شهدت منطقة محاضر ليوا بالامارات عملية تحول كبرى خلال العقود الأربعة الأخيرة وتحولت من محاضر تعتمد على الزراعة البدائية في صحراء معزولة إلى محاضر زراعية وحضرية على مستوى عال من التطور والتمدن ذات بنية تحتية تجد فيها كل شيء .. أفضل الإبل وحليب النوق والرطب الفاخر والرمل النظيف والهواء النقي وحيث يعيش الجميع كإخوة فهذا يعد أمرا بديهيا ولكن أن تحصل على الأسماك الطازجة في وسط صحراء ليوا بالقرب من الربع الخالي فهو المعجزة والخيال بعينه.
وقد شهد العقد الماضي تطورا فريدا من نوعه في مشاريع الاستزراع السمكي بمحاضر ليوا وتجرى الآن بنجاح تربية الأسماك في المنطقة للاستفادة منها ذاتيا وتجاريا. ويتذكر المواطن عبدالله المزروعي تلك الأيام الخوالي التي عاشها أهل المنطقة قبل الاتحاد قائلا " قبل الاتحاد من أراد أكل السمك لابد ان يقطع مسافة أكثر من 100 كيلومتر مشيا على الأقدام ليصل إلى شاطئ البحر عند موقع مدينة المرفأ الحالي لشرائه من هناك ثم يعود أدراجه مرة أخرى لطهوه في اليوم التالي أما الآن أصبحت ليوا صحراء بداخلها بحيرات مليئة بالأسماك تستظل تحت أشجار النخيل الباسقة وإذا طاب لك أكل السمك فمد يدك في البركة لتلتقطه حيا وتأكل سمكا طازجا من مزرعتك".
ويضيف المزروعي " سبحان مغير الأحوال قديما كانت محاضر ليوا عبارة عن واحة بسيطة طمرتها الرمال وهي خالية من كل شواهد التهيئة والاستغلال إلا من بعض أشجار النخيل ذات الجذوع النحيفة المبعثرة هنا وهناك واليوم أصبحنا نزرع الأسماك وسط الرمال وأحواض وبرك الأسماك تجاور عنابر الدجاج وأصبحت ليوا مستقبل الإمارات الزراعي والغذائي". وتعد منطقة ليوا من أكثر الواحات اتساعا ويتيح ذلك إمكانية استغلالها للاستزراع السمكي وإضافة إلى ما سبق تتوفر في محاضر ليوا أراض زراعية منبسطة وتضم كثيرا من المناطق المحمية بفضل الأشجار العالية وتعتبر مناطق آمنة من التيارات الهوائية مما يجعلها من أنسب الأماكن لإقامة مشروعات البرك السمكية. وقد اكتشف أهالي المنطقة تلك الكنوز التي تحت أيديهم وبادر عدد منهم بإنشاء مزارع للأسماك الأمر الذي يبشر بمستقبل ناجح لهذا النوع من الاستثمار ..وفي عام 1995 بدأ المواطن بخيت مبارك المنصوري من محضر /العد/ إنشاء مزرعته بحوض واحد فقط والآن يوجد في المزرعة أكثر من 40 حوضا حتى صار يمتلك أكبر مزرعة خاصة للأسماك في الإمارات.
وبخصوص تجربته الشخصية في هذا المجال يقول المنصوري " الحاجة أم الاختراع ونحن في المنطقة متوفر لدينا جميع أنواع الغذاء من إبل وأغنام وتمر وخضراوات ولا ينقصنا سوى الأسماك ومن أراد أكل السمك يضطر لقطع حوالي 250 كيلومترا بالسيارة لشرائه ثم العودة به مرة أخرى". ويضيف " بدأت هذا المشروع بالهواية حيث كنت أهوى صيد الأسماك كما أنني أعشق أكل الأسماك أيضا ومن كثرة حديثي عن الأسماك وفوائدها الغذائية وأرباحها الاقتصادية اقتنعت العائلة بالفكرة وتحمس الجميع لمساعدتي في إنشاء بحيرة لتربية الأسماك والسلاحف" .
ويوضح " يعتبر مشروع استزراع المزارع السمكية بالمياه الجوفية وسط الصحراء مشروعا ناجحا ويستفيد منه سكان المحاضر في حصولهم على الأسماك الطازجة ومنها البلطي الذي يعتبر من الأنواع الجيدة لاستزراعها في المياه الجوفية لكونه يقاوم الأمراض وقوي التحمل وعادة يكون الاستزراع بالمياه الجوفية مع الزراعة الخضرية أمرا جيدا جدا لندرتها في البلاد مما يجعلنا نطبق القول: /أزرع الصحارى.. وأروها بمياه الأسماك/ ".
ويتابع " تدريجيا ونظرا لاهتمامي الشخصي ولمتابعتي اليومية للمزرعة تحولت إلى مشروع اقتصادي وسياحي كبير يجذب آلاف السائحين سنويا والذين يفدون إلى الدولة خصيصا لزيارة المزرعة والتمتع برؤية الأسماك وهي تعيش في بحيرات وسط صحراء الربع الخالي وذلك بعد ان أبرزتها وسائل الإعلام والمواقع العالمية ومنها موقع /جوجل ايرث/ ". ويضيف "كنوع من حسن الاستقبال والضيافة أعمل للزوار برنامج ترفيهي من خلال تجهيز أدوات صيد السمك ليقوموا باصطياد السمك بأنفسهم من هذه البحيرات وسط الصحراء".
وعن أهم المواقف التي عايشها من خلال عمله في الاستزراع السمكي يقول المنصوري " في احد الأيام عام 2006 زارنا وفد سياحي ألماني وأثناء تفقدي المعتاد للمزرعة وجدت الأمور تسير بصورة طبيعية والجميع سعيد ومنهمك باصطياد السمك بالسنارة وفجأة كسر هدوء المكان صوت صراخ وتهليل قوي وعند النظر لمصدر الصوت وجدت سيدة من ضمن الوفد السائح تصرخ وتقفز إلى الأعلى ثم تهبط على الأرض بحركات بهلوانية غريبة ومن الوهلة الأولى فكرت ان صديقتها ربما تكون قد وقعت داخل بركة الأسماك فأنقبض قلبي وأسرعت اتجاهها وعند الاقتراب منها وجدتها ممسكة بسمكة اصطادتها بالسنارة وترفعها عاليا والجميع يلتقط لها صور تذكارية فأخذت نفسا عميقا عندما قالوا لي: أنه صراخ فرحة اصطياد أول سمكة وسط الصحراء".
ويضيف " نحن نفتح أبواب المزرعة بكل سرور لجميع الزوار والسائحين ويزور المزرعة طلبة الجامعات وكثير من المدارس وزارنا جميع سفراء وقناصل الدول المعتمدة في الدولة والجميع يشكر ويثني على هذا الإنجاز وسط الرمال على الرغم أني في بداية المشروع شعرت بشفقة الناس على هذه التجربة حيث إن جلب أسماك من خارج البلاد وتوطينها للعيش في صحراء الربع الخالي كان عملا يحمل تحديا كبيرا لم يكن يتصوره الناس".
وانتهى للقول " سعادتي كبيرة لأن تجربتي فريدة وتعتبر إنجازا وسط الصحراء والآن أرى التجربة انتشرت حولي وأصبح في هذه المنطقة أكثر من 15 مزرعة أسماك منتجة" . هذا وقد أقام مزارعو ليوا عددا كبيرا من مشاريع استزراع الأسماك إذ يخوض المواطن أحمد عتيق المحيربي /37 عاما/ في محضر /مزيرعة/ تجربة الاستزراع السمكي وسط الصحراء.. يقول " أنشأت المزرعة منذ عام تقريبا وبدأت الإنتاج منذ 4 أشهر ولدي الآن 5 برك وأنا بصدد تطوير المزرعة وإضافة أحواض أخرى".
ويضيف " مشاريع تربية الأسماك في المنطقة توفر لنا اكتفاء ذاتيا من الأسماك بتكاليف قليلة بالإضافة إلى أنها ذات دخل جيد من خلال إطلاعي على تجارب الآخرين وتوفر الماء كسماد للزراعة وأصبح أهالي المنطقة يأكلون ما لذ وطاب من الأسماك الطازجة والصحية في الوقت ذاته" .
وتمنى المحيربي ان توفر محاضر ليوا خلال المستقبل القريب مخزونا استراتيجيا للدولة من البروتين السمكي على مدار العام كما كانت وما زالت توفر مخزونا استراتيجيا للدولة من التمر. ويضيف مخاطبا الشباب " انه مشروع يستحق الدراسة ولا يبقى أمام الشباب سوى العزيمة لاستغلال مثل هذه الأفكار وتنفيذها على أرض الواقع خاصة أن مثل هذه المشاريع تلقى التسهيلات والمشورة من الجهات المختصة نظرا لجدواها الاقتصادية ويقدم لها صندوق خليفة لتطوير المشاريع الدعم الكامل ". من جانبه تنبأ المهندس محمد أحمد عوض من مركز خدمات المزارعين بالمنطقة الغربية ان تشهد عملية إنشاء المزارع السمكية وتجارتها في ليوا نموا في الفترة المقبلة وذلك لزيادة الطلب المحلي والإقليمي علي الأسماك. ويقول " منذ ما يقارب عشر سنوات كانت في محاضر ليوا مزرعتان فقط أما الآن فأصبح العدد لا يقل عن 25 مزرعة تجارية كل مزرعة متوسط مساحتها من دونم إلى 2 دونم ناهيك عن عدد كبير من المزارع الصغيرة للاستهلاك المنزلي".
ويضيف عوض بكل ثقة " لو تم إنشاء حوض أسماك واحد في كل مزرعة من مزارع ليوا الممتدة من محضر حميم حتى محضر عرادة على طول 120 كيلومترا لكان لدينا اكتفاء ذاتي من الأسماك بعيدا عن المصائد البحرية ولفاض الإنتاج وتم تصديره للأسواق الإقليمية والعالمية". وعن الآفاق المستقبلية لاستزراع الأسماك في الدولة أكد ان دراسات الجدوى أثبتت انه بمقدور المواطن العادي إنشاء مزرعة أسماك خاصة به وهناك إمكانية لإنشاء المزيد من المزارع لطرح إنتاجها في السوق المحلي بالإضافة إلى ان فائض الإنتاج يمكن تصديره عن طرق التعاقدات الخارجية.
وخلص للقول " إن نشاط الاستزراع السمكي يساهم في التقليل من الضغط على المصائد السمكية الطبيعية وإنتاج الأسماك من الاستزراع يوفر الغذاء ويساهم في زيادة الإنتاج السمكي وبالإمكان أن تكون الإمارات خلال الفترة القادمة دولة رائدة في هذا المجال ومشاريع إنتاج أسماك البلطي مع تطورها السريع في ليوا ستجعل الدولة مركزا للتصدير لدول الخليج ودول قارة آسيا وبعض الدول الأوروبية حيث يتحقق الأمن الغذائي بتوفير الأسماك في الأسواق المحلية وتصدير الفائض للخارج". وفي نهاية حديثه حث أهالي المنطقة للاتجاه بجدية نحو استزراع الأسماك بغرض التجارة أو للاستهلاك الشخصي في ضوء القيمة الغذائية والصحية العالية والمردود الاقتصادي الوافر لاستزراع الأسماك ومن أجل المساهمة الفعالة في التنمية الزراعية التي تعيشها الإمارات وللمشاركة في تأمين المنتجات الغذائية المختلفة والضرورية.
تقرير من / شيخة الغاوي ..
تعليق