السنة ، بتسلق أشجار التفاح و تلقيح الأزهار باللقاح الذي قاموا باستخلاصه قبل ذلك بطريقة خاصة : يؤخذ اللقاح من الأزهار المذكرة ثم يجفف في الشمس لمدة لا تقل عن 48 ساعة
بعدها يسحق ليصبح على هيئة غبار دقيق جدا ويوضع في علب يحملها معه المزارع وهو متسلق الشجرة ، ثم بواسطة قصب البامبو يوضع غبار الطلع بدقة واحكام على كل الازهار المؤنثة الموجودة بالشجرة ...
والشجرة الواحدة تستغرق زهاء نصف ساعة من العمل الدؤوب دون توقف من طرف مزارع محترف مدرب بكفاءة ، أما الأقل خبرة فقد يستغرق ضعف المدة في كل شجرة وقد لا تلقح جيدا كل الأزهار... وقد لا يستطيع الوصول اليها كلها
وهو رقم اذا ما قيس بالعدد الذي كانت تلقحه النحلات يوميا من الأشجار يبقى رقما محبطا !
فنحل خلية واحدة بإمكانه ان يلقح يوميا أكثر من 3 ملايين شجرة مجانا دون مقابل !
بينما لا يستطيع الانسان أن يقوم بتلقيح اكثر من ثلاثين شجرة فقط في اليوم
هذا على اعتبار انه أمضى نهاره كله يعمل دون توقف منتظرا في نهاية اليوم ان يستلم أجرته من صاحب المزرعة !
وكل هذا في سباق مع الزمن مخافة انتهاء وزوال فترة التزهير وكذا اذا ساعدت الأحوال الجوية على اتمام المهمة بنجاح
تستمر حملة التلقيح اليدوي هذه بمنطقة سيشوان الصينية حوالي شهرا من الزمن يستطيع خلالها السكان انقاذ ما تبقى وما أمكن إنقاذه من زراعتهم التي اشتهروا بها منذ آلاف السنين
صحيح أن ما كانوا يجنونه في السابق من زراعة التفاح لا يمكن مقارنته بمستوى الانتاج حاليا ... لكن يبقى أفضل من لاشئ
وهي عزيمة يستحقون عليها الاعجاب والتقدير فلربما لو واجهت هذه الظاهرة المخيفة أي شعب آخر من شعوب العالم المتخاذلة لقلنا على هذه المَزارع الف سلام
وأعود لأذكر نفسي واياكم مرة أخرى بقول الله عز وجل :
{ إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا }
فكفاك ظلما يا خليفة الله في أرضه وتذكر انك مؤتمن على نفسك وعلى جميع من حولك من مخلوقات وكائنات ... وما أثقلها من أمانة !
****************************************
http://www.maxisciences.com/abeille/..._art32446.html
.
تعليق